في الخامس والعشرين من مارس/ آذار الماضي، أعلنت الولايات المتحدة أنها قتلت عددًا من قيادات تنظيم "داعش" المتطرّف، ومن بين القتلى، عبدالرحمن مصطفى القادولي الذي وصفته بأنه "الرجل الثاني في التنظيم""

تونس: في الخامس والعشرين من مارس/ آذار الماضي، أعلنت الولايات المتحدة أنها قتلت عددًا من قيادات تنظيم "داعش" المتطرّف، ومن بين القتلى، عبدالرحمن مصطفى القادولي الذي وصفته بأنه "الرجل الثاني في التنظيم".

وقال وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر إن الولايات المتحدة تحقق انتصارات مهمة على التنظيم في العراق وسوريا، مضيفا ان "مقتل هذا القائد سيعيق قدرة التنظيم في تنفيذ عمليات داخل سوريا والعراق وخارجهما."

وقال كارتر إن القادولي كان يعمل مسؤولا عن "وزارة مالية" التنظيم، وقبل ذلك بأيام قليلة، أعلن اشتون كارتر، عن مقتل طرخان باتيراشفيلي، الملقب ب(أبي عمر الشيشاني)، والذي كان يشغل منصب "وزير الحرب" في تنظيم "داعش".

قال كارتر خلال كلمة أمام الكونغرس: "كانت مدينة الشدادي مهمة لـ"داعش" لدرجة أن ما يسمى بالوزير الحربي للتنظيم شارك في القتال في هذه المدينة، وقد قتلناه، وقام شركاؤنا المحليون بطرد التنظيم من المدينة".

وأكد الوزير أن التحالف من خلال هذه الخطوة قام بقطع آخر شريان بين الرقة والموصل، وبالتالي بين "داعش" سوريا و"داعش" العراق.

والأمر لم يتوقف على هؤلاء القادة، فقد حققت واشنطن وحلفاؤها مؤخرا انتصارات رمزية أخرى، ومن ذلك، التخلص من أبي علاء العفري المعروف بـ "الحاج الإمام"، في حين استقبل العالم بارتياح "النصر السوري" المدعوم من روسيا ضدّ قوّات التنظيم في مدينة تدمر.

لكن هل يكفي كل ذلك؟ وهل تعفي هذه الانتصارات رئيس الولايات المتحدة الأميركية الجديد من اتخاذ اجراءات جديدة لهزيمة هذا التنظيم؟

تحديات الرئيس الجديد

يخصص "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" دراسة بحثية لهذا الموضوع.

ويستهلها بالتأكيد أنّ سيطرة "داعش" على مساحات من سوريا والعراق بحجم بريطانيا "لا تزال راسخة".

ويقول جيمس جيفري وهو زميل متميز في زمالة "فيليب سولونتز" في معهد واشنطن، إنّ العراق "يرزح تحت ضغط عسكريّ وماليّ وإرهابي، حيث تم حشد مئات آلاف القوّات لمحاربة تنظيم "دعش"، مع ضرورة تقديم العون لثلاثة ملايين شخص مهجّر بسبب هذه الجماعة الإرهابية. وفي الوقت نفسه، يستمرّ تنظيم «داعش» بالسيطرة على مناطق في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، من أفغانستان إلى نيجيريا".

يؤكد جيفري في ورقته البحثية أنّ "داعش" "مازال قادرا على ضرب أهداف في أوروبا وربما الولايات المتحدة أيضاً... وبما أنّه لم يتبق لانتخابات الرئاسة الأمريكية سوى أشهر قليلة، فإنّ الحظوظ ضئيلة لنجاح التحالف في هزيمة دولة «داعش» وجيشه قبل انتخاب رئيس أمريكي جديد في 2016.

ضبابية في واشنطن

يفترض جيفري أنّ على الرئيس الأميركي القادم أن "يصبّ تركيزه على حقيقة أنّ السياسة الحالية ضدّ العدو الخطير الذي يشكل محور اختلالات في الشرق الأوسط لم تنجح بعد".

ويقول: "حتى الآن، تجنّب المرشحون الرئاسيون الأميركيون تقديم أي تعليق جدّي: إذ يختبئ الجمهوريون وراء الشعار المبهم 'اقصفوهم'، بينما لم تقدّم وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، التي تواجه تحدياً من اليسار وتتردّد في قطع العلاقة مع الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، أي تفاصيل محدّدة حول كيف ستنفّذ 'قيادتها'، المتمثلة بنبرة خطابية [مباشرة]، ضدّ تنظيم "داعش".

إلا أن ذلك سيتغير مع الحملة الرئاسية الوطنية وحتى أكثر بعد الانتخابات.

أوباما... يفشل

في السياق&ذاته، كتبت "نيويورك تايمز" مؤخرا في افتتاحيتها أن الحملة ضد "داعش" تحرز بعض التقدم، وأن المسؤولين الأميركيين بدأوا "يطورون خططا لطرده من مدينتين مهمتين لا تزالان تحت سيطرته".

ورأت الصحيفة أن "استعادة الرقة (شمال سوريا) والموصل (شمال العراق) أمر بالغ الأهمية"، لكنها أردفت أن الرئيس باراك أوباما "لم يوضح حقيقة توسع الدور الأميركي في القتال، ولم يقدم تقييما صريحا للموارد المطلوبة".

وألمحت إلى أن موقف مسؤولي الإدارة الأميركية "كان غامضا، وأحيانا كان مخادعا، بشأن تطور الحملة العسكرية التي تصاعدت بشكل حاد منذ أن أذن أوباما بالغارات الجوية الأولى في العراق وسوريا عام 2014 للحد من صعود التنظيم".

"واشنطن بوست" لم تكن اقل رحمة بأوباما وسياساته، فقد انطلقت من هجمات بروكسل الأخيرة لتؤكد أنها تمثل "تحدياً لسياسة أوباما الخارجية حيث تضع ضغوطاً جديدة عليه لعمل المزيد من أجل هزيمة الجهاديين".

تقول الصحيفة: "تكشف عملية بروكسل عن مظاهر الضعف في استراتيجية أوباما التي يقول مساعدوه ومنذ أشهر عدة أنها تحقق مكاسب ضد تنظيم داعش".

فقد أكد مساعدوه في البيت الأبيض وبشكل متكرر أن الغارات الجوية أجبرت التنظيم على التراجع من 40% من مناطقه في العراق و20% من تلك التي يسيطر عليها في سوريا.

وقالوا إن 11.000 غارة أدت لمقتل 10.000 مقاتل وقيادي "جهادي". فيما تحدث مسؤولون بحذر عن منجزات الحملة. ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول قوله "هذا أعقد نزاع يشهده جيلنا".

وتعلق الصحيفة بالقول إنّ أوباما "تعلم فيما بعد هجمات باريس وسان بيرناندينو- كاليفورنيا أن الأرقام المثيرة ودعوات ضبط النفس لا تجدي في مناخ من الخوف والرعب الذي تولده الهجمات الإرهابية".

وبالعودة إلى الخيارات التي صارت في حكم المؤكد أمام الرئيس الأميركي الجديد، بحسب الورقة البحثية التي أعدها معهد واشنطن، يبدو أن الخيارات تنحصر في ثلاثة لا رابع لها إلى حدّ الآن، بحسب جيمس جيفري.

الخيار الأول

هو الاستمرار في برنامج الإدارة الأميركية الحالي ضدّ تنظيم "داعش". تمّ طرح هذا الأمر في جواب من ثماني صفحات قدّمه الكونغرس الأميركي في منتصف آذار/مارس.

يكمن هدف الإدارة الأميركية في "إضعاف تنظيم «الدولة الإسلامية» وهزيمته في النهاية" في "دولته" في سوريا والعراق.

وتعدّ هذه مقاربة منطقية، إلا أن التنفيذ أبطأ بكثير من أن يعتبر ناجحاً، إذ لم يُعاد إرسال القوات الأميركية إلى العراق من جديد سوى في حزيران/يونيو 2014. بالإضافة إلى ذلك، وكما تبيّن في مقابلة أجرتها مؤخراً مجلة "أتلانتيك"، من غير المرجح أن يبذل الرئيس الأميركي باراك أوباما جهوداً أكثر قوة.

وعلى&الرغم من النجاحات الأخيرة التي حُقّقت في الرمادي، وفي محيط الموصل، ونجاح الهجمات ضد قادة تنظيم «داعش»، لم تُجِب هذه المقاربة على السؤال التالي: من أين ستأتي القوات البرية القادرة على التقدم ضدّ وحدات تنظيم "داعش" المتغلغلة في مدن [العراق وسوريا]؟ لا توجد ضمانة بأنّ هذه المقاربة ستجدي نفعاً لا مع الإدارة الأميركية الحالية ولا مع تلك التي ستليها في الحكم.

الخيار الثاني

يتمثل في إضافة بعض الدعم لذلك المقدّم من قبل إدارة أوباما، وفقاً لهذا السيناريو - بحسب معهد واشنطن دائما- تستمر الولايات المتحدة بالحظر الذي فرضته على إرسال القوات البرية الأميركية ولكن، تزيد بشكل كبير من دعمها الجوي والاستشاري للقوات المحلية، على غرار ما قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً مع الجيش السوري (ولكن، من دون إلحاق خسائر كبيرة بين المدنيين).

ينطوي ذلك على استخدام مكثف للمدفعية الأميركية، وتقديم المشورة ونشر فرق المراقبة الجوية الأمامية على الجبهة، واستخدام مروحيات الهجوم الأميركية، بالإضافة&إلى تكثيف الضربات الجوية وغارات القوات الخاصة بصورة أكبر، مع اعتماد قواعد اشتباك أكثر مرونةً.

ومن المفارقات أنّ الرئيس أوباما قد نفّذ قِسماً من جميع أنواع هذا الدعم ضد تنظيم «داعش» (وبطريقة أكثر زخماً حالياً ضد حركة "طالبان" في أفغانستان)، ولكن بطريقة غير منهجية. وقد توفر هذه المقاربة تقدماً أكبر لكنّها لا تجيب على السؤال: "أي قوات برية سيتم استخدامها؟"

الخيار الثالث

بتمثل في تدخل عسكري مباشر لكنه محدود، أي، تحريك عدد محدد من القوات القتالية الأميركية، أي ما يقارب كتيبتيْن اثنتين، تضم كل منها 3000 إلى 4000 مقاتل، تدعمها قوات النخبة التابعة للدول الأعضاء الأخرى في "حلف شمال الأطلسي" (الناتو)، لتقود التحركات التي ستبقى تعتمد بشكل كبير على القوات المحلية في العمليات الفرعية.

يجيب هذا السيناريو على سؤال 'أيّ قوّات برية سيتم استخدامها'، ولا سيما أن قوّات النخبة المؤلفة من 6000 عنصر أو أقل سبق وأن سجلت انتصارات متكررة ضد تنظيم "داعش" الذي لديه قدرة محدودة على تحريك قواته المؤلفة من 20,000 مقاتل أو أكثر في المعركة.

حدود هذا السيناريو تتمثل في كون هذه المسألة تبدو "حساسة سياسياً"، نظراً إلى النفور العام في الولايات المتحدة من إرسال القوات البرية الأميركية إلى المعارك.

ولكن في الواقع، أظهر استطلاع رأي أخير اجرته قناة "سي أن أن" بالتعاون مع مركز أبحاث "أو أر سي" أنّ الرأي العام منقسم حول هذا الموضوع، حيث تؤيد نسبة 49 بالمائة نشر القوّات الأميركية البريّة وترفض 49 بالمائة ذلك.

ومع تبوؤ رئيس أميركي أكثر حزماً سدّة الرئاسة و/ أو مع حصول المزيد من الهجمات الإرهابية، يمكن أن يصبح هذا الخيار قابلاً للتنفيذ، إذ يملك حتى الآن أكبر فرصة للنجاح وبسرعة.

محاذير.. وطوارئ!

حالتان من حالات الطوارئ قد تؤثران في أيّ قرار يتخذه الرئيس الأميركي المقبل حسب معهد واشنطن.

الأولى هي حالة "اليوم التالي"، فمع استخدام قوات بريّة أميركية أو من دونها، سيتعيّن على أي إدارة أميركية أن تلعب دوراً أساسياً على الصعيدين السياسي والاقتصادي وربّما الأمني في تحقيق استقرار المناطق بعد هزيمة تنظيم «داعش». إلا أنّ موقف الإدارة الأميركية مبهم في هذا السياق، حيث تشير إلى عمليّة تقودها في العراق واستناد أيّ حلّ في سوريا على المفاوضات المطوّلة بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة. بيد أنه يتعيّن على الولايات المتحدة القيام بتخطيط أكبر بكثير، لا سيما إذا كانت لا تريد أن تواجه وضعاً مشابهاً للذي حصل في ليبيا وإنما على مساحة أكبر.

التدخل الروسي

يلفت معهد واشنطن الانتباه إلى الانتصار الأخير ضد تنظيم "داعش" في تدمر، ويقول إنه "ثمة إمكانية أن يحقق الهجوم الروسي-السوري-الإيراني مكاسب حقيقيةً ضد تنظيم «داعش» في سوريا. ولكن، هذه ليست بمكاسب لا تشوبها شائبة. فدوافع روسيا في المنطقة، كما ورد على لسان قائد "القيادة المركزية الأميركية" لويد أوستن في 8 آذار/مارس هي "تعزيز نفوذها الاقليمي لمواجهة الولايات المتحدة".

لذلك، يخلص معهد واشنطن إلى أنّ "محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» ليس هدفاً بحد ذاته في نظر الروس، بقدر ما هو وسيلة جديدة يستخدمها الرئيس الروسي بوتين للضغط على واشنطن. وإذا لم تبدأ الولايات المتحدة بقصّ أجنحة هذا التنظيم والتخلص منه على وجه السرعة، فإن 'نصر' روسيا وحلفائها ضد هذه الجماعة قد يشكّل تهديداً ليس أقل خطراً من ذلك الذي يطرحه حالياً تنظيم "داعش".

يشار إلى أنّ تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تزامن مع أنباء تقول إنّ الولايات المتحدة "تعمل على دراسة خطة لتعزيز نشر قوات أميركية خاصة في سوريا".

ونقلت وكالة "رويترز" مؤخرا، عن مسؤولين أميركيين لم تسمهم، قولهم إن إدارة أوباما "تدرس خطة لزيادة عدد القوات الخاصة الأميركية التي أُرسلت إلى سوريا بشكل كبير مع تطلعها للتعجيل بالمكاسب التي تم تحقيقها في الآونة الأخيرة ضد تنظيم (داعش).

وأضافت أن المسؤولين الذين على علم مباشر بتفاصيل الاقتراح "امتنعوا عن كشف النقاب عن الزيادة التي يجري دراستها على وجه الدقة"، ولكن أحدهم قال إنها "ستجعل وحدة عمليات القوات الخاصة الأميركية أكبر عدة مرات من حجم القوة الموجودة حاليا في سوريا والمؤلفة من نحو 50 جنديا حيث يعملون إلى حد كبير كمستشارين بعيدا عن خطوط المواجهة".