يشبّه العلماء رصد أمواج الجاذبية للمرة الأولى، باسترداد أصم قدرته على السمع، إذ سيساعد هذا الاكتشاف العظيم في كشف النقاب عن أحداث عنيفة تجري في الكون مثل ارتطام أجرام سماوية ضخمة احدها بالآخر او تفجر شموس، بإعتماد هذه الامواج وليس اعتمادًا على الضوء كما في السابق.


ميسون أبو الحب: حيا الجميع الاعلان عن رصد امواج الجاذبية للمرة الاولى في التاريخ والتي توقع البرت آينشتاين وجودها قبل قرن، أي في عام 1916.

التقط هذه الامواج، مرصد امواج الجاذبية المسمى "ليغو" في الولايات المتحدة في 14 ايلول (سبتمبر) من عام 2015 والتي نجمت عن تقارب ثقبين أسودين احدهما من الآخر بشكل متصاعد ثم ارتطامهما والاندماج الكامل بينهما لاحقا.

ولاقى الاعلان عن هذا الاكتشاف اهتمامًا كبيرًا في مختلف انحاء العالم ولدى مختلف الاوساط وهو ما يطرح تساؤلاً عن السبب وعن أهمية هذا الرصد بالنسبة للانسان؟

من المؤكد اولا ان رصد ارتطام ثقبين أسودين أحدهما بالآخر امر مهم بحد ذاته إذ لم يتأكد أحد قبل الان على الاطلاق من أن مثل هذا الاصطدام يحدث ثم يؤدي الى تكون ثقب أسود اكثر ضخامة في حين ان التأكيد موجود الآن.

هناك أيضا إحساس بالفرح للعثور على دليل مباشر على صحة نظرية عمرها 100 عام تم رصده بجهاز تم اقتراحه قبل 40 عامًا.

صمم ثم سماع

ولكن الاهم هو ان هذا الرصد سيسمح للانسان من الان فصاعدًا برؤية الكون بطريقة مختلفة تماما، حسب قول علماء شبهوا الامر باسترداد أصم قدرته على السمع والتقاط ما لا يحصى من الاصوات المحيطة به.

وقالت فيكي كالوجيرا، استاذة الفيزياء والفضاء في جامعة نورث ويسترن في ولاية الينوي، وتعمل ضمن فريق ليغو، "كما لو أن غاليلو ينظر الى السماء للمرة الاولى. كما لو اننا فتحنا اعيننا وآذاننا لالتقاط اشارات جديدة من الكون لم تكن التكنولوجيا التي كنا نستخدمها في السابق تسمح لنا بالتقاطها ولا بدراستها".

وقال المدير التنفيذي لمرصد ليغو ديفيد ريتز، ويعمل ايضا في المعهد التكنولوجي في كاليفورنيا عند الاعلان عن هذا الاكتشاف في واشنطن، "كنا نعاني من الصمم ازاء هذه الموجات. واصبحنا نسمعها الآن" وأضاف "من الان فصاعدًا سنسمع اصواتًا واشارات أخرى بعضها توقعناه وبعضها لم نتوقعه على الاطلاق".

صورة جديدة

ويأمل العلماء بعد هذا الرصد في اكتشاف امور عديدة والتمكن من دراستها بعمق أكبر منها ما يتعلق بأحداث عنيفة تجري في الكون مثل ارتطام أجرام سماوية ضخمة احدها بالآخر أو تفجر شموس، وهم يأملون ايضا في تحديد مواقع هذه الاحداث عن طريق امواج الجاذبية ثم دراستها اعتمادًا على هذه الامواج وليس اعتمادًا على الضوء كما في السابق.

افضل مثال على ذلك هو قيام مرصد ليغو بإلتقاط حركة دوران ثقبين أسودين احدهما حول الآخر ثم اندماجهما في النهاية.

ولكون الثقوب السوداء سوداء ولا ينبثق منها أي ضوء فمن الصعب رؤية هذا الحدث باستخدام اجهزة تلتقط الضوء. ومع ذلك يستطيع العلماء رصد ثقب اسود باستخدام اجهزة الرصد الضوئية عندما تشع المواد التي تحيط بالثقب وليس الثقب نفسه علمًا ان العلماء لم يتمكنوا حتى الان من رصد أي حالة ارتطام بين ثقبين اسودين اعتمادًا على الضوء المحيط بهما.

ويزيد حجم أحد الثقبين الاسودين اللذين تم رصدهما على حجم الشمس بـ 29 مرة والآخر بـ 36 مرة ويتوقع علماء انهم سيتمكنون لاحقا من رصد ثقوب سوداء حجمها اكبر من حجم الشمس بـ 100 او 200 او حتى 500 مرة وتقع على مسافات ابعد بكثير.

هذا واعتمد العلماء حتى الآن على دراسة الفضاء باستخدام الضوء ثم باستخدام اشعة ايكس والذبذبات الصوتية والاشعة فوق البنفسجية ثم أشعة غاما وكل واحدة من هذه الوسائل تظهر الكون بشكل مختلف لتكون في النهاية صورة شبه متكاملة عن الكون.

والآن ستكون للكون صورة أخرى مختلفة باستخدام امواج الجاذبية.

الحظ ايضًا

وقال رينر ويس من MIT (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا) الذي شارك في تأسيس مرصد ليغو "لو حالفنا الحظ ولو حدث انفجار سوبرنوفا في مجرتنا (وهو انفجار شمس في نهاية حياتها ويسمى المستعر الأعظم او الطارف الأعظم) فسنتمكن من معرفة الآليات التي يجري بها هذا الحدث"، ونبّه ويس الى ان الضوء قد يتعرقل وصوله احيانًا بسبب الغبار الكوني والغازات في الفضاء فيما لا يحدث ذلك مع امواج الجاذبية مؤكدًا ان هذا يعني الكثير بالنسبة لنا.

يأمل العلماء ايضا استخدام امواج الجاذبية في دراسة النجوم النيوترونية ذات الكثافة الهائلة، حيث تعادل كمية ملعقة شاي منها اكثر من وزن الارض بمليار طن. ولا يعرف العلماء ماذا يحدث للمادة داخل نجم مثل هذا ولكن املهم كبير في أن تفتح لهم امواج الجاذبية الباب للمعرفة.&

ولدى مرصد ليغو ايضًا امكانية تنبيه المراصد التي تستخدم الاشارات الضوئية عند رصده امواج جاذبية. ومن المؤمل ان يتمكن العلماء بعد الآن من تكوين صورة اكثر تكاملاً عن الكون باستخدام كل انواع الاشعة واطوالها اضافة الى امواج الجاذبية، حسب قول ريتز، وسيكون ذلك هو الحدث الاكبر حسب قوله.&

الحياة اليومية

منذ وضع اينشتاين نظرية النسبية العامة، يحاول العلماء اثبات ما جاء فيها نقطة بعد نقطة، والآن وبعد رصد امواج الجاذبية سيكون على العلماء تحديد ماهية الغرافيتون أو الجسيم الذي يحمل قوة الجاذبية مثلما يحمل الفوتون الضوء ثم سيعكفون على دراسة الثقوب السوداء، وهناك اسئلة كثيرة مطروحة عنها ولكن كل شيء يحتاج الى زمن والى وقت والى سنوات طويلة ووفقًا لما سيلتقطه مرصد ليغو من احداث تقع في الكون.

واهم ما سيعمل عليه العلماء هو زيادة حساسية المرصد، ولكنهم لا يعرفون متى سيرصد هذه الامور لسبب بسيط هو انهم لا يعرفون متى تحدث.

وعند سؤاله عن تأثير ليغو على حياة الناس اليومية، قال ريتز "ومن يدري؟" وأضاف: "عندما نشر اينشتاين نظرية النسبية العامة ما كان احد يتخيل انها ستستخدم بشكل يومي عن طريق الهواتف المحمولة مثلاً أو عن طريق تكنولوجيا جي بي ايس& GPS او نظام تحديد المواقع التي تعتمد على قوله إن الجاذبية تؤثر على الزمن الذي تتغيّر سرعته كلما ابتعد المرء عن مركز الجاذبية.

وقال ريتز ايضًا إن ليغو هو اكثر الاجهزة حساسية التي صنعها العلماء حتى الآن ومن المحتمل ان تدخل التكنولوجيا المتقدمة التي استخدمت فيه في اجهزة وتكنولوجيا أخرى سيستخدمها الناس في حياتهم اليومية ولا يمكن توقعها الآن.