الرباط: تعتقد نسبة عالية من المغاربة، من خلال العينة التي شاركت في استطلاع " إيلاف المغرب" حول نظام الجهوية المتقدمة الذي شرع المغرب في تطبيقه على مراحل ، ان هذا النظام قرار نافع للاقتصاد الوطني، وكفيل بخلق فرص للعمل وبتقريب الادارة من المواطنين، إضافة الى إسهامه في تحقيق العدالة المجالية &بين جهات المملكة ما يتيح لها إمكانية التضامن والتكافؤ &والتكامل ، في إطار منافسة إيجابية وعقلانية تستهدف النهوض بالبلاد وتنميتها اقتصاديا واجتماعيا على الخصوص.

ويعتبر نظام الجهة الذي اتخذ شكلا متقدما وملموسا، بعد انتخاب رؤساء الجهات السنة الماضية وتخويلهم السلطات الإدارية التي كان يمارس اغلبها وأهمها الولاة والعمال (المحافظون) التابعون لوزارة الداخلية، باعتبار الاخيرة السلطة الوصية على الجماعات الترابية ، مع الإشارة الى ان &التنسيق بين الطرفين &سيظل قائما بل مطلوبا خلال الفترة الانتقالية ، ريثما تصبح الجهات بمثابة بنيات قارة لحكومات محلية تدبر الشأن المحلي العام &مع إلغاء تدريجي لسلطة الحكومة المركزية .

وعلى الرغم من ان نظام الجهات لم يستكمل بعد &كامل شروطه وأركانه المتعارف عليها ، فان البدايات في المغرب ، مرت بسلاسة &ولم تثر مشاكل او عراقيل صعبة للسلطات المركزية ؛ رغم ذلك فان المغاربة بدوا متفائلين بهذه التجربة&وهي تتويج لمسار طويل و خطوات &جريئة في اتجاه اللامركزية ، شرع في تطبيقها نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي ، وتطورت مع توالي العقود الماضية &لتبلغ الشكل الذي استقرت عليه في ظل الدستور الجديد (2011) الذي أرسى هندسة جديدة للحكم والسلطة في المغرب &في أفق اشراك &المنتخبين وممثلي الارادة الشعبية في سلطة القرار، عبر البرلمان بغرفتيه &اي مجلس النواب والمستشارين، وكذلك عبر قنوات عدد من المؤسسات الدستورية التي منحها المشرع حق الاقتراح وتقديم المشورة &لصانع القرار.

ومن المفارقات التي يثيرها استطلاع " إيلاف المغرب " (نعم : 75% , لا: 16.67% ،لا ادري 8,33%)، الذي نؤكد في كل مناسبة على طابعه النسبي وتعبيره عن رأي عينة خاصة من المستجوبين، نفترض انها واعية بالسؤال والجواب الذي تساهم به ، هي ان الاستطلاع &جرى في ظل اجواء انسداد سياسي غير مسبوق يمر به المغرب، يتجلى في أزمة حكومية مضى عليها اكثر من شهرين ، لم يستطع خلالها رئيس الحكومة المعين ،عبد الاله ابن كيران،&أمين عام حزب العدالة والتنمية ، متصدر نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة، من تشكيل أغلبية &برلمانية مساندة للفريق الحكومي الذي ينوي عرضه على أنظار المؤسسة التشريعية لمنحه الثقة والمصادقة على برنامجه.

ويمكن اعتبار النسبة المرتفعة من المشاركين في الاستطلاع &والتي أجابت ب " نعم" على سؤال " إيلاف المغرب " مؤشرا &مزدوجا :سلبيا وايجابيا ،في الوقت&نفسه ،فهو يعني ان &عينة من الرأي العام المغربي لم تعد مهتمة بما يجري في العاصمة من صراع وتجاذبات وأخذ ورد بين الاحزاب &السياسية الممثلة في البرلمان ، وبالتالي يجوز الاستنتاج ان الصراعات الحزبية &لا تثير فضولها بما فيها فصول مشاورات &تشكيل الحكومة؛ بالقدر الذي &يشغل المغاربة مستقبل ونجاح &نظام الجهات القاعدة الأساس في الصرح الديمقراطي.

وانطلاقا من &المعطى السابق ، يمكن القول ان نتيجة الاستطلاع تشكل مفاجأة إيجابية ، ذلك انه عند صياغة سؤال الاستطلاع ، انصرف الذهن الى ان نسبة المؤيدين قد تكون في أحسن الأحوال مماثلة لنسبة الرافضين والممتنعين عن الجواب، كونهم لا يدرون او لا رأي لهم ؛ فإذا بالنتيجة تأتي بهذا الارتفاع المثير حقا ضمن &شريحة الموافقين ب " نعم". &وبعبارة اخرى لم تؤثر الأجواء السياسية الراهنة ، سلبا في حاسة التمييز والاختيار عند الفئة المستطلعة.

تجدر الإشارة الى ان نظام الجهوية ، كان مطلبا شعبيا منذ عقود من الزمن ، انسجاما مع التطور الديمقراطي المتدرج الذي عرفه المغرب منذ استقلاله ؛ غير ان نزاع الصحراء ، اقنع السلطات بضرورة التسريع به لإرساء النظام في الجهات ال 13 التي تشكل مجموع التراب الوطني المغربي، وضمنه بطبيعة الحال الأقاليم الصحراوية.

ويرأس الجهات رؤساء منتخبون من طرف من يسمون" الناخبين الكبار" &ينتمي اغلبهم الى حزب الاصالة والمعاصرة، يليه حزب العدالة والتنمية ، فيما تتوزع باقي الجهات بين احزاب اخرى ، من دون الاحزاب الصغيرة لانها لم تحصل على نتائج مهمة في الاستحقاقات الجماعية التي تشكل القاعدة والكتلة الناخبة لأعضاء مجلس الجهة .

واستقرّ رأي السلطات المغربية على نظام الجهة الحالي ، بعد نقاشات ومشاورات بين الفاعلين المجتمعيين والسلطات ، والاستئناس بأنظمة الحكم المحلي الناجحة في عدد من الدول الديمقراطية، وتمخض كل ذلك عن تشكيل لجنة ملكية رأسها ،عمر عزيمان، &مستشار الملك ، فاتفقت اللجنة &على تقسيم المغرب الى الجهات الثلاث عشرة، أقر البرلمان بالإجماع &ما انتهت اليه اللجنة.

ويأمل المغاربة في ان تنجح التجربة &خلال طورها الانتقالي &لتنفتح على آفاق جديدة؛ ومن شأن ذلك ان يطلق دينامية سياسية واجتماعية في سائر اجزاء التراب المغربي ،ضمن رؤية وحدوية مندمجة ، تراهن على المشترك بين المغاربة فتقويه وتعضده، مثلما تحتفي &بالمكون المحلي، عبر تثمينه وابراز خصوصياته.