إيلاف من دبي: أثار مقال للكاتبة نوال السعداوي تناولت فيه قضايا الدين والإلحاد جدلا واسعا في أوساط الصحافة المصرية والعربية، خاصة بعدما قامت جريدة الأهرام المصرية بمنعه.

وقوبل قرار المنع بردود فعل مؤيدة ومعارضة، حيث يرى أنصارالمنع أن المقال يتنافى مع القيم الدينية والثقافة المصرية، فيما يرى الفريق الآخر أن القرار يظل سقطة لا تتناسب مع أفق الحرية في مصر، وما بين هذا وذاك لم يصدر تعليق من مؤسسة الأهرام على القرار.

ولم يحد قرار المنع من إصرار السعداوي على نشر المقال في مواقع التواصل الإجتماعي حيث أشارت في تصريحات صحفية إلى أنه "يصب في مصلحة الأفكار التي يرغبون في منعها، حيث تنتشر أكثر وأكثر"، ووصل عدد قراءات المقال إلى أكثر نصف مليون قراءة منذ أن تقرر عدم نشره بالصحيفة المصرية واطلاقه عبر مواقع التواصل الإجتماعي.

وقالت السعداوي في مقالها "منذ طفولتي أتطلع إلى الفضاء، أحاول رؤية العفاريت التي أسمع أنها تختفي هناك، وكانت عيناي، رغم نفاذهما، لا تريان إلا النجوم بالليل والعصافير بالنهار".

وأضافت: "لأول مرة في حياتي سمعت كلمة الله، تخرج من فم جدي (والد أمي) مشوبة بنكهة تسميها جدتي مشروبات روحية، تمط بوزها في وجه زوجها وتهمس في أذني: جدك لا يعرف الله ويضيع الفلوس علي النساء والخمر".

الإيمان هو العدل والصدق

ووصفت السعداوي والدها بـ "الرجل المستقيم الأخلاق لا يسكر ولا يخون زوجته"، وقالت "سمعته يقول أن الله هو الصدق والاخلاص والعدل والحرية والحب والجمال، وأنه كامن علي شكل الضمير الحي داخل كل إنسان، رجل أو إمرأة، دون تفرقة بينهما، هكذا أصبح الإيمان، في نظري، هو العدل والصدق والحرية والحب والجمال والمساواة بين البشر".

وأضافت: "اتهمني المدرس في طفولتي بالإلحاد لأن إيماني يختلف عن إيمانه، وكان يؤمن أن الأولاد أفضل من البنات، ويري الله علي شكل حروف مطبوعة في الكتاب، ثم يطلب مني حفظها عن ظهر قلب دون فهم، وفي يوم رآني أكتب إسم أمي علي كراستي بدلا من إسم جدي، فطردني من الفصل، وأصبح عندي الوقت لأقرأ الكتب خارج المقرر المدرسي لحسن حظي".

وتحدثت عن سيغموند فرويد الذي "يعتبر الأديان (على حد قولها ظاهرة بشرية) بدأت تاريخيا بشكل عصاب جماعي، وعن إريك فروم الذي تجاوز الحدود النفسية للظواهر الدينية، وحاول الدخول الي المجالات السياسية والاجتماعية والفلسفية، وتابعت: "يستمر الأطباء والعلماء في بحوثهم، داخل النفس البشرية وخارجها، لمعرفة أسباب الإيمان الديني وعدم الإيمان، أو ما يسمونه: الإلحاد".

&كتب عن الإلحاد

تحدثت السعداوي عن الكتب التي صدرت عن الإلحاد وكأنه مرض نفسي يغزو الشباب، وعلاجه عند الطبيب، وأدت هذه الأفكار بحسب رأيها الى إثراء الأطباء، وإفقار العقل المصري، وأضافت: "قرأت مؤخرا لطبيب مصري يؤكد أن الإلحاد مرض نفسي، يعني عدم الإيمان بالرب خالق الكون كما جاء في الكتاب، وأكد أيضا أن علم نشوء الكون ليس علما، ونظريات التطور (التي تنكر نظرية الخلق الدينية) باطلة ونوع من الإلحاد، وأن هذا الإلحاد ينتشر بين الشباب مثل الاكتئاب وأنفلونزا الخنازير".

وذكرت أنه "من يروج لهذه الأفكار بعض أطباء النفس، لا تختلف أفكارهم كثيرا عن رجال الدين التقليديين، ورثوا دينهم عن الآباء والجدود، لم يعرفوا إلا القليل عن العقائد والأديان المختلفة في العالم، يتصورون أن الإلحاد هو عدم الإيمان بما آمنوا به، وأنه نقصان في العقل أو مراهقة فكرية وإحساس بالنقص، أو غرور أحمق و سعي وراء الشهوات".

وعن الشعوب التي تؤمن بالدين قالت السعداوي: "أربعة مليار من البشر (أكثر من نصف سكان الأرض) لا يؤمنون بأي دين، يعيشون في الصين والهند واليابان، لا يسعون وراء الشهوات بل وراء العمل المنتج المتقن، يتمتعون بكفاءة عقلية عالية، وثقة بالنفس كبيرة، جعلت بلادهم تتفوق علي بلاد العالم، وأكثر من نصف الشعوب في أميركا وأوروبا، لم يرثوا الدين، ولم يلقن لهم في المدارس، لكن تربي عندهم ضمير حي، منذ الطفولة، وإيمان بالعدل والمساواة والحرية والكرامة، يخرجون في مظاهرات ضد حكوماتهم، أو ضد أي حكم ظالم مستبد في أي بلد في العالم، وهناك ملايين ورثوا دينهم في العائلة، وتم تلقينه لهم منذ الطفولة في المدارس، وأصبحوا يؤمنون أنه الحقيقة المطلقة وغيره باطل، ولم تعد لديهم القدرة علي التفكير بطريقة أخري".
&
وختمت بالقول: "من كان يحلم باستخدام الالكترونات للتواصل فوق كوكب الأرض في زمن أقل من غمضة عين؟ ومن كان يتخيل الالكترونات في الفضاء، الذي كان في طفولتنا ملئيا بالعفاريت؟ وإن أنكرت الطفلة وجود العفاريت وآمنت بأن الله هو العدل والمساواة والصدق والحرية والحب والجمال فهل تكون ملحدة؟".