الرباط: لطرافة موضوعه، حظي كتاب "قرابة الملح: الهندسة الاجتماعية للطعام"، لمؤلفه عبد الرحيم العطري، برواج واسع، أدى إلى نفاذ الطبعة الأولى، وصدور طبعة جديدة مزيدة ومنقحة.

وقد أهدى العطري هذا الكتاب، الصادر عن دار المدارس للنشر والتوزيع، وبدعم من وزارة الثقافة المغربية، إلى روح &الكاتبة المغربية وعالمة الاجتماع الراحلة فاطمة المرنيسي، مستحضرًا لقاءاتها التأطيرية وأبحاثها القيمة، و"انتصارها الدائم لثقافة الاعتراف"، باعتبارها"عالمة اجتماع فوق العادة" ،على حد تعبيره.&

يضم كتاب "قرابة الملح" بين دفتيه، وعلى امتداد 353 صفحة، مقدمة، وخمسة فصول وخاتمة، يتناول فيها موضوع الطعام، كشاهد على كل التحولات، وكمدخل لكل القراءات، من خلال موائده وأطباقه ورموزه، وذلك في محاولة &للإلمام &بكل الجوانب المتعلقة بالطعام في المغرب، ثقافة وسلوكًا وعادة وتنوعًا.

وتبعًا لذلك، فإن المؤلف العطري، وهو باحث اجتماعي معروف وأستاذ جامعي، يرى أن القرابة في أي مجتمع، تتأسس أصلاً على "لقاء الدم"، عن طريق الزواج، وما يفرزه &من علاقات عائلية، إضافة إلى "قرابة الحليب" الناتج عن الإرضاع، ثم "قرابة الملح"، أو الممالحة، التي تنبثق عن المشاركة في &الطعام.

البرنوس والكسكوس

من الصفحات الأولى يعلن العطري أن كتابه سيخذل قرّاء كتب "الطبخ والحلويات"، والتي تحقق أعلى المبيعات، مشيرًا إلى أنه يكسر أفق الانتظار منذ الوهلة الأولى، ولن ينصرف إلى &تبيان الوصفات والمقادير الخاصة بكل أكلة، بقدر ما يهمه اكتشاف الشروط الاجتماعية للطعام وطقوسه وممارساته، مؤكدا أنه "بحث في الشفرة الثقافية للأكل لا في وصفته الطبيخية".

وفي العادة، وكما ذكر &ذلك المؤلف، يستعمل المغاربة كلمة "الطعام" للدلالة على الكسكس، فهي الوجبة الرئيسة التي عرف بها تاريخيًا، إلى الدرجة التي جعلت الحسن الوزان، المشهور بليون الإفريقي، يصفهم بأنهم "يحلقون الرؤوس، ويلبسون البرنوس، ويأكلون الكسكوس".

وأوضح الباحث أن قراءة تحولات المجتمع تكون عن طريق الأطعمة والأشربة، "فمن خلال طريق إعداد الطعام وتقديمه وتدبيره، ينكتب تاريخ طويل من التصورات والممارسات والعلاقات، ومن ذات المطبخ نقرأ توترات المجتمع وتوازنه في الفائت والراهن".

كما توقف الباحث عند &حضور الطعام والشراب في التراث العربي الإسلامي كمكون أساسي للمتعة والفرجة والتندر، مثل ألف ليلة وليلة وكتاب الأغاني والإمتاع والمؤانسة، مشيرًا في نفس الوقت إلى ما تحفل به الثقافة الشعبية المغربية أيضًا من&حكايات وأمثال وأهازيج ونكت ونوادر تنشغل بالطعام والإطعام، بما يشكل "مطالبة اجتماعية/ سياسية" بالعدالة الغذائية، ومقاومة ثقافية للجوع والتسلط".

رمزية الأكل

اشتمل الكتاب على ملاحق ضمت بين سطورها معجمًا للطعام، وأمثالاً شعبية مغربية عن الطعام والإطعام، وأقوالاً في الجوع والطعام، وتعريفاً بأدوات الطبخ، وألوانًا من الوجبات الغذائية، ونماذج من قصائد ونوازل الأطعمة والأشربة.

ومما جاء في خاتمة الكتاب، أنه يسعى "لأن يساهم، ولو في حدود دنيا، في توسيع دائرة الانشغال بالطعام كثقافة دالة نقرأ من خلالها المجتمع في ثباته وتغيّره، مدافعاً بالأساس عن رموزية الأكل وتراتبيته، ومنتهياً في الختام إلى "مشروع توصيف" ممكن للمجتمع المغربي. فالطعام هو جسر عبور ممكن إلى الأبنية الخفية للمجتمع، ومنه نفكك كثيرًا من الشفرات الثقافية، ونتتبع مختلف التلاقحات والتواصلات التي تختزنها وجبات وأدوات الممارسة المطبخية."

يشار إلى أن المؤلف عبد الرحيم العطري أستاذ السوسيولوجيا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، صدرت له مجموعة من الأعمال الفردية والجماعية، من بينها: "سوسيولوجيا السلطة السياسية: آليات إنتاج نفوذ الأعيان"، "بركة الأولياء: بحث في المقدس الضرائحي"، "مدرسة القلق الفكري: بورتريهات السوسيولوجيا المغربية"، "سوسيولوجيا الأعيان: آليات إنتاج الوجاهة الاجتماعية"، "الرحامنة: القبيلة بين الزاوية والمخزن"، "وتحولات المغرب القروي"، الحركات الاحتجاجية بالمغرب"، "صناعة النخبة بالمغرب"، سوسيولوجيا الشباب المغربي"، دفاعًا عن السوسيولوجيا"، "الليل العاري"، "القارة السابعة".