أثار اجتماع جرى حول سوريا في فيينا الأسبوع الماضي الكثير من الجدل، فقد ساده جو من التوتر والانسحابات والنقاش، بالإضافة إلى طرد بعض الحضور وإطلاق بعض الاتهامات بالتخوين.

فيينا: أكد البيان الختامي لأعمال مؤتمر "من أجل محددات لدستور سوريا المستقبلي"، والذي جاء بدعوة من "منظمة المبادرة العالمية للسلام" في النمسا، أن المشاركين توافقوا على أن "سوريا دولة ديمقراطية غير طائفية محايدة يضمن دستورها مبدأ الفصل بين السلطات وحقوقًا قومية متساوية لكل المكونات".

لقاء فيينا الأخير في قلعة شلننغ، والذي دعيت اليه شخصيات سورية، تعرض لانتقادات عديدة أهمها أن من تمت دعوتهم ليست لديهم الامكانيات والقدرات والتمثيل من اجل التصدي لمثل هذه المهمة، كما اتهمه معارضون بأنه لقاء هامشي جاء فيما الشعب السوري يقتل في حلب، وكون توقيت الاجتماع ايضًا جاء وسط أخبار تؤكد قيام الروس والأميركيين بصياغة دستور سوري سيفرض على المعارضة والنظام، وهو اقرب الى توجهات النظام وصيغ من اعوانه، وما هذا الاجتماع الا اخراج لهذا الدستور.

يجتمعون خلسة

وقال زكريا الصقال، عضو الأمانة العامة في تيار الغد السوري وعضو الائتلاف الوطني، في تصريح لـ"إيلاف"، إن السياسة العالمية "تعتم على مطابخ كبيرة من أجل انجاز مشاريعها وأهدافها، وأهم ما تعتمد عليه هذه المطابخ هو استطلاعات الرأي التي يمكن من خلالها رصد وعي المجتمعات وعوامل توحدهم، لهذا فإن من أهم مآسي الثورة السورية هي عدم الاستناد الى حاضنة تشكل مؤسسة وطنية تعتمد على مفاصل علمية وخبيرة بكل ما سيواجه ثورتهم".

وأضاف: "كانت الثورة تقاد من قبل قوة مفتتة منقسمة، وسمحت للقوى العالمية بالتدخل لتزيد من تفتتها وقوة القوى، لهذا فإن هذه التدخلات تأتي باسم الكثير من القضايا من التنمية الاجتماعية والسياسية والقانونية، وتدعي مجموعات وكوادر لا علاقة لهم بهذه بالاختصاصات".

واعتبر الصقال أن "دعوة فيينا تأتي بهذا الاتجاه، فأغلب المدعوين لا علاقة لهم بالقانون، والموضوع هو الدستور وقوانين تحكم التعايش السوري"، وتابع: "من هنا لن أدخل بباب التخوين أو الاتهامات، الا أنه يجب وعي السياسة العالمية والرجوع لمراجع وطنية تنتخب وتحدد ماذا يهم السوريين أولاً، وما يبني علاقات سياسية تقوم على المصالح المشتركة، كيما ننجز وطناً لكل السوريين".

فيما قال الاعلامي والكاتب السوري حكم البابا على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إنه "على وقع القصف من قبل النظام وروسيا، بمباركة أميركية، لحلب. وعلى خلفية الرقص على جثث شهدائنا الثوار تشفياً بمقتلهم في عفرين، هناك عملاء لا أستثني منهم أحداً، يجلسون خفية في فيينا ليصوغوا دستور وصاية واحتلال أميركي أوروبي روسي لسوريا، بئس المعارضة التي تتكسب من دماء شهدائها ومواطنيها".

مجرد ورشة عمل

أحمد الرمح، الأكاديمي السوري، والذي حضر الاجتماع، تحدث عن وجهة نظره لـ"إيلاف"، وقال: "المبدأ الذي أعمل عليه هو أن أي شيء يمكن ان يسقط النظام ويوقف شلال الدم السوري يجب ألا نتكاسل عنه".

وأضاف: "في فيينا اجتمعت مجموعة من السوريين كورشة عمل يمثلون انفسهم لوضع محددات دستور سوريا المستقبل كوجهة نظر من حضر وتوافقوا على بيان ختامي وزعوه على الجميع..على اساس سوريا المستقبل ديمقراطية دون أي سماح لولادة الاستبداد مرة أخرى، وهي لجميع مواطنيها على حد سواء، متساويين بالحقوق والواجبات، دون ان يتدخل بالورشة من أي طرف غير سوري، وليس صحيحًا ان احدًا من الموالين حضر اللقاء، ولم يكن في اللقاء أي تواجد للروس والاميركيين".

فيما قال لـ"إيلاف" محمد قنطار، عضو الأمانة العامة لتيار الغد السوري، والذي وردت اسمه في قوائم المدعوين: "مطلقًا لم تتم دعوتي الى فيينا، ولم اعلم بالموضوع كله الا بعد أن قرأت بالصحف والمواقع الالكترونية، اسمي قد تم نشره من بين الاسماء الذين تمت دعوتهم هذا من جهة، ومن جهة ثانية لم اكن اعلم فحوى اجتماع أو ورشة العمل التي اقيمت بفيينا، ولم اكن اعلم من هي الجهة الداعية لها او الحضور أو اي تفاصيل أخرى الا بعد ان تم الحديث عن هذا الموضوع على نطاق واسع من قبل وسائل الاعلام المختلفة".

ومن جهة تقنية، قال: "لا اعتقد انني يمكن ان اتدخل بمسائل دستورية تتطلب جانباً كبيراً من التخصص الاكاديمي بالقانون، وبالتالي حتى لو تم توجيه دعوة لي لاحقًا بما يخص مناقشات الدستور والمسائل القانونية والدستورية فلن اذهب وسأترك الموضوع لأصحاب الاختصاص، اما عن رأيي بمثل هكذا اجتماعات أو ورشات عمل تتعلق بالدستور السوري، اعتقد ان ليس هناك من فائدة منها إلا زيادة الجدل القائم بالساحة وتعميق الخلاف بين مؤيد ومعارض وادخال الناس بنقاشات قد لا تكون من اختصاصهم، او قد لا يكونون دقيقين أو جديرين بمناقشتها، واعتقد ايضًا أن مثل هذه الاجتماعات تريد ان تسلط الضوء على أن القضية السورية برمتها هي خلاف على الدستور لا اكثر ولا اقل، وكأن لم تقم هناك ثورة على مجرم وعلى عصابة مجرمة ارتكبت ولا تزال افظع الجرائم بحق الشعب السوري".

انسحابات&

ولكن بعض المعارضين أعلنوا انسحابهم من الاجتماع لأسباب متعددة، منها: مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الـ"ب ي د"، وتساءل محامٍ وقانوني سوري في نقاش مع "إيلاف" أنه "كيف نبني سوريا ونحن نضع خطوطًا حمراء على بعضنا"، وأشار الى "أن الظروف وصلت الى أهمية عقد مؤتمر وطني شامل لا يستثني أحدًا من القوى الحقيقية التي لها قوة على الارض وشخصيات تستطيع قيادة الشارع وتكنوقراط"، مشددًا "ان سوريا تحتاج الى كل ابنائها".

ولكن الدكتورة سميرة مبيض، عضو الجمعية الوطنية السورية، كان لها رأي آخر، فقد انسحبت من الاجتماع وأصدرت بيانًا قالت فيه: "تمت دعوتي الى مؤتمر تشاوري حول بعض قضايا الدستور السوري في فيينا، مبادرة اللقاء بحد ذاته، والتي وافقت عليها، لا تحمل أي لغط، فهي عبارة عن تشاورات وتوصيات حول مستقبل الدستور السوري، ولكن اللغط يكمن بانتماءات المشاركين التي لم يتم اعلامنا بها سابقاً، حيث يعتبر اللقاء تسويقًا وتعويمًا لحزب "ب ي د"، و بناء على رؤيتي هذه، وبعد الجريمة ضد الانسانية التي قام بها هذا الحزب ضد السوريين في منطقة عفرين، انسحبت من هذا اللقاء".

وأضافت: "رفضت التوقيع على اي عقد اجتماعي او وثيقة بالمشاركة مع من يحملون هذا التوجه الارهابي الذي لا يختلف بالفكر والمضمون عن توجه داعش والنظام، فالسلام الحقيقي يبدأ بتفكيك هذا الفكر المتطرف تحت كل مسمياته".&

وكان معارضون نقلوا صورًا لأعضاء في حزب الاتحاد الديمقراطي يعرضون جثث مقاتلي المعارضة، وهو الأمر الذي أدانته& كل الأحزاب الكردية، بطريقة أو بأخرى، بما فيها حزب الاتحاد.

آراء غير منسجمة&

وقد انسحب أيضًا المحامي عيسى إبراهيم من المؤتمر، حيث اعتبر أن الهاجس واضح لدى الجهة الداعية "بدعوة فصيل ينتمي للأثنية الكردية ولا يُعبر عن الأثنية جميعها"، ووصف حزب الاتحاد الديمقراطي بأنه "فصيل يستخدم تلك الثنائية المُزيّفة للصراع في سوريا وبمظلومية تاريخية خاصة به كتوطئة لمشروعه الخاص على حساب سوريا، وعلى حساب الأثنية الكردية".&

وحذّر إبراهيم من نتائج المؤتمر، ورأى أن "ما نتج عن المؤتمر واضح فيه صراع بين ارادات المجتمعين من جهة مع الارادة المُسبقة للجهة الداعية (منظمة المبادرة العالمية للسلام- النمسا)، وكذلك ارادات المجتمعين، بما يمثل كل منهم لتوجه مختلف".

لذلك اعتبر أن البيان الختامي جاء مُلفقاً (المقصود المعنى اللغوي للمصطلح لا المعنى التفاضلي الأخلاقي)، "أي هو تجميع لآراء غير منسجمة، لا يمكن بناء مشترك بينها بهذه الطريقة اللغوية الجميلة في ايجاد الحل، وهي لغة متنافضة بالمعنى الحقوقي".

طرد!

وأوضحت السيدة السورية ميساء قباني "طردونا من القاعة التي يعقدون فيها مؤتمر سلام من اجل سوريا، وهو مؤتمر بضواحي فيينا لنقاش الدستور السوري الجديد، وقد سمعت عنه من احد الأصدقاء المدعوين منذ ثلاثة ايام فقط، وتحمست للقائه كونه قادماً من تركيا، وانا قريبة بالمانيا، لست مدعوة، ولا أعرف من هم السوريون والسوريات الحاضرون"، وأضافت: "وصلت والتقيت بأصدقائي بعد انتهاء الجلسة في اليوم الثاني، سألت أصدقائي هل أستطيع الإستماع كوني سورية؟ فقالوا اسألي المنظمين لهذا المؤتمر، ذهبت وسألت المنظم ويدعى Leo، فقال لا مانع ولكن شرط ألا تشاركي بالحوار أو تسألي أي سؤال فقط مستمعة، وافقت ودخلت القاعة لأستمع لما يدور ولم أشارك بشيء، في الاستراحة كنّت أتناقش وباقي السوريين خارج القاعة عن أسباب عقد المؤتمر، وما هو ولماذا عقد وأين ستذهب نتائجه، إعتقدت كوني سورية يحق لي ان أشارك باقي السوريين الآخرين ببعض الآراء حول دستور بلدي".

وتابعت: "فوجئت &بطردي من القاعة، أخذني أحدهم جانباً ليقول لي إنه غير مرغوب بوجودي في القاعة حتى كمستمعة ولا يحق لي أن أنتقد أي شيء حتى خارج القاعة كوني غير مدعوة، لم يكن مني الا أن دخلت القاعة لأحضر حاجياتي، ولكنني استغليت الفرصة لأصرخ بأعلى صوتي باللغة الإنكليزية التي يفهمونها: أنا كسورية يحق لي ان أناقش دستور بلدي اكثر منك أنت النمساوي والألماني والأميركي، أنتم تتكلمون عن الديمقراطية والسلام في بلدي سورية".

ونقلت قباني مفاجأة الجميع بردة فعلها لتتابع &بصوت عالٍ في القاعة، "عن أي ديمقراطية تتكلمون؟ وعن أي سلام تتحدثون، طردتموني لمجرد أني أتكلم مع السوريين خارج القاعة عن رأي في ما يناقشون، أنتم تتكلمون عن دستور بلدي ومستقبل أهلي".

وأكدت &طلبوا مني مغادرة القلعة الأثرية كلها، والقرية كلها في البلد الديموقراطي، من مؤتمر يرعى السلام الوطني، لكن كسوّرية "كان عليّ أن أصمت ولا أشارك، وعليكم أن تعوا وتفهموا أيها السوريون انه لا حق لكم في سوريا، فقتلكم ممنهج وتشرديكم ممنهج ، واستباحت بيوتكم ورزقكم ممنهج ، ومستقبلكم ومستقبل اولادكم سيكون ممنهجاً على طريقتهم ، فلتكملوا القتال في ما بينكم، ولكنكم ستدفعون انتم وحدكم ثمن حماقاتكم".

مبادىء دستورية

وأشار البيان الختامي لاجتماع فيينا إلى أن شخصيات سورية من سياسيين وحقوقيين ونشطاء مدنيين ومن تعبيرات سياسية متنوعة من مختلف المناطق والمكونات السورية التقت للتشاور حول مجموعة من المبادئ الدستورية بهدف تقديم مساهمة، تدعم جهود تأسيس دستور سوريا المستقبل، وتسعى للوصول الى توافق في الآراء بين مختلف الأطياف السورية.

وقد توافق المشاركون على بعض التوصيات، ومن بينها أن "سوريا دولة ديمقراطية غير طائفية، تقوم على مبدأ المواطنة الكاملة والمتساوية، والتعددية السياسية، واللامركزية في توزيع السلطات بين المركز والأطراف، وذلك ضمن وحدة الأراضي السورية".

كما &تلتزم الدولة الحياد الكامل تجاه أي دين أو قومية، وتحترم كل المعتقدات، ولا تميز بين المواطنين والمواطنات على أساس الجنس، اللون، الدين ، العرق ، المذهب، المعتقد، الثروة والجاه.

وحضّ الاجتماع على "فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وضمان استقلال القضاء ولجميع المواطنين والمواطنات، الحق بتولي المناصب والوظائف العامة، وفق معيار الكفاءة".

وأكد البيان "الشعب السوري ذو تنوع قومي وديني ويقصد به الأديان التالية: الإسلام، المسيحية، اليهودية، الإيزيدية، وثقافي، متوافق على العيش المشترك، والعمل للمصلحة العامة".

ويضمن الدستور حقوقًا قومية متساوية لكل المكونات القومية التي تشكل الشعب السوري، ويقصد بها كل من العرب الكرد السريان الآشوريين التركمان الأرمن الشركس، وفق العهود والمواثيق الدولية.

وقال البيان: "الحريات العامة للشعب السوري مصانة وفق الشرعية الدولية لحقوق الانسان، والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكل المواثيق الدولية ذات الصلة".

ويضمن الدستور، كما يقول المشاركون، "حقوق المواطنة الكاملة والمتساوية للنساء، وتلتزم الدولة بتمكينهن من المشاركة في الحياة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وضمان وصولهن الى مواقع صنع القرار، ويكون تمثيل النساء في جميع الهيئات المعينة والمنتخبة بنسبة لا تقل عن 30% وصولًا الى المناصفة، ويضمن حقها في إعطاء الجنسية لزوجها وأطفالها، مع ضمان حقوق الطفولة وفق المواثيق الدولية".