أعرب 73 في المئة من قراء "إيلاف" عن ثقتهم بما ورد في وثائق بنما، فلا دخان بلا نيران، وهم يصدقون الصحفيون العرب الذين كشفوا الفضائح.

إيلاف من دبي: بين ليلة وضحاها، أصبح ما يعرف بـ "أوراق بنما" شغل العالم الشاغل، بسبب ما فضحته من أسماء كبيرة، كانت مستورة في أعمال مالية مشبوهة، صبت كلها، أو معظمها الساحق في أقل تقدير، في جعبة مكتب موساك فونسيكا للمحاماة المعروف، وفي شركات منها الموجود ومنها الوهمي في جزر فيرجن البريطانية، التي تعد أجمل جنة ضريبية على هه الأرض.

73 في المئة: نعم

لكن؛ إن وضعنا تسريبات "أوراق بنما" هذه في الميزان، فثمة من يراها معصومة من الخطأ، لأنها مسنودة على وثائق، وثمة من يقول إنها ملتبسة، تحتمل الخطأ كما تحتمل الحق، خصوصًا أن بعض من وردت أسماؤهم في التسريبات نفوا ما تتهمه به بشدة، وما زالوا، بينما سلم المذنبون بذنوبهم، واستقال منهم كثيرون. لذا، سألت "إيلاف"، على عادتها الأسبوعية، قارئها: هل تثق بما ورد في "أوراق بنما"؟ شارك في هذا الاستفتاء 1226 قارئًا، أجاب 893 منهم بـ "نعم" (بنسبة 73 في المئة)، بينما أحاب 333 قارئًا بـ "لا" (بنسبة 27 في المئة).

يرى أحد المراقبين إن ميل العرب إلى تصديق ما تكشفه التسريبات، إن "ويكيليكس" أمس أم "أوراق بنما" اليوم، مردود إلى أن ليس في يدهم حيلة أخرى تعينهم على اتهام الفاسدين منهم بتهم علنية، خصوصًا أن هؤلاء الفاسدين يحظون في العادة بحماية أنظمة حاكمة في بلادهم، أو هم شركاء في الحكم، وما تهريبهم الأموال إلى خارج بلادهم، أو تهربهم من دفع ملايين الضريبة لصالح خزينة دولتهم إلا أحد أشكال الفساد الذي صار عرفًا سائدًا في كثير من الدول، وخصوصًا العربية وبعضها شهد انتفاضات وثورات ودعوات إصلاحية في الأعوان الأخيرة.

استهداف روسيا!

أما ميل آخرين إلى التشكيك فمرده إلى أن معظم التهم السابقة انتهت بانفضاح أمرها كمؤامرات، أكثر من انفضاح مرتبكها. فاليد الخارجية المدسوسة في هذه القضايا تخرج إلى العلن دومًا في نهاية المطاف، لينسدل الستار على المسرحية، ويظهر المخرج. وثمة ما يمكن أن يرفد هذا الاتجاه؛ ففي تدوينة لموقع "ويكيليكس"، جاء أن ثمة تمويل مباشر لعملية كشف فضائح "أوراق بنما"، جاء من الحكومة الأميركية ومن الملياردير الأميركي جورج سوروس، ووصفت الجزء الروسي من هذه الفضائح بأنه هجوم موجه ضد روسيا، وتحديدًا ضد رئيسها فلاديمير بوتين.

وغرد "ويكيليكس" على حسابه في تويتر: "تسريب البيانات التي تدل على تورط عدد من السياسيين على مستوى العالم جاء في إطار مشروع رصد الجريمة المنظمة والفساد الذي أعد أساسًا ضد بوتين، فالهجوم يستهدف روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة، ويتم تمويلها من وكالة التنمية الدولية الأميركية USAID وسوروس".

وجاء في تغريدة أخرى في 6 نيسان (أبريل) أن مشروع "أوراق بنما" تلقى تمويلًا مباشرًا من الحكومة الأميركية، "وربما يؤدي المشروع الأميركي لرصد الجريمة المنظمة والفساد عملًا جيدًا، لكن حصوله على تمويل مباشر من الحكومة الأميركية لشن هجوم أوراق بنما على بوتين، ما يثير شكوكًا حول نزاهته".

اعترف

لكن... ألم يقر بوتين نفسه بأن معلومات "اوراق بنما"، التي تتهم مقربين إليه، صحيحة، على الرغم من تأكيده انها لا تكشف امرًا غير قانوني، ومن اتهامه الولايات المتحدة بالوقوف وراء هذه الاستفزازات؟

بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، قال بوتين في إطار اسئلة وأجوبة مع الروس عبر التلفزيون: "مهما كانت غرابة الأمر، فإن هذه المعلومات ذات مصداقية، لكن لدينا انطباع أنها لا تاتي من صحافيين بل من رجال قانون، وهي لا تتهم احدًا بشيء بشكل ملموس".

اعتبر بوتين أن هذا التحقيق الصحافي، الذي كشف ضلوع مسؤولين سياسيين واقتصاديين كبار في العالم في نظام تهرب ضريبي، يهدف إلى زرع البلبلة في شان نشاط اصدقائه، عبر الايحاء بأن الاموال مخصصة لمسؤولين، "بمن فيهم الرئيس"، أي بوتين نفسه.

وبحسب الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، فإن مقربين إلى بوتين وفي مقدمهم العازف سيرغي رولدوغين اخفوا في بنوك خارجية ما يصل إلى ملياري دولار.

تساءل بوتين: "من يمارس هذه الاستفزازات؟ نحن نعرف انهم موظفون في منظمات رسمية اميركية، والصحيفة الالمانية سودويتشي تسايتونغ التي كشفت الفضيحة ملك مجموعة اعلامية تعود إلى المؤسسة الاميركية المالية غولدمان ساكس"، متوقعًا مزيدًا من هذه الاستفزازات مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية الروسية في ايلول (سبتمبر) الآتي.

لصق بوتين تهمة الاستفزاز بالأميركيين تزرع بعض الشكوك، خصوصًا أن تغريدات "ويكيليكس" تدعمها، إلا أن اعترافه بصدقية المعلومات الواردة في "أوراق بنما" يعني اعترافه بأن ما فيها صحيح.&

صدقية صحفية

اللافت هنا أن أكثر من ثلثي قراء "إيلاف" المشاركين في الاستفتاء يصدقون ما نشر في "أوراق بنما". ربما يقف وراء هذه التصديق عامل آخر، غير ما سبق، لا يتنبه إليه كثيرون. فثمة صحافيون عرب استقصائيون عملوا جاهدين على كشف المستور، ورفض المسكوت عنه في العالم العربي. هم تسعة: منتظر ناصر من العراق، ومحمد القوماني من اليمن، وبسمة شتاوي وسناء سبوعي ومالك خضراوي من تونس، وحمود المحمود من سورية، وهشام علام من مصر، وإياس حلاس من الجزائر، ومصعب الشوابكة من الأردن، نشروا تحقيقاتهم ضمن الموجة الأولى من إعصار "وثائق بنما" الذي يعصف بسياسيين ورجال أعمال من حول العالم، كما قالت المديرة التنفيذية لشبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (اريج) في مقالة نشرتها في سي أن أن بالعربية. أضافت أن هؤلاء يتعاونون مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين لنشر وجبة تحقيقات جديدة بالتزامن مع إعلان اللائحة الكاملة بأسماء شخصيات وشركات وردت أسماؤها في قنبلة العصر، "فما نشر حتى الآن يشكّل نقطة في بحر، قياسًا بتسريبات أرشيف يضم أكثر من 11 مليون وثيقة تغطي 40 سنة من التعاملات بين شركة الخدمات القانونية موساك فونسيكا في بنما، دولة المقر، وأفرعها حول العالم. وزبائنها؛ خليط من ساسة ورجال أعمال ووجوه عالم الإجرام ونجوم الفن والرياضة. لكنّها شملت خصوصًا أسماء أهم شخصيات عامة وسياسية حول العالم".

لا دخان بلا نيران

لا شك في أن أسماء هؤلاء الصحفيين، وموروثهم من الصدقية والنزاهة، ساهم في ترجيح كفة تصديق "أوراق بنما" على كفة التشكيك في ما أوردتها من فضائح. كيف لا وقد تعرضوا جميعًا للمضايقة والملاحقة بسبب عملهم هذا؟ فلا دخان من دون نيران، كما تقول العرب.

كتبت الصباغ: "زميلنا في الجزائر اضطر لنشر تحقيقه في ميديابار، أهم موقع الكتروني استقصائي في فرنسا، بعد أن ضغط الوزير المعني على صاحب الصحيفة المحلية لمنع النشر. في اليمن وسورية، حيث الإعلام منقسم بين الشرعية والمليشيات، نشر الزملاء تحقيقاتهم بأسماء مستعارة في صحيفة عربية مقرّها لندن. موقع إنكفادا التونسي، الذي شارك صحافيوه في المشروع الدولي خارج إطار أريج، تعرض للقرصنة وواجه رئيس تحريره سيلًا من الشتائم، وتلقى رسالة تهديد عبر حسابه على فايسبوك. في عمان، اجتهد مسؤول استباقيًا وطلب من ناشر مؤسسة محلية عدم بث التحقيق المتعلق برجال أعمال. لكن الناشر أوضح له أن الحجب لن يفيد طالما أن الاتحاد الدولي سينشر التحقيقات على موقعه. في العراق، يستعد زميل لنشر تحقيق مماثل باسمه، علمًا أن المؤسسة الاعلامية الحكومية التي يعمل بها فصلته بعد أيام من ورود اسمه ضمن قائمة الصحافيين العرب الذين عملوا على وثائق بنما".