اعتبر عراقيون بأن احجام مرجعية السيستاني عن التحدث في شؤون البلاد السياسية هو ترك للبلاد في يد الفاسدين، بينما قال مصدر مقرب من المرجعية إن عدم تأمين الحكومة لرواتب مقاتلي الحشد الشعبي وراء قرار المرجعية، فيما اشار آخرون الى انه تعبير عن &غضب من عدم جدية الاصلاحات التي يقوم بها العبادي.

عبد الجبار العتابي من بغداد: اعرب الكثير من العراقيين عن استغرابهم تارة واستيائهم تارة اخرى من قرار المرجعية الدينية في النجف، والتي اعلنت فيه الغاء الخطب السياسية وجعلها عند الضرورة وفي المناسبات، واكدوا ان توقيت القرار غير مناسب، لا سيما ان الاصلاحات التي وعد بها رئيس الحكومة لم تنفذ، وان المحتجين على الفساد سيكونون بلا ظهر يحميهم لان الفاسدين من السياسيين سيجدون في قرار المرجعية فرصة سانحة لهم لزيادة مساحة فسادهم ، فيما رأى آخرون انه "ﻻ رأي لمن ﻻ يطاع"، وهي تعني ان لا فائدة ان تستمر في اثارة الناس ولفت انتباههم اليها كل يوم جمعة.
&
رواتب &الحشد&
&
وابلغ مصدر مقرب من المرجعية "إيلاف" ان قرارها الاخير يأتي اعتراضًا على سياسة الحكومة العراقية وبالاخص تعاملها مع الحشد الشعبي الذي تشكل بفتوى من المرجع الشيعي الاعلى آية الله السيد علي السيستاني.
&
وقال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه إن القرار جاء اعتراضًا على السياسة التي تنتهجها الحكومة والبرلمان وعدم تجاوبهما مع توجيهات المرجعية وبالخصوص في ما يتعلق برواتب الحشد الشعبي المتوقفة منذ اربعة اشهر، والتي طالما نبهت الى ضرورة صرفها للمقاتلين ولكن دون جدوى . واشار الى ان انسحاب المرجعية من التحدث في السياسة يأتي من باب الاعتراض على سلوكيات الحكومة بشكل عام. &
&
لا أمر لمن لا يطاع&
&
الى ذلك، اكد رجل الدين الشيخ علي العيداني ان هذا القرار غير المفاجئ يمثل في حقيقته احتجاجاً على رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي لم يفِ بوعوده بالاصلاحات الحقيقية في محاربة الفساد والمفسدين، فضلاً عن كونه لم يتنبه الى توجيهات ونصائح المرجعية التي اعتقد انها ترى ان ما يفعله هو مجرد تسويف لا اكثر.
&
واضاف: "المرجعية لم ترفع يدها عن تأييد الشعب في المطالبة بالاصلاحات بل انها معه، ولكنها ليست صاحبة القرار ولا يمكن لها، حسب رأيي الشخصي، ان تعلن وقوفها بشكل صريح ضد السياسيين لان ذلك قد يؤدي الى فوضى، خاصة مع استمرار المعارك ضد عصابات داعش الارهابية".
&
وأردف: "من خلال متابعتي لخطب المرجعية ابتداء من مطالبتها العبادي بالضرب بيد من حديد وصولاً الى مطالبتها الطبقة السياسية بتوحيد الخطاب ونبذ الطائفية، وجدت أن أحدًا لم يسمع ولم يُنفذ شيء من الاصلاحات التي وعد بها العبادي، وظلت الامور تزداد سوءًا، وبالتالي جاءت مشكلة رواتب الحشد الشعبي التي كانت المرجعية محرجة فيها لانها هي التي افتت بتأسيسه، ولكن كما قالت المرجعية (بح صوتها) من اجل ان تسمع الحكومة ولكنها لم تصغِ للاسف، فهي تقول للناس جميعًا (لا أمر لمن لا يطاع).
&
انسحاب غير مناسب
&
من جانبه، اكد قاسم حسن، موظف، ان الوقت غير مناسب لانسحاب المرجعية هذا، وقال: "من المؤسف ان تعلن المرجعية الدينية انهزامها أمام الثور الهائج الذي رعته وربته طوال 13 عاماً، وها هي تعلن انسحابها لتترك الساحة للسياسيين ليزداد فسادهم، وهي رسالة سيحملها السياسيون ويقولون للناس المطالبين بالاصلاحات انكم بلا ظهر واننا سنتمكن منكم ولم تتمكنوا منا".
&
وتابع: "الناس في العراق يتبعون المرجعية، وللاسف هذا الانسحاب سيصيبهم بالاحباط لانهم سيقولون انها (خافت) من الفاسدين او انها (شريكة) لهم كما اصبحنا نسمع، وكنا نأمل من المرجعية ان تصدر فتوى ضد الفاسدين لكنها للاسف انسحبت واعتقد أن الامور ستكون اسوأ".&
&
اما فاضل محمد، طالب جامعي، فقد اكد ان المرجعية تتحمل مسؤولية ما حدث، وقال: "اعتقد ان قرارها &غير صحيح &وإن حاولت ان تبعث من خلاله رسائل اكدت فيها أنها لم تنسحب من مساندة الشعب ولكنها أرسلت رسالة مهمة برفع عباءتها عن الطبقة السياسية كلها بعد ان فشلت كل اساليبها بالمقاطعة والنصح والارشاد ودعم المشاريع الاصلاح، لكن هذا سيفرح السياسيون ويجعلهم يرقصون على دقات طبل الفساد".
&
واضاف: "لو تأكد ان المرجعية نفضت يدها من عملية الاصلاح فهذا يعني ان الكارثة ستحل وان سفينة العراقي ستمضي الى المجهول لان ملاحيها لا يخافون الله وليس لهم دين او اخلاق"، وتابع: "المرجعية هي من اوصلت هؤلاء السياسيين الفاسدين الى سدة الحكم بعد ان اوحت لمعتمديها ووسطائها بضرورة انتخاب قائمة معينة وكان عليها ان تتحمل هذه المسؤولية". وختم بالقول: "ما يحدث يجعلني اقول إن المرجعية سواء تكلمت أو صمتت فالامران سيان ، والدليل هذا الخراب الذي يحيط بحياتنا من كل جانب".
&
الصراع لا تحله المنابر
&
الى ذلك، قال الكاتب مشرق عباس: "بالتأكيد فكر السيد (المرجع السيستاني) بأن التوقيت سوف يجير من قبل بعض المحللين الى رغبة المرجعية بعدم تحمل نتائج الفشل السياسي الكارثي في العراق، خصوصاً مع الربط المستمر بين حكومة العبادي وارادة السيستاني".
&
واضاف: "من حيث التوقيت ايضاً، فإن المرجع ربما قرأ ان الصراع السياسي في العراق لا يمكن ان تحله دعوات منابر الجمعة وانه اكثر عمقاً واكثر التباساً من مجرد التماسات دينية، ومن حيث الخيارات فإن عليه اما التدخل المباشر او الانسحاب، ومن حيث الحكمة فإن الرجل اثبت انه لا يمكن ان تقبل نجف السيستاني او من يخلفه ان تتحول الى قائد للسياسة وولي لمجاميع من الفاسدين والموتورين والاغبياء خارج دورها التاريخي وفلسفتها العميقة، ومن حيث الواجب فقد ترك الرجل الباب مفتوحًا لتدخل في الضرورات من دون الانغماس في التفاصيل".
&
وتابع : "لكن من حيث الواقع، فإنه ربما خاف من عجز القادة الجدد عن استنباط قرارات بمعزل عن محاولة ايجاد قنوات وصل بالمرجعية عن طريق وكلاء او مقربين او حتى اقرباء كأنهم يصرون حتى على محاولة افساد بنية استمرت قروناً تفتخر بقدرتها على اقناع الجمهور بنزاهتها. واوضح: "كان الخيار صعباً بالتأكيد، بان تستسلم لكل الاذرع المفتوحة من سياسيين لؤماء وجبناء يحاولون استدراجك خارج فهمك لدورك التاريخي، وأن تختار ان توسع المسافة معهم وتضعهم امام مسؤولياتهم كسياسيين وقادة لا مسؤوليتك كمرشد روحي وديني وانساني".
&
وختم بالقول: "اختار السيستاني ان يشبه النجف بتاريخها الممتد ولا يشبه أي تجربة اخرى، رغم قسوة التأويلات وفداحة الظرف، لكن الاصل فيما يحدث ان ثمة اخطاء ارتكبت بالفعل .. اخطاء جسيمة وكارثية لم تنفع التصحيحات اللاحقة في اخفائها .. وربما حان الوقت لمعالجتها بشكل شامل".
&
تحذير مشدد&
&
من جانبه، قال النائب فادي الشمري إن قرار المرجعية الدينية معناه تحذير مشدد بوجه حكومة العبادي، واضاف: "حزمة الاصلاحات التي اطلقت من قبل رئيس مجلس الوزراء لم تأخذ طريقها وفقًا للتوقيتات التي وضعت لها، ما دعا المرجعية الدينية للتأكيد على السلطات الثلاث بتحمل &المسؤولية في اتخاذ خطوات جادة في مسيرة الاصلاح الحقيقي وتحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد وملاحقة كبار المفسدين، وقد اكدت المرجعية انقضاء عام كامل على تلك الاصلاحات ولم يتحقق شيء على أرض الواقع".
&
وأضاف: "أن ما جاء في خطبة المرجعية الدينية ليوم الجمعة الماضي مثّل شعورًا كبيرًا باليأس من الخطوات الاصلاحية التي اعلن عنها العبادي قبل عام، وهذا اليأس جاء بعد ان باتت هذه الاصلاحات & حبراً على ورق ولم تستطع ان تكون بمستوى الطموحات والآمال للمرجعية الدينية والجماهير، ومن هنا كان قرار المرجعية التي رفعت الكارت الاصفر (الانذار المشدد) للحكومة، التي عليها ان تنتفض على حالها وان تشرع بتطبيق مشروع باصلاحات جذرية".&
&

&