إيلاف من بيروت: ليس الكلام عن خريطة جديدة للشرق الأوسط جديدًا، فأول من تفوّه بعبارة الشرق الأوسط الجديد كانت وزيرة الخارجية الأميركية السابق كونداليزا رايس في عام 2006، في خضم الحرب الاسرائيلية الثالثة على لبنان، أيام كان الطيران الاسرائيلي يدكّ الجسور الواصلة بين المناطق اللبنانية، وأيام كان حزب الله بعد حزبًا مقاومًا.

ظن الجمع ممن حضر سوق هذه الحرب شاريًا أو بائعًا أن إسرائيل وأميركا تسوقان لمنطق جديد للأمور في الشرق الأوسط، خصوصًا أن ما يسمى بمحور الممانعة آنذاك كان متهمًا بقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري الذي ما كان جف دمه بعد، وما كان جف دمع السوريين بعد، إذ أخرجهم هذا الدم من لبنان بعد وصاية عليه استمرت 30 عامًا.

60 في المئة نعم

على الرغم من أن نيران الربيع العربي بدأت في تونس، وانتقلت إلى دول أخرى، لكن ما عاد الكلام عن خريطة جديدة للشرق الأوسط، بديلةً من خريطة سايكس-بيكو في ذكراها المئة، إلا بعدما وصلت النار إلى سورية، وحل فيها ما حل، وتطور أمرها إلى حروب في كل الاتجاهات.

خريطة رالف بيترس للشرق الأوسط الجديد

واليوم، سألت إيلاف قارئها: "هل تتوقع تغيير الحدود في الشرق الأوسط؟"، أجاب 1889 قارئًا على هذا السؤال، 1137 منهم بـ "نعم"، بنسبة 60 في المئة، مقابل 752 أجابوا بـ "لا"، بنسبة 40 في المئة.


لكل منا نظرته إلى الأمور، مع الرأي القائل إن تغيير الشرق الأوسط جارٍ على قدم وساق، أو ضده، لكن ما لا يمكن إنكاره أبدًا هو أن الشرق الأوسط لن يعود إلى ما كان عليه من قبل. فلا سورية التي عرفناها في أيام آل الأسد عائدة، ولا العراق بعد الهجمة الداعشية كما قبلها، ولا الأكراد مستمرون كما كانوا. ربما يكون اللبس هنا في الشكل الذي سيكون عليه هذا الشرق الأوسط الجديد.

الحدود الدموية

يعكس تعبير الشرق الأوسط الجديد سمتين أساسيتين: الأولى، حان وقت التغيير الشامل في منطقة الشرق الأوسط؛ والثانية، رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط بعد 100 عام من سايكس - بيكو مفتاح لتحقيق ما يعتقد أنه استقرار سياسي واجتماعي يضمن المصالح الاقتصادية الأميركية في المنطقة.

في يونيو 2006، كتب الخبير العسكري الاستراتيجي الأميركي رالف بيترس مقالة بعنوان "الحدود الدموية.. كيف يمكن رؤية الشرق الأوسط بشكل أفضل"، في العدد السادس من المجلة العسكرية الأميركية (Armed Forces Journal) تضمنت خريطة جديدة للمنطقة على أساس عرقي ومذهبي، تتجاوز المحرمات السياسية من خلال إقامة دولة كردية في شمال العراق وجنوب شرق تركيا وفي أجزاء من سوريا وإيران.، وتقسم الباقي من العراق في دولتين شيعية وسنية، يضاف إلى الدولة الشيعية مناطق من غرب إيران وشرق السعودية.

خريطة نيويورك تايمز للشرق الأوسط ودوله الجديدة

وتقتطع أيضًا المناطق السعودية الغربية المحاذية للبحر الأحمر وتضم الأماكن المقدسة في مكة والمدينة في دولة مستقلة تشبه الفاتيكان، ويضم جزءا من مناطق السعودية الشمالية الغربية إلى الأردن.

خريطة أخرى

في سبتمبر 2013، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الاميركية خريطة جديدة للشرق الأوسط، تظهر تقسيم 5 دول فيه إلى 14 دولة، مركزةً على سوريا التي قسمت الى 3 دويلات: الدولة العلوية، والدويلة الثانية هي كردستان السورية التي ربما تنفصل عن اكراد العراق أو تندمج معهم، والدولة السنية التي يمكنها الانفصال عن المحافظات في العراق أو الاتحاد معها.

وبحسب هذه الخريطة، قسمت المملكة العربية السعودية إلى 5 دويلات، وليبيا إلى دويلتين في طرابلس وبرقة، والعراق بين الأكراد والسنة والشيعة. اما الدولة الاخيرة فاليمن، وقسمتها الصحيفة إلى دويلتين بعد اجراء استفتاء محتمل في جنوب اليمن على الاستقلال، وممكن أن يلحق جزء من جنوب اليمن أو كله بالسعودية.

وأكدت الصحيفة أن رسم خريطة مختلفة للشرق الأوسط سيكون تغييرًا استراتيجيًا في اللعبة للجميع، ومن المحتمل أن يكون التقسيم الجديد إعادة تشكيل التحالفات والتحديات الامنية وتدفق التجارة والطاقة لجزء كبير من العالم. كما توقع تقرير الصحيفة ايضًا أن تبقى الاردن ومصر وإسرائيل كما هي، ولم يذكر قيام دولة فلسطينية في المستقبل.

آن الأوان؟

لكن... هل صارت وقت إخراج التقسيمات وتنفيذها على الأرض؟ يقول مراقب ملم بالقضايا العسكرية، وخصوصًا في سورية، إن من يشاهد خرائط الاشتباك السوري، ومناطق التماس، ومناطق تقدم المعارضة ومناطق سيطرة النظام، يراها مطابقة للكثير من الحدود التي تكلم عنها وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسينجر في عام 1974.

في أي حال، مع هبوب رياح التغيير الشعبي في البلدان العربية، أو ما عرف بالربيع العربي، ظن كثيرون أن زمن إملاء الخرائط على الشعوب ولّى إلى غير رجعة، لكن مع المعوقات الكثيرة التي تسد منافذ التحول الديمقراطي في البلدان العربية، وتحولها إلى حروب أهلية وطائفية تحصد المئات يوميًا في ليبيا واليمن وسوريا والعراق، صار الكلام عن التقسيم الجديد للمنطقة أكثر واقعية، مع دخول لاعبين جدد، وفي مقدمهم تنظيم الدولة الاسلامية الذي يدير اليوم شبه دولة فوق أراض سورية وعراقية.

منطقة مختلفة

يقول مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه إن الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة، "فسوريا مقسمة والنظام لا يسيطر إلا على ثلث مساحة البلاد، وداعش يسيطر على المنطقة الوسطى، والأمر نفسه ينطبق على العراق، ولا أعتقد أن هناك إمكانية للعودة إلى الوضع السابق"، معربًا عن ثقته في أن المنطقة ستستقر في المستقبل، "لكنها ستكون مختلفة عن التي رسمت بعد الحرب العالمية الأولى".

ويوافقه نظيره الأميركي جون برينان الذي تنقل عنه التقارير قوله: "عندما انظر إلى الدمار في سوريا وليبيا والعراق واليمن، يصعب علي أن أتخيل وجود حكومات مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة سيطرة أو سلطة على الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية، فالحل العسكري مستحيل في أي من هذه الدول".

إنه الحل السياسي، أو الفوضى البناءة كما يقول الأميركيون.