يحاول الرئيس الأميركي إصلاح ما فسد في علاقته بالخليج، لكن يبدو أن اختبار إيران وتداعياته في اليمن وسورية عوامل تعيق هذا الإصلاح.

خاص بـ"إيلاف" من نيويورك: زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى السعودية واجتماعه بقادة دول مجلس التعاون الخليجي محاولة لتحسين العلاقات المتوترة بصورة متزايدة مع قدامى حلفائه السنة.&

ولم يخف السعوديون امتعاضهم من السياسة الاميركية الحالية في المنطقة، فيما تولى الاتفاق النووي مع إيران (أو خطة العمل المشترك الشاملة) بلورة القضية للسعوديين وغيرهم في المنطقة. وأوضح اوباما في مقابلة أجرتها معه مجلة اتلانتيك أن آراءه لا تتوافق مع آراء بلدان عدة، تضعها مصلحتها على تماس مباشر مع القضايا التي تنشأ في الشرق الأوسط، مثل فرنسا وبريطانيا.

أوباما البارد

أجفلت لغته الباردة في مقابلة أتلانتيك مسؤولين كبارًا في الإدارة، فكانوا ميالين إلى التقليل من تداعياتها على الأرض. وهم يرون أن الرئيس يحاول "اختبار إيران"، على حد تعبير مسؤول في وزارة الخارجية هذا الاسبوع، قال: "ما نبحث عنه هو مقاربة منسقة لتخفيف حدة التوترات"، مضيفا انها ليست لعبة صفرية. لكن بالنسبة إلى السعوديين بصفة خاصة، أي خطوة باتجاه إيران تأتي على حسابهم. فهم يرون ضلوع إيران في خلق حالة من الفوضى في كل من اليمن وسوريا. ففي اليمن، تدعم ايران المتمردين الحوثيين، وفي سوريا قدم ايران وحليفها اللبناني حزب الله دعمًا حاسمًا لنظام بشار الأسد. وحتى في شأن صعود المتطرفين السنة في تنظيم الدولة الاسلامية الذي يعادي السعودية بقدر ما يعادي الولايات المتحدة، لا يتفق السعوديون والادارة على طريقة التعاطي معه.

في المعركة ضد داعش في العراق، تعمل الولايات المتحدة من خلال حكومة بغداد. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يعتبر أفضل من سلفه نوري المالكي، وبالتالي يستحق دعمًا اميركيًا أكبر، فإنه لم ينل يومًا ثقة السعوديين، وخصوصًا في ظل التحالف القائم بين العراق وإيران. في هذه الأثناء، فرضت الولايات المتحدة قيودًا على الأسلحة التي يمكن للسعوديين تقديمها لمعارضي النظام في سوريا خشية أن تقع هذه الأسلحة بأيدي متطرفين إسلاميين.&

يزداد الوضع في سوريا تعقيدًا بتدخل القوة الروسية الذي يبدو انه غيَّر ميزان القوى لصالح نظام الأسد. وقاد هذا بعض المسؤولين العرب ومعهم دبلوماسيين اوروبيين إلى أن الاعتقاد أن الولايات المتحدة مستعدة للتراجع عن خط آخر من "خطوطها الحمراء" في سوريا [كان الخط الأول التهديد باستخدام القوة العسكرية إذا استخدم نظام الأسد اسلحة كيميائية ضد خصومه. وحين استخدمها "اكتفت" الادارة بتخلي سوريا عن اسلحتها الكيميائية]. وهم يخشون هذه المرة من أن حرب الولايات المتحدة في سوريا ضد داعش لا نظام الأسد ستسمح للأسد بالبقاء في السلطة في حين ترى أن الاسلاميين المتطرفين "على طريق الهزيمة"، بحسب تعبير دبلوماسي اوروبي.&

يصر مسؤولون اميركيون كبار على أن هذا ليس صحيحًا. وقال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الاميركية بصراحة: "خطنا الأحمر يبقى تغيير النظام في سوريا"، مؤكدًا أن الولايات المتحدة لم تحد عن اطارها الزمني لرحيل الأسد على الرغم من اعترافه بأنه لم تبق إلا ثلاثة أشهر للتفاوض بشأن هذا الاطار، وشهر واحد لتنفيذه.&

تخلوا عن الأسد

يقول المسؤولون الاميركيون ايضًا انهم منهمكون في قضايا شرق أوسطية اخرى تبين وجود مجهود ثابت للتأثير في الأحداث باتجاه ايجابي في المنطقة. وبعد تنصيب "حكومة" جديدة في ليبيا، على الرغم من أنها وصلت إلى طرابلس بطريق البحر وليس جوا لأن المطار تحت سيطرة إحدى الميليشيات العديدة المتنازعة في هذا البلد الذي تعمه الفوضى، من المتوقع أن تقدم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وايطاليا مساعدة مادية على الأرض في الأشهر المقبلة.&

وتدعم الولايات المتحدة السعوديين والشركاء الخليجيين في معركتهم في اليمن. وهنا يقول مسؤولون اميركيون إن السعوديين عرفوا حدود قوتهم العسكرية، فهم بعد استخدام موارد كبيرة أخذوا بعضها من المعركة ضد داعش في سوريا، والحصول على دعم لوجستي حاسم من الولايات المتحدة، ما زالوا غير اقوياء بما فيه الكفاية لإلحاق الهزيمة بأعدائهم الحوثيين. وفي الحقيقة فقد السعوديون، بحسب مصادر مطلعة، مواقع على الأرض في بعض المناطق الحدودية.

وفي حين وصلت هذه الجولة من المفاوضات حول سوريا إلى طريق مسدود، فإن مسؤولين اميركيين كبارًا ما زالوا متفائلين بالوضع على الأرض في سوريا، سواء في المعركة ضد داعش أو بشأن القضايا الانسانية. &واعاد مسؤول اميركي التذكير بأنه عندما بدأ تنفيذ "وقف العمليات القتالية"، كانت التوقعات أقل تفاؤلًا. ومنذ ذلك الحين، وفي خلال الاسبوعين الماضيين، استأنف نظام الأسد هجماته على المعارضة، وإن لم تكن باسناد روسي. وما زال المسؤولون الاميركيون يعتقدون أن في الامكان التوصل إلى اتفاق مع الروس. وبحسب مساعديه، لم يغير وزير الخارجية جون كيري وجهة نظره القائلة إن موسكو لا ترتبط بعقد زواج مع الأسد.

وعلى حد تعبير أحد المسؤولين: "كيري يقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعرف أن الأسد يجب أن يرحل". ويقول هذا المسؤول إن العلويين أرسلوا إشارات بأنهم مستعدون للتخلي عنه شريطة أن يكون وضعهم في سوريا ما بعد الأسد مضمونًا.

الموقف من القضية الفلسطينية

إذا كان هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة على أن اوباما مقتنع بأنه ينتهج الاستراتيجيا الصائبة في الشرق الأوسط، فهو استمرار اهتمامه بمحاولات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي ايجاد "إطار" جديد لحل النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني.

وحتى مع اقتراب ولايته من نهايتها، يفكر في دعم قرار يحدد من الناحية العملية شروط التسوية لضمان بقاء حل الدولتين. وسيكون مثل هذا الموقف آخر ما تريده حكومة نتنياهو في اسرائيل.&

لكن، بما أن مثل هذا القرار على الأرجح لن يشمل "حق عودة" الفلسطينيين إلى الأراضي الموجودة داخل حدود اسرائيل المعترف بها دوليًا اليوم، ناهيكم عن التأكيد مجددا على اسرائيل بوصفها "دولة يهودية"، فانه من الجائز ألا ينال القرار قبول الفلسطينيين.&

مع ذلك، يتريث المسؤولون الاميركيون، فإعداد صيغة تقبلها الإدارة يعتمد على الدول راعية هذا القرار، مثل فرنسا. ويعطيه مخضرمون في وزارة الخارجية الاميركية فرص نجاح بنسبة 50 في المئة، فيما لا حظ مسؤول منهم أن هناك سوابق كثيرة أقدمت فيها ادارة منتهية ولايتها على مخاطرة سياسية باتخاذ موقف مثير للجدل، مثل دعم قرار كهذا للتخفيف من اعباء خلف "صديق"، كما ستكون ادارة برئاسة هيلاري كلينتون&بكل تأكيد.
&