بحث خبراء عرب وأجانب من بلدان اوروبية وروسيا واميركا مكافحة التطرف والإرهاب في اوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقارنوا في الأردن الاستراتيجيات العربية والغربية في الوقاية من الإرهاب والتطرف العنيف، وذلك بالوقوف عند التجارب واهمية تبادلها.


محمد الغزي: ناقش خبراء واكاديميون وباحثون من مختلف دول العالم في العاصمة الأردنية عمّان النماذج الفكرية والنظرية لمنع ومكافحة الإرهاب وسبل التصدي لتهديدات التطرف العنيف واستراتيجيات مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الاتحادية وتجارب إعادة تأهيل الإرهابيين في اطار برامج التعاون ضد الإرهاب.

المديرة المقيمة في مؤسسة فريديشن ايبرت في الأردن والعراق انيا فيلر، راعية المؤتمر الإقليمي لوسائل منع ومكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا والغرب، استعرضت ومع انطلاق اعماله يوم الخميس أهدافه المتمثلة في البحث عن الطرق الناجعة لمكافحة الإرهاب ليس بالمنطقة العربية فقط، بل في أميركا وروسيا وأوروبا وكل العالم.

وقالت فيلر "أننا لم ننجح جميعًا في العالم بالقضاء على ظاهرة الإرهاب، وليس الحل العسكري هو الحل الأمثل أو الحل الأمني بل علينا القضاء على جذور الإرهاب والبحث عن الاسباب في اخذ الادوات المرتبطة به اجتماعيًا واقتصادياً وثقافيًا والبحث عن المقاربات الواعدة في سبيل القضاء على هذه الظاهرة".

العدو القريب

وتحدث الباحث في الجماعات الإسلامية حسن ابو هنية حول النماذج الفكرية والنظرية لمنع ومكافحة الإرهاب، مشيرًا الى ان "فكرة التمدد التي تتبعها الجماعات المتطرفة بدأت بعد احتلال العراق في عام 2003 حيث نشأ ما عرف بـ(العدو القريب)، وهي فكرة اقرب الى ما يتبعها الآن تنظيم داعش في العراق وسوريا، وكما يحصل في سرت بليبيا، وكذلك في سيناء بمصر، وكذلك في اليمن والقوقاز وأفغانستان".

وأضاف: "بالتالي اصبح تنظيم داعش يمتلك نحو 40 ولاية بمفهومه كما انه تلقى من حركات محلية اكثر من 150 بيعة، وهذا جعله يتمدد في سنوات سابقة حتى تمكن من تجنيد ما يقارب 35 الف مقاتل، وهي حالة غير مسبقة في التنظيمات الجهادية المتطرفة".

ولفت أبو هنية الى انه بعد احتلال داعش للموصل وجدنا مقاربات لمكافحة التطرف العنيف والإرهاب متمثلاً بداعش ليس فقط في قرار مجلس الامن رقم 2178 والذي لا يرتكز فقط على مقاربات الحرب والعدالة الجنائية بمفهوم التدخل العسكري بل على مقاربات متوسطة المدى، وأخرى بعيدة لنزع التطرف مثل إدارة الاعتقاد والتوجيه وإعادة الدمج، كما في برنامج (حياة) المتبع في المانيا، والذي يعمل على إعادة تأهيل ودمج المتورطين في منظمات إرهابية أو العائدين من العراق أو سوريا الى المانيا.

أبو هنية وفي استعراضه لمقاربات تأهيل التطرف أشاد بتجربة المغرب التي اعتمدت إعادة هيكلة الحقل الديني وادماج الاعتدال.

الحشد الشعبي يثير جدلاً

الدكتور ياسر عبد الحسين، نائب رئيس معهد الخدمات الخارجية في العراق، وفي الحلقة النقاشية التي حملت عنوان "وجهاً لوجه في مواجهة داعش"، تحدث عن ظاهرة الإرهاب المعولم لافتًا الى أن هناك اليوم جيوشًا من المتطرفين من القارات السبع بدأت تفرض سيطرتها وهيمنتها على العالم، وقال إن العراق يقاتل اليوم نيابة عن العالم في ارضه جيشًا من المتطرفين متعدد الجنسيات.

واحدثت ورقة الباحث ياسر عبد الحسين الدرويش جدلاً كبيرًا في المؤتمر وردود فعل وانقسامًا ونقاشًا حاداً في تعريف من هو "الإرهابي"، وتقييم الحرب الراهنة ضد تنظيم "داعش" في العراق، ودور الحشد الشعبي في مكافحة الإرهاب وداعش بالعراق وخاصة في الفلوجة.

ودافع عبد الحسين عن دور الحشد في مواجهة الإرهاب خاصة في الفلوجة حتى وقف عدد من الحضور غاضبين مطالبين بتسميته بالميليشيات وآخرون طالبوا بعد الميلشيات شكلا من اشكال الإرهاب.

الوقاية الخارجية&

وفي جلسة ثالثة بالمؤتمر، ناقش الخبراء استراتيجيات وهيكلة مكافحة الارهاب في الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، تحدث فيها مدير مشروع الوقاية في المركز العالمي للامن التعاوني الاميركي الدكتور اريك روساند، والباحث في معهد الاستشراق في اكاديمية العلوم الروسية الدكتور نيكولاي سوحوف.

وتحدث الدكتور أريك روساند عن تجربة بلاده في الوقاية من الإرهاب، مشيرًا الى انه "لا يزال هناك الكثير من التركيز على المجال العسكري"، مستدركًا "نركز كذلك على الشراكات والتعاون الأمني".

وقال روساند "لا نركز في مكافحة الإرهاب والوقاية منه على تنظيم داعش فقط، هناك تركيز واضح على منظمات إرهابية أخرى".

وأشار الى أهمية "تكثيف الجهود لدى الشركاء في العالم وخاصة في الشرق الأوسط .. نحن مهتمون في أن نراهم يبنون قدراتهم في مجالات الإصلاح والقضاء والامن الوقائي".

وأضاف: "بعد عام 2015 وبعد احتلال داعش لمناطق واسعة في العراق وسوريا وظهوره علنًا، اخذت الاستراتيجية الأمنية نحو تركيز الوقاية الخارجية وليس الداخلية فقط، وعمدنا الى مواجهة التطرف العنيف خارج البلاد".

نظام شامل&

قال الدكتور نيكولاي سوحوف إن "التطرف العنيف كان موجودًا في روسيا، كحالات فردية، ولكن سرعان ما سعت الى ان تكون ظاهرة ، ولكن عملنا على تقويضها، فالعديد من المؤسسات الروسية اندمجت في برنامج لمكافحة الإرهاب، فيما وصف بجمع الجهود ولم يكن الطريق سهلاً".

وأضاف "بموازاة ذلك كانت ثمة جهود لادماج المسلمين في المجتمع الروسي خاصة المسلمين من خارج روسيا".

واكد أن "استهداف بؤر الإرهاب عسكريًا كان استراتيجية روسية اتبعت قبل ان تنتقل روسيا الى مرحلة ثانية، وهي نظام شامل لمواجهة الإرهاب".

إرهاب فرانكفوني وقيم اوروبا

الحديث عن الإرهاب الفرانكفوني كان حاضرًا في المؤتمر بأوراق&الدكتور خالد الشكراوي، الباحث في معهد الدراسات الافريقية بجامعة محمد الخامس، والباحث سامي إبراهم من مركز الدراسات الاجتماعية في تونس، وكذلك في ورقة الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في فرنسا الدكتور فرانسو برنار هيوجيه، والأخير أشار الى أن فرنسا بدأت تدرك بأن لداعش تأثيرًا كبيراً على الجماهير الناطقة بالفرنسية خاصة بعد الهجوم على شارلي ايبدو ومسرح باتكلان.

في حين أشار رئيس قسم مكافحة الارهاب في مجلس اوروبا كريستان بارثولين الى أن "العديد من مرتكبي الجرائم الإرهابية هم مواطنون في اوروبا، وبغض النظر عن مكانك في العالم فإن الدول بحاجة الى امن الحدود والشرطة وفرض النظام في الشارع، لكن ذلك لا يعني تضييق الحريات بما لا ينسجم ومبادئ وقيم اوروبا، لان ذلك سيعني بالنهاية تحقيق اهداف الإرهاب".

وأضاف أن "مواجهة الإرهاب يجب ان تكون مستهدفة وصارمة".

وفي خلاصة المؤتمر تحدث&الدكتور عمر الرزاز، رئيس المنتدى الاستراتيجي الأردني، عن ظاهرة الإرهاب وكيفية الوقاية منه في العالم العربي وفي اوروبا متحدثًا عن المشترك والاستثنائي في ذلك، وقال "لو اخذنا التطرف والتطرف العنيف، فإننا سنجد أن التطرف موجود في كل العالم وحتى التطرف العنيف هو موجود في اكثر من مكان في العالم تحول فيها التطرف ممن استثناء الى قاعدة"، لافتًا في ذلك الى "البيئة الحاضنة".

وتابع: "ما يعني ان البيئة التي ينشأ فيها التطرف تتحول من كونها رافضة الى بيئة ام قابلة أو حاضنة للتطرف العنيف".

الإرهاب والسعادة

وتحدث عن الدراسات التي حاولت ربط السببية بين التطرف العنيف (الجهادي) وبين أمور أخرى مثل مستوى الدخل والفقر والتعليم وغيرها، وبالمحصلة توصلنا الى انه ليست هناك علاقة سببية بين هذه الأمور والتطرف الجهادي العنيف اطلاقًا، ماضيًا الى القول "الدراسة الوحيدة التي يمكن ان تقدم سببية مقنعة هي ربط التطرف بمستوى السعادة".

وقال: "الانسان السعيد في مجتمعه المنتمي اليه هو الانسان السعيد المقتنع لا يلجأ الى انهاء حياته وحياة الاخرين".

ويلفت الرزاز الى ان "مؤشر السعادة مرتبط بشعور المتطرف العنيف بالانتماء الى المجتمع الذي يوجد فيه، وهذا مرتبط بأمور عديدة منها عدم شعوره بالمشاركة الاقتصادية وعدم شعوره بالمشاركة السياسية والمشاركة الاجتماعية".

وتابع "هؤلاء يمكن ان يكونوا خارجين على المجتمع، وليس فقط خارجين من المجتمع".

وتحدث الرزاز عن خلاصة النقاش بشأن المقاربة بين النموذج الأوروبي في التعاطي مع ظاهرة الإرهاب والنموذج العربي، مشيرًا الى ان في اوروبا محورين اساسيين، هما "الحرب على الإرهاب" و"الادماج القسري واستيعاب الأقليات".

وأوضح ان نقاشات المؤتمر لم تتطرق الى "الإشكالية القيمية التي تواجهها اوروبا"، مشيراً الى "التطرف الأوروبي الداخلي او الناشئ داخليًا أو التعامل مع التطرف الناتج عن الاغتراب داخل المجتمعات الاوروبية".

سجون تخرج الإرهاب&

من جهته، انتقد الباحث في الحركات الإسلامية محمد أبو رمان خلط الارهابيين بمختلف درجاتهم في سجون واحدة في البلدان العربية، في حين يجري تمييزهم في اوروبا من ناحية درجة الإرهاب، وما اذا كان مؤيدًا او مجرمًا، ومحاولة الاستفادة منهم.

ووصف السجون في البلدان العربية بأنها "مدارس لتخريج المتطرفين العنيفين والإرهابيين الأشد قسوة".

كما أشار الى أهمية إعادة تأهيل المتطرفين وضرب مثالاً في ذلك بتجربة (السكينة والمناصحة في السعودية) و(مركز الهداية في الامارات العربية المتحدة) و(رسالة عمان في الأردن).

واكد أهمية وجود حكم رشيد في البلدان العربية كحل امثل لمنع نشوء التطرف العنيف والإرهاب، وعزا ذلك الى ان من الأسباب الرئيسية للارهاب هي الاسباب السياسية، إضافة الى الاجتماعية والثقافية.

وأوضح أن واحدة من أسباب ظهور الإرهاب هي الديكتاتورية في أنظمة عديدة والطائفية، كما حالة العراق وسوريا.

يشار الى أن مؤسسة فريدريش إيبرت الالمانية هي منظمة غير ربحية ملتزمة بقيم الديمقراطية الاجتماعية، وهي من أقدم المؤسسات السياسية في ألمانيا تأسست عام 1925.