يرى الغرب أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منبوذ دبلوماسيًا الآن بين زعماء العالم. إذ إن ضمه شبه جزيرة القرم إلى روسيا وتدخله العسكري في شرق أوكرانيا أخلّ باستقرار العلاقات الأوروبية بعد انتهاء الحرب الباردة.


&

إعداد عبدالاله مجيد: أثارت الحشود والمناورات العسكرية الروسية على أطراف حلف الأطلسي مخاوف، حتى في بلد مثل السويد، من أن اشتعال نزاع مع روسيا لم يعد مستبعدًا بالكامل. وأخذت حكومات دول الأطلسي تزيد إنفاقها العسكري، فيما تتخذ الولايات المتحدة خطوات لتعزيز وجودها العسكري في البلدان المتاخمة لروسيا. &

تسميم عميل

وتقول روسيا إن توسع حلف الأطلسي شرقًا باتجاه أراضيها هو المسؤول عن رفع درجة استعدادها العسكري في مواجهة الخطر المحدق بأمنها. وهناك اعتقاد واسع النطاق بأن إدارة بوتين أرسلت عملاءها لتسميم معارض روسي في لندن، باستخدام مادة مشعة، تركت آثارها في أنحاء العاصمة البريطانية. &

&ويرى مراقبون أن المثير للاستغراب إزاء هذه الممارسات أن تتعاطى القوى الغربية عمومًا مع تدخل روسيا إلى جانب نظام بشار الأسد على أنه يمكن أن يشكل أرضية مشتركة بين روسيا والغرب. &
&
وكانت روسيا تعتبر، حتى الأيام الأخيرة على أقل تقدير، إحدى الدول الراعية للتحرك الدبلوماسي الرامي إلى إنهاء الحرب في سوريا وطرفًا مهمًا في أي حل. ولا يُعرف ما إذا كانت هذه النظرة إلى روسيا ستتغير بعد هجوم قوات النظام السوري وحلفائه على مدينة حلب. فالغارات الجوية الروسية قبل أي شيء آخر هي المسؤولة عن تغيير موازين القوى ومعها تغيير حظوظ النظام السوري. &
&
أوهام الغرب
يلاحظ المراقبون أن الهجوم الهادف إلى قطع شريان الحياة الوحيد لقوات المعارضة في حلب تزامن مع الجولة الجديدة من محادثات جنيف لحل الأزمة السورية عن طريق المفاوضات، أدى إلى تسميم أجواء المحادثات حتى قبل أن تبدأ. وبالتالي فإن هذا قد يكون الوقت المناسب لأن يبدد الغرب أي أوهام لديه، ويرى نيات بوتين على حقيقتها. &
&
من وجهة نظر الغرب فالأزمة السورية لا يمكن أن تُحلّ بالقوة العسكرية. لكن روسيا ترى خلاف ذلك. واختارت الوقوف إلى جانب النظام الذي يدعمه حلفاء لهم تأثيرهم، مثل حزب الله وميليشيات مختلفة مسنودة من إيران، ويقودها إيرانيون. وتدخلت روسيا نفسها بموارد كافية لإحداث تغيير على الأرض وتحقيق هدف ترى أنه في متناول اليد، وهو بقاء النظام السوري، واحتفاظه بالسيطرة على قسم كبير من سوريا.&
&
وهي في سعيها إلى تحقيق هدفها شنت حملة جوية موجهة بالدرجة الرئيسة ضد فصائل مدعومة من الغرب وتركيا وقوى إقليمية أخرى في الخليج. في المقابل تتسم السياسة الغربية بالتخبط والتناقض، كما على سبيل المثال وقوف الغرب وتنظيم القاعدة ممثلًا في جبهة النصرة في جانب واحد موضوعيًا. &
&
أولويات خاطئة
وإذ يركز الغرب جهوده على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" فإنه دفع المعركة، التي بدأت أساسًا لإنهاء نظام دكتاتوري غاشم إلى مرتبة ثانوية مختلفًا مع وجهة نظر حلفاء مهمين في المنطقة. وهذا تناقض آخر. &
&
هناك بالطبع القضية الكردية. فالمقاتلون الكرد هم أشد حلفاء الغرب فاعلية على الأرض. لكن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ترى أنهم مصدر تهديد لها، وتنظر إلى أي كيان كردي ناشئ على أنه كابوس يجب تفاديه بأي ثمن. وهذا تناقض ثالث.&
&
على الجانب الآخر فإن بوتين ليست لديه تناقضات كهذه. وكثيرًا ما يُقال إنه يتمتع بأفضلية على الغرب هي عدم وجود أسباب للقلق بشأن موقف الرأي العام في بلده. فإسقاط طائرة الركاب الروسية في سيناء مثلًا لم يسفر عن احتجاجات تُذكر على سياسته، كما كان سيحدث لو أن طائرة غريبة أُسقطت. &
&
خطر التقسيم
ويهدد نجاح بوتين في تحقيق أهدافه العسكرية في سوريا بتقسيمها إلى منطقتين، منطقة ساحلية يسيطر عليها النظام السوري، ومنطقة بيد داعش عمومًا، كما يرى جونثان ماركوس مراسل "بي بي سي" الدبلوماسي، مشيرًا إلى أن بوتين أظهر أن روسيا ما زالت قوة يُحسب لها حسابها في الشرق الأوسط في وقت تتسم السياسة الأميركية تجاه المنطقة بالتردد في أحسن الأحوال.&
&
لكن السؤال هو إلى متى يدوم النصر الذي حققه بوتين على الغرب في المنطقة حتى الآن. فأسس روسيا نفسها أسس مهزوزة، وباستمرار أسعار النفط في الهبوط، هل يستطيع بوتين أن يتحمل أثمانًا سياسة تنتمي إلى الحقبة السوفيتية؟.&
&
في هذه الأثناء، ولدت عملية السلام في سوريا ميتة، والمرجح أن يستمر القتال دافعًا قوات المعارضة المعتدلة إلى كماشة بين نظام الأسد وداعش. وستبقى المسألة الكردية قائمة، ويستمر تدفق اللاجئين السوريين على أوروبا الغربية. فبوتين بتوحيده بين الوسيلة والغاية يعرف ماذا يريد، ويعتقد كثيرون أنه يحقق ما يريد.