قاد الطيار الانتحاري أندرياس لوبيتز، من شركة جيرمان وينغز، 149 شخصًا إلى حتفهم في آذار (مارس) 2015، حين قاد طائرته عمدًا للاصطدام بجبال الألب الفرنسية. فقضية طيار ألماني آخر أمام المحكمة تكشف أن الغازات السامة في كابينة القيادة قد تكون سبب الاكتئاب، ثم اللوثة الانتحارية التي أدت إلى الكارثة.

ماجد الخطيب: "متلازمة التسمم الجوي" التي تنجم عن الأبخرة المتطايرة من المحرك والأجهزة في كابينة الطيار، معروفة منذ سنوات طويلة، وتعترف شركات التأمين الجوي بوجود آثار من "الفوسفات العضوية" في قمرة القيادة، إلا أنها لا تعتقد بأن هذه المادة ربما تؤدي إلى أمراض.

يثير الطيار الألماني غونتر كنور (49 سنة)، من شركة جيرمانيا، موضوع "متلازمة التسمم الجوي" في القضية التي رفعها ضد الشركة بسبب طرده من العمل. وإذ تتمسك الشركة بنص العقد الذي يؤهلها لرفض الطيارين الذين يعيقهم المرض عن العمل، يركز كنور في دفاعه على الأبخرة السامة التي أصابته بالأمراض التي أدت إلى وقفه عن الطيران.

أيدت محكمة ميونخ رأي الشركة على أساس شروط العقد، لكن محامي كنور طعن بالقرار، ورفع تقريرًا إلى المحكمة يتحدث عن إصابة العديد من الطيارين بالتسمم نتيجة الأبخرة التي تتصاعد في قمرة القيادة. ويقول المحامي إن عددًا من الطياريين يعترفون بأمراضهم أمامه، لكنهم يتسترون عليها علنًا خشية فقدان وظائفهم.

بدأ كنور عمله طيارًا في عام 2003 قائدًا لطائرات فوكر 100، ثم تحول في عام 2006 إلى شركة جيرمانيا وصار يقود طيارات بوينغ. بدأت أعراض المرض منذ عام 2009، وحينما ابلغ عنها الشركة منح إجازة طبية طويلة، ثم أقيل من العمل بعد عام لعدم صلاحيته للمهنة. ويقول كنور الآن إنه يأسف لصراحته التي كلفته عمله، لأن الآخرين يتسترون على أمراضهم.

اكتئاب والتهاب أعصاب وضعف نظر

يعاني كنور من حالة إرهاق واكتئاب وفقدان التركيز، وآلام في أعصاب اليدين والقدمين، مع صعوبة في تنسيق الحركة بين مختلف أطرافه. يقول إن ذلك ينطبق تمامًا مع الأعراض العصبية التي تسببها الفوسفات العضوية التي تتبخر من محرك الطائرة والأجهزة.

يقدم كنور إلى المحكمة تقريرًا يشي بأن أكثر من طيار في شركة جيرمانيا يعانون من الاكتئاب والإرهاق والاضطرابات النفسية وضعف القلب. ويتحدث الطيار عن زميلين آخرين ماتا، كما يعتقد، بسبب "متلازمة التسمم الجوي"، إذ ماتت طيارة في جيرمانيا عمرها 31 عامًا فقط بسبب عجز القلب، الذي هو من أعراض التسمم. وعن طيار آخر قال زملاؤه إنه سقط عن دراجة هوائية ومات، والمعتقد أنه انتحر بسبب حالة اكتئاب متفاقمة. وسيطلب محامي كنور من المحكمة الاذن بتشريح الجثتين بحثًا عن آثار التسمم في جسديهما.

وتؤيد "كوكبيتس" (نقابة الطيارين الألمان) مطالب زميلها كنور في ما يخص الحصول على تعويضات العمل. وندد ماركوس فال، العضو في النقابة، بشروط العمل في شركات الطيران، التي تدفع الطيارين إلى التستر على أمراضهم. وقال فال إن هناك ثلاث حالات تسمم في شركة جيرمانيا، التي لا يزيد طاقم طياريها عن 150 طيارًا، يعني أن القضية ليست سهلة.

دراستان تثبتان وجود التسمم

يرتكز كنور في دفاعه&على دراستين مهمتين: فحصت الأولى أسباب موت خمسة طيارين، وتوصلت إلى أنهم كانوا يعانون كلهم من أضرار في عضلات القلب سببها التسمم. أجرت الدراسة الثانية الطبيبة أسترد هويتلبيك، المختصة في أمراض العمل من جامعة غوتنغن الطبية، ووجدت آثار الفوسفات العضوية في دماء 140 طيارًا بعد هبوطهم في المطارات.

باللنسبة إلى كنور، عثر الأطباء على خلل في عمل بعض مناطق دماغه، يعزونها إلى "التسمم الجوي"، كما كشفوا في حمضه النووي على انه ينتمي إلى فئة قليلة من البشر التي تظهر حساسية أكثر من غيرها لمادة الفوسفات العضوية. وفسر الأطباء سبب اختلاف شدة تأثر الطيارين بهذه المادة.

وعلى الرغم من نفيها العلني لتسبب الأبخرة في قمرة الطيار بالأمراض، يبدو أن الشركات الكبرى تسعى فعلًا إلى تخليص قمرة الطيارين من الأبخرة السامة التي تسبب "متلازمة التسمم الجوي".

وأعلنت شركة "إيكوفاك" الألمانية المتخصصة بصناعة مرشحات الهواء، منذ العام 2012، عن مرشح يضمن عدم تسرب الغازات من المحركات إلى الكابينة، ولحقتها شركة "ايرباص" التي أنتجت مرشحًا قابلًا للتركيب على محركات كافة أنواع طائراتها بالتدريج. كما أعلنت شركة "جيت بلو" الأميركية عن إنتاج مرشح مماثل وطرحته في سوق إنتاج الطائرات.
&