تأتي هجمات بروكسل دليلًا آخر على أن "الإرهاب" مشكلة عالمية يتعيّن على مدن في أنحاء العالم أن تكون في حالة تأهب واستنفار لردعها.&
&
بروكسل: رغم أن بروكسل تستأثر الآن باهتمام العالم فإن تفجيرات العاصمة البلجيكية جاءت بعد ساعات على الهجوم الذي نفذه "جهاديون" ضد قاعدة تدريب أوروبية في باماكو عاصمة مالي. لكن في حين أن المشكلة عالمية فإن مكوناتها تكون دائمًا خاصة، بل وحتى محلية أحيانًا. &
&
سيتطلب أي تفسير رصين لما حدث في بروكسل وكيف حدث ولماذا حدث اسابيع من التحقيقات الجنائية الدقيقة وجمع المعلومات والأدلة بصبر وأناة. &لكن قد يتعين اضافة الى ذلك كله القاء نظرة فاحصة أبعد، لكي نفهم سبب وجود العاصمة البلجيكية في أحيان كثير على الخطوط الأمامية للارهاب العالمي. &
&
صناعة بريطانية
مما له أهمية الى حد ما في حسابات "الارهابيين" ان بلجيكا دولة قومية "ضعيفة"، وهي بالمعايير التاريخية بلد حديث النشأة، ذو جذور ضحلة ومؤسسات كانت وليدة ظروف خاصة، بعكس نشأتها الطبيعية في دول اوروبية أخرى. ومن بعض النواحي فان بلجيكا تنتمي الى فئة البلدان التي صنعتها القوى الاستعمارية في افريقيا والشرق الأوسط خلال الحقبة الكولونيالية، دولة رُسمت على الخريطة بما يخدم مصالح آخرين أقوياء.&
&
وفي حالة بلجيكا فان بريطانيا كانت اهم هؤلاء الآخرين الأقوياء. فبعد انتفاضة بروكسل عام 1830 تحركت بريطانيا للاشراف على انشاء بلجيكا، بحيث تكون دولة عازلة بين فرنسا وهولندا. &
&
يقول الكاتب البريطاني مارتن كيتل ان بريطانيا انشأت بلجكيا لضمان عدم وقوع منطقة انتويرب وثغر نهر شيلدت تحت سيطرة قوى معادية. وضُمن استقلال بلجيكا وحيادها بمعاهدة لندن التي صاغتها بريطانيا عام 1839. فالدولة قد تكون بلجيكا، ولكنها "صناعة بريطانية"، على حد تعبير كيتل.
&
صلات هولندية فرنسية
يعكس ضعف الدولة البلجيكية حقيقة تتمثل في ان نحو ثلاثة اخماس سكان بلجيكا الحديثة يعيشون في منطقة فلاندر، ويتكلمون الفلمنكية، ولهم ارتباطات ثقافية عميقة بهولندا الحديثة في الشمال، في حين ان الخمسين الآخرين والونيون يتكلمون الفرنسية ويرتبطون ثقافيا بفرنسا في الجنوب. وكانت النتيجة من اليوم الأول لتاريخ بلجيكا دولة فيدرالية هشة، يربطها في وحدة فضفاضة نظام ملكي دستوري أقامته بريطانيا.&
&&
واظهر استطلاع أُجري عام 2007 ان ثلثي سكان منطقة فلاندر الناطقين بالهولندية يتوقعون تفكك بلجيكا. ويعني ضعف هذه الروابط بين المكونين الرئيسيين ان بلجيكا تفتقر الى الأدوات والمتانة التي تمتلكها الدول الأخرى الأقوى وحدة للتعامل مع "الارهاب"، حتى وإن كانت هذه الدول لا تحسن استخدام ادواتها دائما. &
&
ترتبت على ذلك ثلاث نتائج من المؤكد ان لها بعض التأثير في تحول بروكسل الى حاضنة للمشاكل "الارهابية" خلال الأشهر الثلاثة الماضية. واول هذه النتائج الضعف النسبي للأجهزة الأمنية البلجيكية وانعدام الثقة بينها، حتى انها معروفة بصيتها السيء في الامتناع عن تبادل المعلومات في ما بينها لأسباب منها انها مسؤولة أمام مراجع مختلفة، ولديها تصورات مختلفة عن أمن بلجيكا.&
&
استغلال ضعف
ثانيا، ان حدود بلجيكا مفتوحة مع جاراتها، أولا من خلال الاتفاقية الجمركية مع هولندا ولوكسمبورغ عام 1944 ثم من خلال اتفاقية شنغن لحرية السفر. &لذا كانت بلجيكا دائما من أسهل البلدان الاوروبية بدخولها ومغادرتها من دون دفاعات تذكر ضد تهريب السلاح والمخدرات. &&
&
ثالثا، ان بلجيكا بوصفها دولة فيدرالية هشة في الاتحاد الاوروبي الذي يُنظر اليه نفسه وكأنه تقريبا بلجيكا الكبرى، هي الآن مقر غالبية مؤسسات الاتحاد الاوروبي. وهذا يجعل بروكسل هدفا "للارهابيين الجهاديين" الذين يريدون اشعال نزاع في اوروبا بين دولها ومؤسساتها من جهة ومسلميها من الجهة الأخرى.&
&
هذا لا يعني ان "الارهابيين" عاجزون عن تنفيذ هجمات تباغت دولا أقوى بكثير من بلجيكا، مثل فرنسا، التي لديها مؤسسات أقوى واحساس أعمق بالوحدة القومية. لكن ضعف بلجيكا الذي يعود الى حقبة بعيدة في تاريخ السياسة الاوروبية هو ايضا ضعف اوروبا، واظهر "الارهابيون" يوم الثلاثاء انهم يعرفون كيف يستغلون هذا الضعف. &