إيلاف من لندن: بينما يتجه الناس شتاءً إلى أقطار الجنوب الدافئ، تتجه قلة أخرى إلى&سياحة الشتاء حيث الثلوج وطبيعة البلاد الثلجية في ذلك الوقت من السنة، فمن على متن طائرة الخطوط الجوية& البولندية المتجهة من ميونيخ إلى إستونيا اتخذنا مقاعدنا ووسط جو بارد للغاية والثلوج تتساقط على مدرج الطائرة،& فما بالك إذا بثلوج اسكندنافيا، ودول بحر البلطيق .

المهم أن السفر صباحا له ميزة سنعرف فضلها في إستونيا قبل أن يطبق علينا ظلامها الحالك في الثالثة من بعد الظهر، فقديما قالوا إن للنهار عيونًا،&أما ليالي الشتاء في تلك البلاد فهي طويلة،& والنهار قصير،& والبرودة شديدة ، رغم ذلك لا يجد السائح مشكلة في الترحال، ولا تشغله كثيرا درجات الحرارة سواء حارة صيفا أو باردة شتاء، فالأهم هو انتهاز فرصة السفر،& والتعرف على الثقافات والحضارات المختلفة،& ونسيان الهموم اليومية،& وحروب العالم،& ودمار وخراب الإنسانية.

إستونيا إذا هي دولة من دول البلطيق الثلاث التي تشمل أيضا ليتوانيا ولاتفيا،& وهي تطل على خليج فنلندا، أما الدول الثلاثة مجتمعة فهي تتشابه في ما بينها كثيرا.

&خضعت استونيا لسيطرة الاتحاد السوفياتي السابق طيلة 50 عاما إلى أن نالت الاستقلال في سنة 1991، أقاموا& في أحد ميادينها نصبا تذكريا عبارة عن لوحة جدارية كبيرة عليها رسم " لبوريس يلتسن"& لتخليد تلك المناسبة، &لأنهم حصلوا على الاستقلال في عهده، حيث كانت إستونيا أول دولة من دول الاتحاد السوفيتي السابق تحصل على الاستقلال.

إستونيا هي دولة من دول البلطيق الثلاث التي تشمل أيضا ليتوانيا ولاتفيا

تقارب مساحتها سويسرا

&عندما هبطت الطائرة في مطار العاصمة "تالين" لم نكن نعرف الكثيرعن تلك الدولة الصغيرة التي تقارب في مساحتها&سويسرا، &المطار لا يبعد عن قلب المدينة إلا أربعة كيلومترات فقط ، أجرة التاكسي من أمام المطار إلى قلب العاصمة لا تزيد عن 7 يورو، كل الأماكن المغلقة في المدينة دافئة، الشوارع نظيفة وواسعة، إنهم يطلقون على بلدهم جوهرة&البلطيق فهي تضم& أكثر من 1400 بحيرة،& وما يزيد عن 1500 جزيرة، ‏ كما تغطي الغابات أكثر من 50% من مساحتها.

برودة «تالين» في ديسمبر تتراوح بين 5&تحت الصفر إلى 7 تحت الصفر، الناس يسيرون في الشوارع وقد تدثروا بملابس الشتاء الثقيلة، ثمة&أناقة واضحة في ملابس النساء رغم ثقلها، &يستطيع المرء أن يلاحظ نحافة النساء، &وعندما سألت عن ذلك قالوا إنهم يمارسون الرياضة ويأكلون الطعام العضوي . هواء بحر البلطيق ينظف سماء المنطقة، فأنت تشعر بنظافة الجو وخلوه من التلوث، الشوارع ليس بها دراجات هوائية ولا كلاب بصحبة الناس على عكس ألمانيا مثلا، الحقيقة أن إستونيا اليوم هي غير إستونيا قبل الاستقلال، فالعاصمة مليئة ببيوت الموضة، ومطاعم وفنادق الخمس نجوم ، حيث تتركز معظمها في قلب المدينة النابض بالحركة والسياحة.

السيّاح يملأون طرقات المدينة القديمة، فقد زادت نسبة السياحة الأوروبية بعد انضمام إستونيا إلى الاتحاد الأوروبي، &يحكي دليلنا إلى المدينة: &أنه في عهد الاحتلال السوفيتي تم تشييد فندق "فيرو" أحد أعلى المباني في المدينة وأجملها في أعوام السبعينات ليكون مقرا للوافدين الأجانب والسياح، لأنه كان مجهزا بوسائل للتجسس&ومراقبة حركاتهم .

برودة «تالين» في ديسمبر تتراوح بين 5&تحت الصفر إلي 7 تحت الصفر

التراث العالمي

&قلب المدينة الذي يطلق عليه المدينة القديمة أصبح من التراث العالمي &التابع لليونيسكو، والذي يتوجب المحافظة عليه، فالمدينة القديمة بأسوارها وقلاعها ومبانيها التي ترجع للقرن الرابع عشر والخامس عشر ما زالت محتفظة بذلك الطابع، وبأجواء العصور الوسطى، مطاعم وحوانيت كثيرة في المكان تحاول أن تحاكي تلك الفترة التاريخية فمثلا مطعم " اولدا هينزا" يقع في إحدى تلك البنايات القديمة، يرتدي فيه&الغرسونات ملابس العصور الوسطى، ويقدمون الطعام في أطباق وقوارير تحاكي ما كان يقدم في ذلك الوقت، لذلك لم يكن غريبا أن يتم اختيار المدينة في سنة 2011 لتكون المدينة الثقافية الأولى في أوروبا.

&في عطلة نهاية&الأسبوع يقف القرويون قرب زقاق سانتا كاترينا يبيعون منسوجات ومشغولات صنعوها بأيديهم مثل جوارب وقفازات وقبعات الصوف الذي يحمل الطابع التقليدي لإستونيا، &أما في قلب الشارع المتاخم لأسوار القلعة الكبيرة فتقع محلات باعة الأشغال الحرفية المخضرمين التي تبيع المنسوجات الإستونية الشعبية المطرزة.

شواطئ إستونيا لا تبعد عن هلسنكي العاصمة الفنلندية أكثر من 80 كيلومترا، &ويمكن السفر بالعبارة إلى هناك ، الثقافة الفنلندية هي أكثر الثقافات الأجنبية تأثيرا في الحياة الإستونية، حتى أن اللغة الإستونية تحتوي على 40 % من مفردات الفنلندية.

إستونيا هي دولة صغيرة لكن التاريخ سطر فيها صفحات كثيرة

الجالية الروسية

رغم أن روسيا تقع على حدودها الشرقية واللغة الروسية هي اللغة الثانية في البلاد، وفي الكثير من وظائف العمل يشترط إجادة اللغة الروسية، وهناك جالية روسية كبيرة ما زالت تعيش وتتحدث الروسية إلا أن الإستونيين أكثر ميلا لحياة الغرب خاصة الدول الاسكندنافية .

إستونيا هي دولة صغيرة لكن التاريخ سطر فيها صفحات كثيرة،& فقد تعرضت عبر تاريخها الطويل الى غزوات الجيران المتكررة،& وتناوب على احتلالها الجيوش الدانماركية،‏ الليتوانية،‏ النروجية،‏ البولندية،‏ الروسية.‏ لقد خضعت للحكم السويدي أكثر من قرن ثم عاد الروس ليهيمنوا عليها عام 1721‏ ثم نعمت بالاستقلال فترة قصيرة حتى غار عليها الروس مرة أخرى في سنة 1940 ثم احتلتها القوات النازية،& وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عادت للاتحاد السوفياتي مرة أخرى، &ثم حصلت على استقلالها في النهاية عام& 1991.
مجلس النواب الإستوني معروف باسم "ريجيكوجو"،& لا يقف أمام مبناه أي حراسات، فقط باب حديدي وكاميرا ترصد الحركة أمام الباب، ويقول الدليل السياحي إنك ببطاقة المواطنة الإستونية يمكنك أن تحضر جلسات البرلمان،& بل ويمكن مناقشة الأعضاء، &أيضا الدولة تقدم خدمة المواصلات بالمجان للمواطنين، أما السياح والزائرون فعليهم التنقل بمقابل، جدير بالذكر أيضا أن خدمة الإنترنت في العاصمة مجانية.&

رغم أن تعداد إستونيا مليون و300 نسمة،& فهي أيضا بها جالية إسلامية صغيرة لا تزيد عن 10 آلاف مسلم

&

لاحظت أن حركة السياحة نشيطة رغم برودة الجو وعندما سألت عاملة الاستقبال في الفندق لماذا يمتلئ &الفندق عن آخره في هذا الوقت من الشتاء؟، قالت: هذا طبيعي &فالسياحة لا تتوقف صيفا أو شتاء،&رغم أن تعداد إستونيا مليون و300 نسمة،& فهي أيضا بها جالية إسلامية صغيرة لا تزيد عن 10 آلاف مسلم، معظم أصولهم من التتار الروس،& وقد جاؤوا إلي إستونيا واستقروا فيها منذ قرنين من الزمان أكثرهم من التجار. وعندما اندلعت &الحرب العالمية الثانية، هاجر الكثير من المسلمين الإستونيين إلى دول أخرى خوفا من الشيوعية بعد أن ضمها الاتحاد السوفياتي إلى أراضيه، والآن يعودون لممارسة حياتهم الطبيعية في ظل الدولة الديمقراطية.

هاجر الكثير من المسلمين الإستونيين إلى دول أخرى خوفا من الشيوعية بعد أن ضمها الاتحاد السوفياتي إلى أراضيه

&