تتردى العلاقة بين العربية السعودية والولايات المتحدة منذ عام 2000 بسبب خلافات عميقة وأساسية حول إسرائيل وإيران من بين قضايا أخرى.&

لندن: يمكن لزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى السعودية خلال الايام المقبلة أن تسهم في احتواء الخلافات وتأكيد المصالح المشتركة لكنها لن تعيد العلاقة إلى أيام مجدها، كما يرى بروس ريدل مدير مشروع الاستخبارات في معهد بروكنغز وزميل أول في مركز سياسة الشرق الأوسط.&

ويستعرض ريدل تاريخ العلاقة الأميركية السعودية منذ عام 1943 عندما زار الأميران وقتذاك والعاهلان لاحقًا فيصل وخالد البيت الأبيض بدعوة من الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت. وأبدى الأميران الشابان موافقتهما على قبول مساعدة امنية أميركية واستمرار المملكة في إعطاء الأفضلية لشركات النفط الأميركية.&

واكتسب الاتفاق طابعه الرسمي في يوم الحب عام 1945 حين التقى مؤسس المملكة الملك عبد العزيز آل سعود وروزفلت على متن المدمرة الأميركية كوينسي في قناة السويس. ونشأت علاقة طيبة بين الملك والرئيس رغم اختلافهما العميق على مستقبل فلسطين.&

&مد وجزر

وشهدت العقود الستة التالية حالات مد وجزر في العلاقة، لكنّ البلدين استمرا في التقارب. وفرض الملك فيصل حظرًا نفطيًا على الرئيس ريتشارد نيكسون عام 1973 لدعمه إسرائيل في حرب اكتوبر، لكنّ البلدين بدآ يتعاونان بشأن عملية السلام العربية الإسرائيلية، ودعم المقاومة ضد الاحتلال السوفيتي في أفغانستان وطرد قوات صدام حسين من الكويت. وشهد عقدا الثمانينات والتسعينات تعاونًا لا سابق له بين البلدين.&

وبدأت العلاقة تتردى في عام 2000 عندما فشل الرئيس بيل كلنتون في تحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل في مؤتمر شبردتاون وبين الفلسطينيين وإسرائيل في كامب ديفيد. وشعر ولي العهد وقتذاك الأمير عبد الله بأن كلينتون لم تضغط على إسرائيل بما فيه الكفاية للانسحاب من الأراضي العربية التي تحتلها. وكان السعوديون يرون ان الوقت مناسب للتوصل إلى اتفاق مع سوريا في عام 2000، وبذلك ابعاد دمشق عن إيران وعزل حزب الله وتمهيد الطريق لاتفاق مع الفلسطينيين.&

وأُصيب الأمير عبد الله الذي كان الوصي وقتذاك بسبب اعتلال صحة الملك فهد بخيبة أمل مريرة عندما وقف جورج بوش إلى جانب ارييل شارون عام 2001 خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية.&

وحين اجتمع الأمير عبد الله مع وزير الخارجية الأميركي وقتذاك كولن باول أسمعه كلامًا شديد اللهجة متهمًا بوش بالتواطؤ في جرائم حرب. ورفض عبد الله لقاء بوش أو زيارة واشنطن رغم مناشدات بوش، الأب والابن على السواء. ولم يهدأ عبد الله إلا بدرجة طفيفة حين دعا بوش إلى اقامة دولة فلسطينية. وكان القادة السعوديون يشكّون في جدية بوش بهذه الدعوة، كما يقول الباحث ريدل.&

وزاد الطين بلة بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر). فالمملكة لم ترَ مبررًا لاحتلال العراق بعد هذه الهجمات. ورغم ترحيب المملكة بسقوط صدام فإنها تابعت بقلق انزلاق العراق إلى حرب طائفية كان السنة أول ضحاياها.&

وتكرست الطائفية بانتخابات اسفرت عن سيطرة احزاب شيعية على الحكم وتعاظم النفوذ الإيراني في العراق. واعرب الملك عبد الله عن استغرابه الشديد إزاء ما رأى انه سذاجة بالغة من جانب بوش، وما زال هذا مصدر استياء سعودي حتى اليوم، كما يلاحظ الباحث ريدل.&

عهد أوباما

كانت الرياض محطة أوباما الأولى في زيارته الأولى للشرق الأوسط عام 2009. ولم يكن اجتماعه مع الملك عبد الله ناجحًا، ولكن أوباما وعد بالاهتمام بالقضية الفلسطينية. ثم رأى السعوديون أوباما يرضخ لمشيئة بنيامين نتنياهو ومرة اخرى شعروا بخيبة امل في أميركا.&

وانتهى وقت المجاملات بجلوس الملك سلمان على العرش الذي انتهج سياسة اشد حزمًا في مواجهة العربدة الإيرانية بتشكيل تحالف يضم 34 بلدًا اسلاميًا. وخلال زيارته الأخيرة إلى مصر تعهد بتقديم مليارات الدولارات من المساعدات والاستثمارات وبناء جسر يربط البلدين عبر مضيق تيران في اطار التصدي لتهديد الجماعات الجهادية.&

ورغم هذه الخلافات، فإن العلاقة بين العربية السعودية والولايات المتحدة لم تصل إلى حد القطيعة.&

ويكتب بروس ريدل الباحث في معهد بروكنغز أن البلدين ما زالا يحتاجان إلى أحدهما الآخر، وما زالت هناك مجالات تلتقي فيها مصالحهما، مشيرًا إلى أنّ إدارة أوباما صدرت إلى المملكة اسلحة بقيمة 95 مليار دولار، وأن كلا البلدين مصممان على محاربة تنظيم "داعش" وتنظيم القاعدة، وأن ولي العهد الأمير محمد بن نايف شريك قوي في التعاون الأمني مع أميركا. وشدد ريدل على ضرورة تعاون البلدين ضد تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية الذي تنامت قوته خلال الحرب اليمنية.&

نشاطات إيران

كما تستطيع واشنطن والرياض أن تتعاونا على كبح نشاطات إيران الهدامة وخاصة في منطقة الخليج، حيث يزداد خطر إيران وتصعيد هذه النشاطات ودعم وكلائها الآن بعد أن ازدادت مواردها المالية من عائدات النفط.&

ويتضمن جدول عمل البلدين الحرب الأهلية في سوريا. ويطالب السعوديون في هذا الشأن بالتزام واضح بازالة السبب الأساسي لمأساة الشعب السوري، ويرون أن الحرب الأهلية لا يمكن ان تنتهي إلا برحيل رئيس النظام بشار الأسد.&

ومن الأولويات العليا الأخرى عمل البلدين على تحقيق السلام في اليمن. وكانت واشنطن شريك الرياض الصامت في هذه الحرب التي كلفت المملكة مليارات من أجل اعادة الشرعية إلى اليمن. ويقول ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إن الوقت حان لاطلاق عملية سياسية.&

ويقول الأمير محمد أيضًا إن السعودية ترى أن على الولايات المتحدة أن تقوم بدور أكبر في إعادة الأمن إلى المنطقة. واليمن ساحة جاهزة للعمل المشترك من اجل هذا الهدف، لا سيما وان لواشنطن والرياض مصلحة مشتركة في لجم نفوذ طهران في صنعاء، كما يقترح الباحث بروس ريدل مدير مشروع الاستخبارات في معهد بروكنغز، مؤكدًا ضرورة استمرار أوباما في العمل على تطوير العلاقة مع العربية السعودية رغم الخلافات، فالمملكة العربية لاعب رئيسي في الشرق الأوسط.