جانا نيمستوفا وكسينيا سوبتشاك وماريا غايدر روسيات ثلاث، رفعن الصوت ضد سياسات فلاديمير بوتين والقمع الذي يمارسه على الناس، حتى أنهن يتهمونه بالوقوف وراء مقتل والد جانا نيمستوفا.&


بقي مكان المكتب الجديد للناشطة الروسية جانا نيمستوفا سريًا بسبب التهديدات بالقتل التي تلقتها في موسكو. وحتى في مدينة بون الالمانية حيث انتقلت، يخاف المسؤولون على سلامة ابنة المعارض الروسي بوريس نيمتسوف الذي تعرض للاغتيال. وهي هربت إلى المانيا قبل تسعة اشهر بسبب الخطر الذي كان يهدد حياتها في العاصمة الروسية.&
&
قالت نيمتسوفا في حديث لمجلة شبيغل إنها تستطيع أن تمارس ضغطًا أشد من المانيا لضمان اجراء تحقيق كامل في قتل والدها. وتطالب نيمتسوفا التي نشرت كتابًا في المانيا أخيرًا وتعمل صحافية في محطة دويتشة فيله، مجلس اوروبا بتعيين مقرر خاص للتحقيق في موت والدها الذي قُتل حين اطلق مجهولون النار عليه في أوائل 2015 قرب الكرملين. وسرعان ما بث اغتياله الخوف بين السياسيين الروس المعارضين من أن يكون الدور عليهم في المرة التالية.&
&
ثلاث نساء
&
إضافة إلى نيمتسوفا، هربت امرأتان أُخريان من روسيا عقب عملية الاغتيال. الأولى كسينيا سوبتشاك ابنة عمدة سان بطرسبرغ السابق اناتولي سوبتشاك، استاذ الرئيس فلاديمير بوتين الذي علمه السياسة قبل ان يصبح مغضوبًا عليه. &ويعتقد ان اسمه أُدرج على قائمة المستهدفين مثل بوريس نيمتسوف.&
&
وهناك ماريا غايدر ابنة الاقتصادي الاصلاحي ايغور غايدر الذي تولى رئاسة الحكومة بالوكالة في عهد الرئيس بوريس يلتسن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.&
&
ما تشترك به النساء الثلاث هو أن آباءهن كانوا سياسيين بارزين، ساهموا في بناء الديمقراطية الفتية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. ونشأت النساء الثلاث نشأة ليبرالية ديمقراطية، لكن تسلط بوتين وارتداده عن افكار آبائهن دفعهن إلى المنفى. وفي حين أن سوبتشاك عادت إلى موسكو، فإن نيتمتسوفا وغايدر تتوقعان قضاء سنوات في المنفى.&
&
وقالت نيمتسوفا لمجلة شبيغل: "أنا لا أكره بوتين شخصيًا حتى إذا قُتل والدي في عهده". وكانت نيمتسوفا امتدحت بوتين في مقابلة نشرتها مجلة "ايل" الفرنسية في عام 2009 على "شخصيته الاستثنائية القوية وخدماته للاقتصاد"، بحسب تعبيرها. لكن رأيها ببوتين تغير منذ تلك المقابلة، وهي تقول اليوم: "بوتين اشترى كل الاعلام الالكتروني، وفتح خزينة الدولة لاوليغارشيين فاسدين قريبين منه، والاقتصاد الروسي في انهيار مستمر بسبب سياسات الكرملين"، مشيرة إلى هجرة العقول الروسية التي يحتاجها البلد بصورة ملحة اليوم.&
&
لن أعود
&
على بعد 2200 كلم في ميناء اوديسا الاوكراني، تقول ماريا غايدر، المعارضة الأخرى، انها لن تعود إلى روسيا إلا بعد عودة الديمقراطية وحكم القانون إليها.&
&
وكانت غايدر استفزت الكرملين بوضع نفسها في خدمة الثورة الاوكرانية التي اطاحت الرئيس فكتور يانوكوفيتش، حليف بوتين. وهي تعمل الآن مع ميخائيل ساكاشفيلي، حاكم اوديس الاوكرانية وواحد من ألد اعداء موسكو. وتهاجم وسائل الاعلام الرسمية الروسية غايدر وتصفها بـ"خائنة بلدها". وذهب الروائي الروسي ادورد ليمونوف إلى حد الدعوة إلى قتلها مع افراد عائلتها.
&
قالت غايدر: "عائلتي معتادة على مثل هذه التهجمات"، مشيرة إلى أن والدها كان هدف كثير من حملات الكراهية بسبب اصلاحاته الاقتصادية. والآن، تريد هي أيضًا النضال من أجل قضايا تعتبرها عادلة. وكانت بدأت الاحتجاج على نزعات بوتين التسلطية في وقت مبكر. ففي اواخر 2006، تظاهرت قرب الكرملين حاملة لافتة كُتب عليها: "أعيدوا الانتخابات إلى الشعب، أيها الأوغاد!"
&
وعلى الرغم من المضايقات، تمكنت غايدر من الصعود إلى منصب نائب حاكم مقاطعة كيروف وسط روسيا ووزيرة الشؤون الاجتماعية والصحية في حكومتها. وتعمل غايدر في أوكرانيا الآن حيث تريد ان تبين ان بالامكان بناء الديمقراطية واقتصاد السوق رغم التركة السوفياتية الثقيلة.
&
لا تهاحم بوتين
&
كسينيا سوبتشاك سبقت غايدر إلى المنفى في اوديسا. وهي صحافية وممثلة وابنة عمدة سان بطرسبرغ الراحل الذي كان من أقرب مستشاري بوتين. وزارت ميناء اوديسا في صيف 2015 لاجراء مقابلة مع ساكاشفيلي وبثها على قناة دوجد الروسية المعارضة. وكانت هذه القناة من أعلى محطات البث الروسية صوتًا في نقد سياسات بوتين. دعت سوبتشاك للمشاركة في برنامجها التلفزيوني ممثلين ومخرجًا انتجوا فيلمًا كوميديًا ينتقد النظام، ويفضح اعمال التزوير وشراء الأصوات في الانتخابات التي يدعو الكرملين إلى اجرائها.
&
ويقول احد السينمائيين إن الانتقاد المبطن بالكوميديا ما زال ممكنًا في روسيا، "طالما انك لا تهاجم بوتين مباشرة".&
&
يصح المنطق نفسه على التحقيق في اغتيال نيمتسوف. إذ اعلنت لجنة التحقيق الروسية قبل ستة اسابيع انها انهت تحرياتها، وأن خمسة رجال شيشان معتقلين ارتكبوا الجريمة. وتقبلت عائلة نيمتسوف بهذه النتيجة لكنها ترى أن من يقف وراء الاعتداء ما زال حرًا طليقًا.
&
ويبدو ان هناك نمطًا ثابتًا في تعامل الكرملين مع هذه الاعتداءات، إذ يُسمح للتحقيق بالمضي إلى حد معين. وبعد اغتيال نيمتسوف، اختفى بوتين 10 ايام أدت إلى رواج تكهنات عن صراع على السلطة وراء الكواليس، ويُعتقد ان نزاعًا كبيرًا وقع بين جهاز الاستخبارات الداخلية ورمضان قديروف الرئيس الشيشاني الذي يحكم بقبضة من حديد. وكانت كسينيا سوبتشاك وجهت انتقادات شديدة بعد اغتيال نيمتسوف، وقالت: "ليس بوتين من أصدر أمر ارتكاب جريمة القتل لكنه هو الذي صنع هذه الآلة الجهنمية ثم فقد السيطرة عليها".&