موسكو: وصلت طائرات عسكرية روسية الثلاثاء الى روسيا عائدة من سوريا غداة اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفاجئ سحب القسم الاكبر من قواته من البلاد التي دخل النزاع فيها اليوم عامه السادس.

وبرزت آمال بانعكاس هذا التطور ايجابا على المفاوضات بين وفدي الحكومة والمعارضة السوريتين برعاية الامم المتحدة التي بدأت في جنيف الاثنين. وعلى الرغم من التزام الولايات المتحدة الحذر تجاه القرار الروسي، اعلن وزير الخارجية الاميركي جون كيري انه سيزور موسكو في الاسبوع المقبل للبحث في كيفية تثمير هذه الخطوة سياسيا.

ولقي طيارو قاذفات سوخوي-34 وطائرات النقل تو-154 العائدون استقبالا حاشدا في قاعدة عسكرية قرب فورونيج في جنوب غرب روسيا، حيث استقبلهم المئات بباقات الورد والأعلام بحضور قائد سلاح الجو فيكتور بونداريف وعدد من كبار الضباط.

وكانت موسكو اعلنت انها ستسحب الجزء الاكبر من قواتها على الارض بعدما "انجزت" مهمتها في سوريا اثر تدخل جوي بدأ في 30 ايلول/سبتمبر دعما للنظام ساهم في تقوية مواقع هذا الاخير وفي احرازه تقدما كبيرا على جبهات عدة. لكن برزت اليوم شكوك حول ما اذا كانت دمشق قادرة على الحفاظ على الوضع الميداني لصالحها خصوصا في مواجهة الجهاديين.

وقصفت مروحيات روسية الثلاثاء مواقع لتنظيم الدولة الاسلامية في محيط مدينة تدمر في وسط سوريا، لاسناد القوات السورية التي باتت على بعد اربعة كيلومترات من المدينة الاثرية، وفقا للمرصد السوري لحقوق الانسان. وتدور في محيط تدمر معركة منذ اشهر في محاولة من قوات النظام استعادة المدينة التي سقطت بين ايدي الجهاديين في ايار/مايو 2015.

وكان مساعد وزير الدفاع الروسي الجنرال نيكولاي بانكوف اعلن ان الطيران الروسي "سيواصل الغارات ضد اهداف ارهابية"، بحسب ما نقلت عنه وكالات الانباء الروسية من قاعدة حميميم في اللاذقية في شمال غرب سوريا.

ورفع القرار الروسي معنويات الناشطين المعارضين للنظام والمقاتلين الذين يؤكدون ان الدعم الروسي هو الذي مكن الجيش السوري من استعادة زمام المبادرة على الارض. كذلك عبرت جبهة النصرة، ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، المستثناة من اتفاق وقف الاعمال القتالية، عن خطة للتصعيد.

وقال قيادي في جبهة النصرة لوكالة فرانس برس عبر الانترنت ان "هزيمة الروس واضحة، وخلال 48 ساعة ستبدأ الجبهة هجوما في سوريا"، رافضا اعطاء مزيد من التفاصيل. واعتبرت الصحف الروسية ان اعلان الانسحاب يتيح لموسكو تقديم تدخلها في هذا البلد بمثابة انتصار سياسي، كونها اعطت اولوية للتسوية السياسية بدل الغرق في النزاع.

تطور مهم وآمال&
واعتبر مبعوث الامم المتحدة الخاص الى سوريا ستافان دي ميستورا الانسحاب الجزئي للقوات الروسية "تطورا مهما"، واعرب عن الامل في ان يكون له "تاثير ايجابي" على مفاوضات السلام في جنيف. ورحبت فرنسا بحذر. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية "اخذنا علما باعلان الرئيس بوتين. وفي حال ترجم الى وقائع فسيكون تطورا ايجابيا. لا بد من تشجيع اي خطوة تساهم في تخفيف حدة التوتر".

واعلن متحدث باسم البيت الابيض الثلاثاء ان "المؤشرات الاولية تدل على ان روسيا تنفذ قرارها" بالانسحاب، مشيرا في الوقت نفسه الى انه من المبكر جدا تحديد تاثيرات هذا القرار. &واوضحت وزارة الدفاع الاميركية ان "أقل من عشر" طائرات روسية غادرت سوريا حتى الان من اصل خمسين.

وقال المتحدث باسم الوزارة بيتر كوك "في الوقت الراهن، نحن ننتظر مثل أي شخص آخر معرفة ما سوف تفعله روسيا. سنحكم عليها من خلال افعالها".
وقال وزير الخارجية الاميركي انه سيتوجه "الى موسكو في الاسبوع المقبل للقاء الرئيس بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف لمناقشة كيف يمكن ان نحرك العملية السياسية بشكل فعال ونحاول الاستفادة من هذه اللحظة".&

واضافة الى الطائرات الحربية، تنشر روسيا نحو اربعة الاف جندي في سوريا فضلا عن بطاريات مدافع، وفقا لتقديرات وزارة الدفاع الاميركية. كما تنشر ثلاثين مروحية عسكرية ودبابات من طراز تي-90. وقال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الروسي ان اكثر من 800 عسكري سيبقون في سوريا، اضافة الى انظمة الدفاع الجوي.&

وثائق للنظام والمعارضة الى الامم المتحدة
في جنيف، اعلنت الامم المتحدة انها تسلمت من كل من وفدي المعارضة والنظام وثيقة تتضمن رؤية كل منهما لمرحلة الانتقال السياسي، التي اعتبرها دي ميستورا الاثنين "النقطة الاساسية" في المفاوضات.

وقال الموفد الدولي الخاص الى سوريا اثر اجتماعه الرسمي الاول اليوم مع الوفد السوري المعارض "تسلمت ورقة من الجانب الحكومي (...) وكذلك من المعارضة"، مضيفا "سنقوم بتحليلهما ونرى ماذا يمكن ان نفعل بهما".

واستهل دي ميستورا اجتماع اليوم بالوقوف دقيقة صمت على ارواح الضحايا الذين قتلوا خلال النزاع في الذكرى الخامسة لاندلاعه، معتبرا انه كان يجب "الوقوف 300 الف دقيقة صمت"، في اشارة الى عدد القتلى الذين تقدر الامم المتحدة انهم سقطوا في سوريا خلال الحرب.

وقال عضو الوفد السوري المفاوض جورج صبرا بعد اللقاء "اكدنا على موقفنا من ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات اي تنفيذ القاعدة الاساسية التي بنيت عليها عملية الانتقال السياسي في بيان جنيف 2012".

واتفقت مجموعة عمل من الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا وتركيا ودول عربية في 30 حزيران/يونيو 2012 في جنيف على مبادئ مرحلة انتقالية تتضمن هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة، لكن الاطراف المعنية بالنزاع اختلفت على تفسير هذه المبادئ التي لم تلحظ بوضوح مصير الاسد، نقطة الخلاف الابرز.

واعلنت المعارضة الثلاثاء استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع النظام عبر وساطة دي ميستورا اذا حققت المفاوضات تقدما. واشار دي ميستورا الى انه يفضل الانتظار حتى تحين "اللحظة المناسبة لهذه المفاوضات المباشرة".

وتعقد المفاوضات في ظل هدنة مستمرة منذ نحو ثلاثة اسابيع مع خروقات محدودة في سوريا، وتنظيم قوافل مساعدات انسانية الى المناطق المحاصرة.
ورحب محققو الامم المتحدة بـ"التراجع الملحوظ" للعنف. وقال رئيس لجنة التحقيق الدولية حول سوريا باولو بينيرو في جنيف "الان، للمرة الاولى، هناك امل بالتوصل الى نهاية" النزاع.