من النادر رصد تململ بين ضباط جيش النظام السوري الذي يعتمد بالأساس على الطائفة العلوية شديدة الولاء للرئيس بشار الأسد، لكن مجزرة وقعت في ريف دمشق مؤخرا، فقد خلالها الجيش العشرات من عناصره برصاص "جيش الاسلام"، جعلت مشاعر السخط تطفو للعلن.


إسماعيل دبارة: قالت تقارير صحافية سورية معارضة والمرصد السوري لحقوق الإنسان، إنّ التململ صار واضحا بين ضباط الرئيس السوري بشار الأسد على خلفية سقوط عشرات الجنود بين قتيل وجريح وأسير، في ريف دمشق، في عملية نوعية لجيش الاسلام، وبلغ الغضب درجة المطالبة باعدام لواء بارز في الجيش النظامي.

في التفاصيل، شكلت خسارة قوات نظام بشار الأسد لمعركة تل الصوان وتل كردي في ريف دمشق، الأحد الماضي، ضربة قوية لمعنويات الموالين للنظام من المدنيين والعسكريين، بعدما تمكن "جيش الإسلام" وهو فصيل أساسي يقاتل القوات الحكومية في ريف دمشق، من صد محاولة قوات النظام التقدم بالمنطقتين المذكورتين، ونصب كمين لها، فقتل نحو 180 جندياً، وهو رقم أكدته الصفحات الموالية للنظام السوري على فايسبوك وتويتر، نقلاً عن شهادات الجنود الذين نجوا من الموت.

كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان أرسل لـ"إيلاف" بالبريد الإلكتروني، عن "موجة من الغضب تضرب جبال العلويين بريف اللاذقية، بعد مقتل 45 عنصرا من القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها في كمين في ريف دمشق".

وقال المرصد إن أفراد القوات الحكومية والميليشيات قتلوا من "جراء استهدافهم من قبل جيش الإسلام في محيط منطقة تل صوان الواقعة بين منطقتي عدرا ودوما في غوطة دمشق الشرقية".

ويضيف المرصد: "يسود التوتر في المنطقة الشرقية من جبال العلويين في ريف اللاذقية، وسط غضب واستياء من الأهالي، لترك نظام بشار الأسد لأبنائهم محاصرين لساعات دون أن يتمكن من إنقاذهم".

وتحدث المرصد أيضا عن استياء واسع بين أهالي القتلى، الذين ينتمون إلى محافظة اللاذقية، من الحكومة التي تركت الجنود والمسلحين "لمصيرهم في منطقة تل صوان في الغوطة الشرقية في ريف دمشق".

عشرات القتلى

حسب المعلومات التي تمكن المرصد السوري من توثيقها، فإن 45 عنصراً من قتلى قوات النظام والمسلحين الموالين لها، قضوا خلال وقوعهم في كمين لجيش الإسلام في محيط منطقة تل صوان، حيث استهدفهم خلال محاولتهم التسلل إلى منطقة آمنة خارج موقع الكمين، وقام بإطلاق النار عليهم برشاشات متوسطة وخفيفة، وترك بعضهم ينزف لأكثر من 14 ساعة دون محاولة إنقاذه، فيما قتل الـ 31 الآخرون، جرّاء وقوعهم في أشراك وحقول ألغام قسم كبير منها مما زرعته قوات النظام في وقت سابق في محيط منطقة تل صوان، بينما لا يزال مجهولاً حتى اللحظة مصير أكثر من 100 عنصر من قوات النظام والمسلحين الموالين لها ممن تقدموا إلى المنطقة.

كمين محكم

اللواء علي عباس القائد العسكري للمنطقة، أمر عناصره بالتحرك نحو محيط منطقة تل صوان، بغية التقدم فيها والسيطرة على نحو 2 كلم تفصل بينها وبين اللواء 39 المعروف بـ"فوج الكيمياء" في منطقة عدرا في الغوطة الشرقية، إلا أن بعض الضباط والعناصر العارفين بطبيعة المنطقة ووجود أشراك وألغام فيها، اعترضوا على الأوامر وأوضحوا للواء عباس المخاطر التي ستنجم عن تقدمهم نحو منطقة تل صوان، فما كان من اللواء إلا أن هددهم بتوجيه تهمة "مخالفة الأوامر العسكرية" إليهم، فانصاع عناصر قوات النظام والمسلحين الموالين لها للأوامر.

توجهت أول دفعة نحو محيط منطقة تل صوان، ووقعت في كمين قتل فيه 45 منهم على الأقل، وخلال توجه المجموعات التالية، وقع 31 منهم في أشراك وألغام نجم عن انفجارها مقتل جميع العناصر، فيما بقيت مجموعات مؤلفة من نحو 100 عنصر، مجهولة المصير، دون أن تقوم سلطات النظام بتحريك قواتها لإنقاذهم أو أن تقوم الطائرات الحربية السورية والروسية باستهداف محيط المنطقة التي يتواجد فيها العناصر، على الرغم من المناشدات المتكررة من الجنود المحاصرين، بضرورة إنقاذهم، لكن ضباطاً آخرين رفضوا إقحام عناصرهم في موت محتم، بحسب ما وثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان.

استياء علوي

ولا تزال قرى جبال العلويين في ريف اللاذقية ومصياف والقدموس وقراهما، تشهد توتراً واستياءً كبيرين، وغضباً عارماً، وسط مطالبات ملحَّة بإعدام اللواء علي عباس لتسببه بمقتل وفقدان نحو 180 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، والذين تنحدر غالبيتهم من قرى الساحل السوري.

وتؤكد مصادر المرصد، أن توجيهات من قيادة قوات النظام صدرت بـ "عدم تهويل الأمر وتداوله على وسائل الإعلام احتراماً لوفاة والدة الرئيس بشار الأسد وحزن الرئيس عليها".

جدير بالذكر أن المرصد السوري لحقوق الإنسان كان قد نشر في نهاية تموز / يوليو من العام الفائت 2014، ما يفيد بحالة استياء شديدة سادت في أواخر شهر يوليو / تموز من العام ذاته، في القرى والبلدات الموالية للنظام السوري، والتي ينحدر منها عناصر قوات النظام والمسلحين الموالين للنظام، والذين قتل منهم المئات خلال الأسبوعين الأخيرين من الشهر نفسه، بسبب قيام كل من اللواء بسام مرهج والذي يشغل منصب مدير مكتب الأمن في القصر الجمهوري، ولونا الشبل والتي تشغل مديرة المكتب الصحافي في القصر الجمهوري، بمنع نشر أخبار الخسائر البشرية لقوات النظام والمسلحين الموالين لها، في الوقت الذي كان يقوم فيه حزب الله اللبناني بتشييع قتلاه الذين يسقطون خلال الاشتباكات في سوريا، بمراسم ومواكب تشييع رسمية، وبتغطية إعلامية، الأمر الذي أثار حفيظة واستياء أهالي هذه القرى والبلدات، الذين اتهموا النظام بأنّ أبناءهم "لا قيمة لهم عند النظام".

أين هم ؟

حادثة تل صوان، توقظ من جديد مطالبة آلاف الموالين في سوريا بمعرفة مصير أبنائهم الذين فقدوا في المعارك على مدار السنوات الماضية، وباتت أجهزة النظام تواجه مطالب وانتقادات لعجزها عن كشف مصير الجنود الذي ما زال مجهولاً حتى الآن، سواء الذين كانوا في معركة تل الصوان وتل كردي، أو الذين اختفوا في وقت سابق بالمواجهات التي اندلعت بالرقة وتدمر وغيرها من المناطق السورية التي تشهد معارك ضارية.

على فايسبوك، تمتلئ صفحة تحمل اسم "المفقودين" بطلبات الموالين لمعرفة مصير أبنائهم وأقاربهم المفقودين من جنود النظام، وخلال الأيام الخمسة الماضية ركزت الصفحة بشكل أساسي على المفقودين بعد معركة تل الصوان، وإلى اليوم&لا تزال الصفحة تطالب بتكثيف الجهود لمعرفة مصير المختفين، وكانت قد نشرت قبل يومين اتهامات لضباط في قوات النظام بينهم اللواء علي عباس المسؤول عن قطاع تل صوان وتل وكردي واتهمته بالخيانة لتوريطه الجنود في معركة مكشوفة مكنت "جيش الإسلام" من التصدي لهم.
&