في مئوية ذكرى شهداء الصحافة اللبنانيّة، يتذكر اللبنانيون عنف مرحلة العثمانيين حيث أعدموا المئات من الصحافيين، وأطلقوا أبشع العبارات في وجههم، ويتحدثون عن تركيا اليوم التي تتدخل في أوضاع المنطقة وتطرح نفسها كلاعب فعلي على الساحة الدولية.

بيروت: تحتفل الصحافة اللبنانية اليوم بمرور مئة عام على "شهداء الصحافة" في لبنان في 6 آيار 1916، وككل سنة يتذكر اللبنانيون كوكبة الصحافيين الذين علقت مشانقهم في ساحة البرج في 6 أيار/مايو من العام 1916 لمطالبتهم بالاستقلال.

هذا اليوم كان محطة لا تنسى في تاريخ لبنان الحديث، حيث علّق جمال باشا السفاح المشانق لعدد من اللبنانيين، بينهم عدد من الصحافيين، كان ذلك في ساحة الاتحاد في وسط بيروت، التي اصبحت ساحة البرج، قبل أن تستعيد إسمها ساحة الشهداء.

ومن الذين شنقوا في تلك الساحة، الأخوان محمد ومحمود المحمصاني، وعبد الكريم الخليل، وعبد القادر الخرسا، ونور الدين القاضي، وفي 6 ايار/مايو من العام 1916 أعدم 11 صحافيًا هم: الشيخ أحمد حسن طبارة (صاحب جريدتي "الاصلاح" و"الاتحاد العثماني")، سعيد فاضل عقل (صاحب جريدة "البيرق" في بعبدا، ورئيس تحرير عدد من الصحف أهمها "النصير" و"الاصلاح" ولسان الحال")، عمر حمد (شاعر شعبي ومحرّر صحافي جريء كتب في جريدتي "المفيد" و"الاصلاح")، عبد الغني العريسي (صاحب "المفيد" و"فتى العرب" و"لسان العرب")، الأمير عارف الشهاب (المحرر السياسي البارز في جريدة "المفيد"البيروتية)، باترو باولي (مدير جريدة "الوطن" ورئيس تحرير جريدة "المراقب" البيروتية")، الصحافي الشهير جورجي حداد (كتب في جريدة "المقتبس" في دمشق، وجريدتي "لبنان" و"الرقيب" في بيروت).

لم يتوقف جمال باشا السفاح عن سياسة الاعدام فنفذ أحكامًا بحق فيليب وفريد الخازن، صاحبي جريدة "الأرز".

واغتيال الصحافيين استمر بعد خروج العثمانيين من لبنان، فبعد الاستقلال اغتيل جبران تويني في 12 كانون الأول/ديسمبر 2005، واغتيل قبله سمير قصير من أجل الحرية والكلمة.

ويتذكر لبنان في السادس من أيار جميع الذين سقطوا دفاعًا عن الكلمة والمطالبة بالاستقلال بين 1915 و1916، لتكر بعدها سبحة الاغتيالات والاعتداءات على الصحافة في لبنان، من اغتيال الصحافي نسيب المتني، في 27 أيار/مايو 1958، وفي الخامس من أيار/مايو 1966، اغتيل مؤسس وناشر جريدة "الحياة" كامل مروة. وفي شباط/فبراير العام 1980، اختطف الصحافي سليم اللوزي ووجدت جثته ملقاة في أحراج عرمون، وفي 23 تموز /يوليو 1980، اغتيل نقيب الصحافة اللبنانية رياض طه.

وتعرّض عدد من الصحافيين اللبنانيين للخطف، ومحاولات الاغتيال، كمحاولة اغتيال ناشر جريدة "السفير" الزميل طلال سلمان، ومحاولة اغتيال الإعلامية مي شدياق.

إذن من ساحة الشهداء بدأت يد الغدر تطال من الصحافيين في لبنان منذ مئة عام حتى يومنا، ومن ساحة الشهداء مشاهدات وآراء لمواطنين تحدثوا لـ"إيلاف" عن ذاكرة عنف السلطنة العثمانية، والحضور القديم الجديد لتركيا وتدخلها في سياسة المنطقة.

يقول المواطن خليل فرحات إن "تاريخ لبنان مكتوب ليس فقط بدماء شهداء إنما أيضًا بـ200 ألف شهيد ماتوا جوعًا في حرب 1915، أيام العثمانيين.

ويتحدث فرحات عن ذاكرة والده في هذا الخصوص الذي كان يحدثه عن "الأوبئة والأمراض والحصار الذي فرضه جمال باشا من جهة على جبل لبنان والحلفاء من جهة أخرى على الشواطئ اللبنانية، وقد دفع ثمنهما سكان جبل لبنان.

كما يشير إلى وسائل التعذيب التي مارسها العثمانيون في حق اللبنانيين من اضطهاد وتعليق مشانق وإصدار أحكام عرفية".

معين أبو فاضل يذكر أن جده حدثه عن احتلال العثمانيين لبيوتهم وسرقة كل ما فيها من أثاث وملابس وسطوتهم على الغلال والأرزاق والأحصنة والبقر حتى الأديرة دخلوا إليها وسرقوها وسرقوا الأثاث والطحين والأغذية وقطعوا الأشجار واشعلوا النار في الغابات.

سيمون خوري يذكر كيف كان والده يحدثه عن العثمانيين ومدى إزدرائهم للمسيحيين، حيث كان العثمانيون يفرقون في التعامل مع المسيحيين اللبنانيين، وإذا صودف أن التقوا لبنانيًا مسيحيًا كانوا يقولون له " أشمل يا خنزير" بمعنى أن يتوجه إلى الشمال لكي يحققوا معه.

ويتحدث عن عهد العثمانيين، حيث حصلت مجاعة كبيرة حينها، وقامت أم &بإطعام ابنها لحم كلب ميت أو هرة مقدّدة أو قطعة من جثة أخيه الذي مات قبل ساعات بسبب الجوع.

والعثمانيون الذين أرهقوا اللبنانيين لفترة طويلة من الزمن لا يزالون يملكون حضورًا جديدًا من خلال تركيا اليوم وتدخلها في سياسات المنطقة، وفي هذا الصدد يقول المواطن بسام فياض إن "تركيا طرحت نفسها دولة مركزية في المنطقة وقائدة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنته الإدارة الأميركية عقب حرب تموز/يوليو عام 2006، وعلى هذا الأساس تصرفت أنقرة سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا وعسكريًا وثقافيًا تجاه قضايا المنطقة، وهي في تحركها هذا انطلقت من بعد تاريخي وجغرافي وثقافي بات يتلخص بالعثمانية الجديدة."

عن تدخل تركيا في المنطقة، يرى رياض انطونيوس أن "هذا التدخل ظاهر جليًا في المنطقة، حيث يبدو أن تركيا بين سعيها إلى إثبات نفسها في المنطقة، يظهر الدور التركي وكأنه يتراوح بين صورة النمر الإقليمي الذي يتحرك كلاعب إقليمي خطر وبين العجز عن التحرك الحقيقي دون قرار أميركي ودولي، وهو ما وضع تركيا في امتحان مع الصدقية والذات، وقد انتقلت تداعيات أزمة المنطقة إلى الداخل التركي، بخاصة مع تعاظم خطر الجماعات الإسلامية المتشددة، ولاسيما تلك المرتبطة بالقاعدة وبداعش حيث تبدو تركيا رمزًا غربيًا مغريًا لجهة مشروعية استهدافها، وبالتالي هدفًا لهذه الجماعات التي سلّحتها تركيا وجعلت من أراضيها ممرًا لها للانتقال إلى الداخل السوري، وكل ذلك بعد تدخل تركيا القديم الجديد في شؤون المنطقة".
&