يرى مراقبون أن الكاريكاتير بات متداولاً بشكل كبير خلال عهد حكومة عبد الاله ابن كيران، ويعتقد البعض أن ذلك يدلل على تطور نوعي في عقلية المسؤولين والوزراء الذين باتوا يتقبلون النقد المباشر.

الرباط: لاحظ متتبعو مسار المشهد الصحافي المغربي أن الكاريكاتير انتعش، إن جاز التعبير، بشكل مثير للانتباه، في عهد الحكومة المغربية الحالية، التي يقودها عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية.

وبعد أن كان هذا الفن المشاغب الجميل، في السابق، وخاصة أيام ما يسمى بـ"سنوات الرصاص"، مجرد عنصر فني تكميلي، لا يبرح الصفحات الأخيرة للصحف اليومية، لإضفاء نوع من اللمسات التجميلية عليها، ويتعرض أحيانًا للمنع، ورسامه للاعتقال والقمع مثل الفنان ابراهيم لمهادي، رسام صحيفة &"المحرر" التي صارت لاحقًا "الاتحاد الاشتراكي" ، أصبح اليوم &يتصدر أحيانًا الصفحات الأولى، وغالبًا ما يكون ابن كيران، هو "البطل الرئيسي" لرسومات ساخرة تجعل منه، منطلقًا لنقد أداء فريقه الحكومي.

البعض يرى في هذا التوسع المتزايد لمساحة الكاريكاتير في المنابر المكتوبة والمواقع الالكترونية، ملمحًا من ملامح حرية التعبير في المغرب، وتطورًا نوعيًا في عقلية المسؤولين والوزراء، في تقبلهم للنقد اللاذع المباشر، رغم أن المملكة جاءت اخيرًا في الترتيب السنوي لـ"مراسلون بلا حدود" حول حرية الصحافة في المرتبة 131 من أصل 180 دولة.

والبعض الآخر، وضمنهم بعض رسامي الكاريكاتير أنفسهم، يرون أن ابن كيران ، رئيس الحكومة، بشخصيته المثيرة للجدل، وبقفشاته، و"بخروجه أحيانًا عن النص"، في خطبه ومواقفه، عامل أساسي من عوامل انتشار الكاريكاتير، ليشمل حتى التلفزيون، الذي ظل، لسنوات طويلة، يأخذ مسافة معينة من التعامل مع الكاريكاتير، وكأنه حقل مليء بالألغام، يتعين الابتعاد عنه، تفاديًا للشبهات والتأويلات.

وها هي قناة "ميدي 1 تي في" الفضائية تحرص مساء كل جمعة ضمن برنامجها الأسبوعي "كواليس"، أثناء استضافتها لشخصية وزارية أو قيادة حزبية، على الاستعانة بالرسوم المتحركة في فقرة " كواريت"، قصد &السخرية بأسلوب مباشر من ابن كيران، وبقية أعضاء فريقه الحكومي، إضافة إلى الزعامات السياسية، مثل&إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المعارض، وادريس لشكر، الكاتب الأول (الامين العام) لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض، وحميد شباط، الأمين العام لحزب&الاستقلال، وغيرهم.

ويكفي هنا الاستشهاد برأي الفنانة المغربية، ذات الجذور الفلسطينية، رهام الهور، رسامة الكاريكاتير في يومية "رسالة الأمة"، تقول فيه إن بن كيران يشكل في نظرها شخصية كاريكاتيرية بامتياز، بما يطلقه لسانه &من كلمات تكون أحيانًا خارجة عن المألوف، يستلهم منها الرسامون لوحات كاريكاتيرية تنبض بالسخرية السياسية.

أما الفنان عبد الغني الدهدوه، رسام الكاريكاتير في يومية "المساء" الواسعة الانتشار، فقد كتب اخيرًا على حائطه الفايسبوكي: "صراحة سيجد حزب اللمبة ( المصباح ) /شعار حزب العدالة والتنمية) صعوبة كبيرة في إيجاد بديل لابن كيران، السياسي "البلدوزر"، بل وسيصعب على رئيس الحكومة الذي سيليه تعويض الفراغ الهائل الذي سيتركه ابن كيران، ليس بسبب منجزاته المفترضة، ولكن لشخصيته الفريدة التي يعز نظيرها في الميدان السياسي المليء بالزواحف المتكلسة".

ويبدو أن الحكومة الحالية عازمة على السير قدمًا في ملف التطبيع مع السخرية السياسية عبر الكاريكاتير، بدليل أن مصطفى الخلفي، وزير الاتصال ( الاعلام) الناطق الرسمي باسم الحكومة، أصبح ضيفًا يتردد باستمرار، بصفته الرسمية، على الملتقى السنوي للكاريكاتير في مدينة شفشاون، بشمال المملكة، ويفتح حوارات مباشرة مع الرسامين، الذين لا يترددون، في انتقاده وجهًا لوجه، على مسمع ومرأى من الصحافة، ليس بألسنتهم فقط، بل بريشاتهم اللاذعة، ثم يتسلم الرسوم منهم، بصدر رحب، وبابتسامة واسعة، شاكرًا إياهم على هذه "الحفاوة" بشخصه، متعهداً بوضع تلك اللوحات في مكتبه الوزاري.

&

وحين أصدر رسام الكاريكاتير المغربي الشاب "سعد جلال" اخيرًا، أول كتاب في مساره الفني، بعنوان&ذي دلالة خاصة، هو "إصلاح الفساد"، لم يجد أفضل من وجه ابن كيران &كغلاف لإصداره، وعيًا وإدراكًا منه أن رئيس الحكومة، يشكل عنصر جذب كفيلاً بلفت انتباه القرّاء .

&

وفي الوقت الذي تتقلص فيه مبيعات الجرائد الورقية أو تختفي نهائيًا من الوجود، رافعة الراية البيضاء، في وجه المواقع الالكترونية، ها هو بسام الكاريكاتور &خالد كدار، الذي كان قد تسبب في محاكمة يومية " أخبار اليوم" بسبب رسم كاريكاتيري له عن زفاف الأمير مولاي اسماعيل (ابن عم الملك محمد السادس)، بمناسبة زواجه، يصدر أسبوعية ورقية&بعنوان " بابوبي"، تحمل شعار كلب للحراسة في أعلاها، وقد جمع لها كوكبة من ألمع الرسامين المشاغبين وكتاب الرأي الساخرين.

&

واحتل ابن كيران &وبعض أعضاء فريقه الحكومي غلاف الصحيفة الجديدة الساخرة، الصادرة تحت عنوان عريض " حكومة الحلايقية"، في إحالة على صانعي الفرجة في ساحة جامع الفناء بمدينة مراكش.

ومن المؤكد أن مسيرة الكاريكاتير في المغرب، وتبعاً للتطورات الحاصلة في المشهد السياسي بشخوصه ورموزه وتفاعلاته وتناقضاته أحيانًا، مرشحة للمزيد من الانتعاش، خاصة وأن الانتخابات، بما تحبل &به من ظواهر خاصة، مثل " الولائم" ومحاولات شراء الذمم، و"حرب التزكيات"، بدأت طلائعها تلوح مبكرًا في الأفق قبل السابع من أكتوبر ( تشرين الاول) المقبل، الموعد الرسمي لإجراء الاستحقاق التشريعي.
&