أودت عملية ختان فاشلة في مستشفى خاص في السويس المصرية بحياة شابة في السابعة عشرة من عمرها. وصدر قرار بالقبض على الطبيبة التي أجرت العملية، وبإغلاق المستشفى.


مروان شلالا من بيروت: توفيت الفتاة ميار محمد موسى (17 عامًا) في مدينة السويس المصرية السبت إثر خضوعها لعملية ختان في مستشفى القناة الدولي الخاص، حيث أصيبت بنزيف تبعه هبوط حاد في الدورة الدموية، ما أدى إلى وفاتها.

وقالت مصادر قضائية في السويس إن النيابة العامة في المدينة أمرت يوم الإثنين بإلقاء القبض على طبيبة بعد يومين من وفاة المراهقة. كما قالت مصادر طبية إن هذه الطبيبة أجرت في اليوم نفسه عملية مماثلة لشقيقة الضحية التوأم، لكن الأخيرة تتعافى. والضحية وشقيقتها طالبتان في المرحلة الثانوية.

ضغوط شديدة

قالت المصادر إن والدة الفتاتين ممرضة طلبت من مفتش الصحة في السويس الدكتور صدقي سيدهم إصدار شهادة وفاة لابنتها، لكنه رفض بعد أن عاين الجثة وتبين له أن سبب الوفاة هو إجراء عملية ختان، فحرر محضرًا بقسم شرطة فيصل اتهم فيه أسرة الفتاة بإجراء عملية ختان لها بأحد المستشفيات الخاصة.

قال سيدهم في حديث تلفزيوني الأحد أنه عاين جثة الفتاة، وتبين أنه تم استئصال جزء كبير من الجهاز التناسلي الخارجي للفتاة.

قال: "ربما تكون الوفاة بسبب صدمة عصبية حادة نتيجة الشعور بالخوف، أو نتيجة نزيف حاد تعرضت له الضحية"، مؤكدًا إحالة القضية إلى النيابة العامة.

تابع: "ادعت والدة الضحية أنها ذهبت بابنتها إلى المستشفى لإجراء عملية إزالة كيس دهني، لكن الحقيقة أنها كانت عملية ختان (...) ويجب وقف هذه العادة المنتشرة في مصر، وأنا تعرضت لضغوط شديدة للغاية حتى لا أصعد القضية ويتم تحويلها إلى النيابة".

وكان سيدهم اصدر بيانًا قال فيه إن طبيبًا مختصًا في أمراض النساء عاين جثة ميار وأكد أن لا علاقة للإصابة والجرح بأي أمراض في الرحم كما أدعت أسرة الفتاة، فيما أخلت النيابة العامة سبيل الأم بضمان محل إقامتها، ويتوقع صدور تقرير أولي من الطب الشرعي بعد أسبوع.

إغلاق المستشفى

أمر المستشار هيثم جمال الدين، رئيس النيابة الكلية للسويس، بضبط وإحضار الطبيبة التي أجرت العملية للفتاة للتحقيق معها.&

واصدر الدكتور أحمد عماد راضي، وزير الصحة المصري، قرارًا بإغلاق مستشفى القناة الدولي الخاص بالمحافظة، التي توفيت فيها ميار.

وقال أحمد الهياتمي، محافظ السويس، إن قرار غلق المستشفى جاء لردع الأعمال المنافية للطب والتصدي لها، ولعقاب إدارة المستشفى التي تجاوزت القانون وأجرت العملية، مشيرًا إلى أنه قرر تشكيل لجنة من مديرية الصحة وإدارة الطب الحر برئاسة وكيل وزارة الصحة في السويس، وأن اللجنة توجهت إلى المستشفى وتم التنسيق مع إدارة المتابعة والجهات المعنية لغلق المستشفى، مع تجهيز أماكن بديلة للمرضى المحجوزين في داخله.

وأكد أنه يولي هذه الواقعة اهتمامًا خاصًا، ويتابع أوضاع المستشفيات الخاصة في المحافظة مع مراقبة النشاط الطبي لها ورصد أي تجاوزات تهدد حياة المرضى.

أضرار جسدية ونفسية&

وبحسب الدكتور عبد الحميد عطية، رئيس الزمالة المصرية بوزارة الصحة والسكان وأستاذ النساء والولادة بكلية طب القصر العيني فإنّ "الكارثة الحقيقية تكمن لا في إجراء عمليات الختان للفتيات فحسب، بل يزداد الأمر خطورة بسبب قيام الأطباء بإجراء هذه العملية، حيث وصل الأمر إلى أن 82 في المئة من حالات ختان الفتيات حاليًا في مصر تتم بيد الأطباء، وهذه ظاهرة معروفة باسم تطبيب الختان".

أضاف عطية: "هناك آثار جانبية متعددة تحدث للفتاة بسبب الختان، جسدية ونفسية: الجسدية تكمن في حدوث نزيف بعد الختان ربما يؤدى إلى الوفاة إن لم يستطيع أحد وقفه، وهو ما يحدث مع حالات الفتيات اللواتي يتوفين في أثناء العملية، وبعد الانتهاء من العملية تشعر الفتاة بألم شديد في أدق المناطق الحساسة بجسم الفتاة، وقد لا تتوافر سبل التعقيم المناسبة للأدوات التي تستخدم في العملية، ما يؤدى إلى إصابة الفتاة بتلوث وعدوى والتهابات حادة، وربما بأورام خبيثة أو عادية مكان قطع البظر، وفي مرحلة الزواج ينعدم احساس الزوجة بالإشباع الجنسي الذى يكفيها إضافة إلى ضعف التفاعل الجنسي مع زوجها".

وعن الأضرار النفسية قال عطية: "هناك فتيات يحلمن بمشهد الختان بسبب الصدمة العصبية والنفسية التي تحدث لهن، خصوصًا أن عمليات تتم للفتيات وهن مستيقظات".

لحلول نهائية

وتقدمت النائبة منى منير الاثنين ببيان عاجل إلى مجلس النواب المصري بشأن استمرار عمليات ختان الإناث في المستشفيات.

وقالت في البيان: "قضية الختان تطفو على السطح من وقت لآخر على الساحة المجتمعية سواء مع الاحتفال باليوم العالمي للقضاء علي الختان المقرر، أو مع فقدان أطفال بسبب إجراء عمليات ختان لهن".

أضافت: "للأسف دائمًا لا يتم إيجاد حلول نهائية للقضية التي نالت وقتاً طويلاً من الجدل المجتمعي"، موضحة أن وزارة الصحة أعلنت تبنيها برنامجاً قومياً لمناهضة ختان الإناث منذ عام 2003. وأعلنت عن انخفاض واضح في المؤشرات القومية الخاصة بممارسة ختان الإناث، إلا أن هذه الممارسة مستمرة.

وأوضحت أن هيئة مفوضي المحكمة الدستورية أوصت في تقرير لها بتأييد تجريم ختان الإناث في قانون العقوبات، وقرار وزير الصحة رقم 271 لسنة 2007 بشأن تجريم إجراء عمليات ختان الإناث، مطالبةً وزارة الصحة بوجود رقابة على المستشفيات الخاصة والحكومية لمواجهة عمليات الختان.

جريمة بحق الفتاة

استنكر المجلس القومي للسكان بشدة قيام أي طبيب أو أي شخص بمثل هذه الجريمة تحت أي ادعاء.

وجاء في بيان اصدره المجلس: "يقوم البرنامج القومي لتمكين الأسرة ومناهضة ختان الإناث بالمجلس القومي للسكان بمتابعة سير التحقيقات في هذه القضية مع النيابة العامة ومصلحة الطب الشرعي وأجهزة الرقابة والتفتيش بوزارة الصحة والسكان ونقابة الأطباء، للحفاظ على حقوق هذه الطفلة البريئة التي دفعت حياتها ثمنًا لهذه الجريمة، التي ليس لها فائدة أو ضرورة صحية أو أخلاقية أو دينية".

وأدان المجلس القومي للطفولة والأمومة في بيان له الحادث. وقال المجلس إنه خاطب النائب العام لمباشرة التحقيقات، إضافة إلى مخاطبة لجان حماية الطفل بالمحافظة للتدخل واتخاذ التدابير اللازمة.

وأكد المجلس أن ختان الإناث يعد جريمة بحق الفتاة وهو قطع جزئي أو كلي للأعضاء التناسلية الخارجية لها بدون سبب يؤدي إلى تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية، إضافة إلى الأضرار النفسية التي تلحق بالأنثى من تلك الممارسات الوحشية.

جرم

والجدير بالذكر أن الختان صار جرمًا في مصر منذ عام 2008، لكن العادات والتقاليد في محافظات ريفية عدة تحول دون تفعيل القانون، وتبرر استمرار هذه الممارسات ضد الفتيات.

في يناير 2015، صدر أول حكم قضائي بحق طبيب مارس الختان، وحكم عليه بالسجن مع الأشغال الشاقة عامين، وغرامة 500 جنيه، بسبب ختانه طفلة بمحافظة الدقهلية، ما أدى إلى وفاتها.

وتنص المادة 242 مكرر من قانون العقوبات المصري على الآتي: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه كل من أحدث الجرح المعاقب عليه في المادتين 241، 242 من قانون العقوبات عن طريق إجراء ختان الإناث".

ووفق آخر مسح صحي سكاني أجرى في عام 2008، وصلت نسبة ممارسة ختان الإناث في مصر إلى 74 في المئة بين الفتيات من 15 إلى 17 عامًا.