لعلاقتي بـ"إيلاف" جانب عاطفي. تعرفت في الكويت إلى وفائي دياب، نائب رئيس تحرير جريدة "الأنباء" آنذاك وصرنا صديقين. وكان يخبرني بشغف عن عثمان العمير الذي يربطه به ودّ قديم، وسعيه إلى إطلاق مشروع رائد في العالم العربي: جريدة إلكترونية دائمة الحركة سيسمّيها "إيلاف". ومن اليوم الأول سنة 2001 واكبنا انطلاقتها. 

تركنا "الأنباء" سنة 2002 بعد أربع سنوات من العمل معاً فيهاً. عدت إلى بيروت وبقي وفائي متنقلاً بين الكويت ولندن حيث كان وفائي استقر عند اندلاع حرب لبنان عام 1975 وعمل في جرائد متعددة منها "الشرق الأوسط" وكان رئيس تحريرها عثمان العمير، وهو أحد مديري التحرير. وعندما تسلم وفائي موقع مدير التحرير في "إيلاف" طلب إلي أن أنضم إلى أسرتها من بيروت، ففعلت. قُيّض لي أن أتعرف من كثب على العاملين فيها وطريقة العمل والمشكلات والقضايا التي يتعاملون معها ونقاط القوة والضعف عند كل كاتب ومراسل ومحرر، فضلاً عن الأطباع والخلفيات . وكانت الأسرة تعقد اجتماعاً يومياً كل ظهر عبر برنامج الـ "أم أس أن" لتوزيع المهمات والتنسيق. الأرجح والطبيعي أنها لا تزال تعقد هذه الإجتماعات. في يوم انطفأ وفائي فجأة وبقي الضوء أخضر قرب اسمه (أونلاين). هكذا فقدت صديقي الأقرب والإستثنائي بمحبته وحكمته واهتمامه، بعد دقائق من محادثة جانبية بيننا، أغرقنا خلالها في الضحك على أن نكمل الحديث لاحقاً. 

أكملت العمل مدة في "إيلاف" بعد وفائي لم أعد أذكر طولها بالتحديد، ربما سنتان. ولكن على تقطع، وكثيراَ ما كنت أشعر أشعر بكآبة كلما دخلت الموقع وبرنامج النشر أو هممت بالكتابة إلى أن خرجت من "إيلاف" متقصداً، وإن بتردد، أن أقطع مع ذكريات قوية ما زالت حتى الساعة تعود إليّ عندما أقرأ فيها أو حتى عندما أتصفحها على عجل. 

ولعلّني لا أبالغ عندما أؤكد أن وراء فكرة "إيلاف" وتحقيقها رجل غير عادي سيذكره تاريخ الصحافة العربية من جيل إلى جيل اسمه عثمان العمير. هذا ليس تبجيلاً ولا مديحاً. لم يعرف العرب كثرة في الرجل الرؤيويين المشدودين إلى المستقبل والعمير أحد هذه القلّة. ومعدودون هم الناس المتحفزون والقادرون على خوض مغامرة تخرج على التقليد والمألوف، سواء في الشكل أو المضمون ، مغامرة لا تدرك بقية الناس أهميتها وريادتها إلا لاحقاً، فتروح تحاول أن تقلدها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. 

ولكن تبقى "إيلاف" الأصل والفكرة الأساس، وقد عرفت أن تحافظ على شعلة رسالة حرية التفكير والتعبير في عالم عربي غارق في النمطية والاستعادة المتكررة في عالم شديد التغيّر والتحديث. أقول الآن إذا كان من آمال في "ربيع عربي فكري وثقافي حقيقي" انزرعت في الأذهان والقلوب فلا شك أن "إيلاف" كانت الإشارة الأولى والعلامة الأولى إليها قبل 15 عاماً. ولا بد أن يأتي يوم مهما كان الإنتظار طويلاً والمشقات كبيرة، يقترب فيه العرب من صورة لواقعهم أقرب إلى تطلعاتهم لبلدان ودول وشعوب تنعم بحرية الفكر والقول والفعل على غرار بقية الأمم. صورة كانت "إيلاف" أول راسميها، الدالّين عليها، المحرّضين على السير إليها.

لذلك، باسم الأجيال الآتية: شكراً عثمان العمير، شكراً يا أسرة هذه الجريدة المباركة، يا حاملي الرسالة، وجميع "الإيلافيين".