أدت التقارير، التي أفادت بأن عمر متين منفذ هجوم أورلاندو كان زبونا معتادا للملهى الليلي للمثليين واستخدم تطبيقات إلكترونية للتعارف بين المثليين، إلى تخمينات بأن ما دفعه لارتكاب الهجوم هو الكراهية الكامنة للمثلية الجنسية.

لكن ما هي الكراهية الكامنة للمثلية الجنسية، وهل لها أي دور في أسوأ حادث إطلاق نار في التاريخ الحديث للولايات المتحدة؟

لا يزال المحققون يبحثون في الأسباب، التي دفعت حارس الأمن البالغ من العمر 29 عاما من ولاية فلوريدا لاغتيال 49 شخصا وإصابة عشرات آخرين، كانوا يحتفلون في ملهى "بالس" الليلي للمثليين.

ويدرس المحققون مؤشرات قد تدل على أن متين قد ارتكب الهجوم مدفوعا بالتطرف الإسلامي، وذلك عقب الكشف عن أنه أعلن ولاءه لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وأن مكتب المباحث الفيدرالي قد استجوبه مرتين للاشتباه بارتباطه بالإرهاب.

لكن والد متين أشار إلى أن ابنه كان يضمر وجهات نظر عنيفة ضد المثليين، وعزز هذا اعتقاد كثيرين بأن الهجوم كان مدفوعا بالكراهية العنيفة للمثلية الجنسية.

لكن كلما ظهر المزيد من المعلومات عن مرتكب الهجوم، تعقدت الصورة، إذ قال شهود عيان إن متين زار الملهى الليلي كضيف عدة مرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وتفاعل مع رجال عبر تطبيقات إلكترونية للتعارف بين المثليين.

وقالت زوجته السابقة "سيتورا يوسفي" لشبكة سي إن إن الإخبارية إنه من الممكن أن يكون لديه مشاعر دفينة بأنه مثلي الجنس.

وأدى هذا إلى أن يتساءل خبراء إن كان متين قد دُفع، جزئيا على الأقل، لارتكاب الهجوم بسبب كراهية للذات نتجت عن ميوله الجنسية.

فهل يمكن أن يكون المسلح قد دُفع لكراهية وإيذاء الآخرين لأنه كره ذاته؟

قال جيم فان هورن، أحد مرتادي الملهى الليلي، إن عمر متين كان مثليا وسعى لإقامة علاقة مع رجال.

وتقول جينيفيف ويبر، المتخصصة في مساعدة الأشخاص المتأثرين بالكراهية الكامنة للمثلية الجنسية: "على الرغم من أنه غير شائع، لكنه وارد أن يستخدم أشخاص العنف ضد أشخاص آخرين مثليين أومتحولين جنسيا أو ثنائيّ الجنس، وذلك كجزء من المبالغة في تصحيح أو نفي شيء يعانونه هم أنفسهم".

وتضيف ويبر، التي تُدرِّس الآن في جامعة هوفسترا بنيويورك: "ربما يكون هذا جزءا من المفهوم، إذا استطعت أن أجعل نفسي مختلفا بالقدر الكافي، فلن يمكنني أن أكون مثليا".

وتتنوع تعريفات الكراهية الكامنة للمثلية الجنسية، لكنها في الأساس تعني أن الأشخاص المثليين حينما يصطدمون بالمعتقدات المجتمعية السلبية نحوهم، فإنهم يستوعبون هذه المعتقدات ويقبلونها على أنها صحيحة.

ويقول باحثون إن هذا الأمر يحدث بشكل لا إرادي، وبينما قد يكون عمر متين مثالا متطرفا للغاية، فإنها فكرة تؤثر على كثير من المثليين في وقت ما من حياتهم.

ويقول إيلان ماير، المتخصص في السياسات العامة وقانون التوجهات الجنسية في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس: "لسوء الحظ أنه مفهوم بسيط حقا".

ويضيف: "كل أفراد المجتمع يتعلمون التقاليد. نحن ُنلقّن الأحكام المسبقة والسمعة السيئة اللصيقة بفئات بعينها، وذلك منذ عمر مبكر جدا".

وأردف: "ولذلك فإنه حينما يبدأ الشخص في اكتشاف أنه مثلي، فتكون لديه بالفعل هذه المشاعر السلبية".

ويقول خبراء إن الرسائل السلبية حول المثلية الجنسية يمكن أن تأتي من أماكن عدة، من بينها العائلة والمدرسة ووسائل الإعلام.

ويمكن انتقال عدم التسامح هذا خفية، ربما عبر الشتائم وتعبيرات الازدراء، أو علانية عبر التعاليم المناهضة للمثلية الجنسية في الأديان التي لا تقبل بحقوق المثليين.

ويقول سهيل أحمد، وهو شاب مسلم من لندن، إن صراعه مع ميوله الجنسية أدى إلى أن أصبح متطرفا في آرائه الدينية، إلى المدى الذي جعله يفكر في شن هجوم إرهابي.

وقال أحمد لبي بي سي إنه أخفى ميوله الجنسية عن كل من يعرفونه، وبدأ في الاعتقاد بأنه "ملعون".

قالت زوجة متين السابقة إنه كان يستمتع بارتياد الملاهي الليلية، لكنه لم يحب أن يعرف أي أحد عنه ذلك.

وأضاف: "لقد بدأت أفكر في أنني ربما أكون مثليا كعقاب من الله على شيء ما فعلته. لقد كان إحساسا مرعبا، إذ تصحو كل يوم على صوت يناديك من الخلف ليقول لك أنت مثير للاشمئزاز، أنت ملعون".

وأردف: "لقد كانت حلقة لا تنتهي. لقد زادت من كراهيتي لنفسي ولغيري من المثليين. لقد كان ذلك مدمرا للغاية".

وتخلى أحمد لاحقا عن معتقداته المتطرفة، وهو يساعد الناس الآن على الابتعاد عن التشدد، وأصبح مثليا ويتبع ما يعتبره "نهجا إسلاميا تقدميا" يقبل بحقوق المثليين.

لكن خبراء يحذرون من أن الكراهية الكامنة للمثلية الجنسية يمكن أيضا أن يكون لها انعكاس سلبي، على الصحة العقلية للشخص.

ويمكن أن تسبب الاكتئاب والقلق، وتجعل الأشخاص يشعرون بعدم القدرة على إقامة علاقات حميمة، وتضطرهم لاتخاذ قرارات غير آمنة.

ويقول ماير: "الكراهية الكامنة للمثلية الجنسية لا تمثل في حد ذاتها مشكلة في الصحة العقلية، وإنما يمكن أن تسبب تلك المشكلة".

وتقول جنيفيف ويبر إن الأشخاص المصابين بهذه الحالة بحاجة إلى أن يفهموا، أنها حالة يمكن التغلب عليها.

أسفر هجوم أورلاندو عن مقتل 49 شخصا وإصابة عشرات آخرين.

وتضيف: "بالمساعدة الصحيحة من مستشار أو شخص خبير يمكن لهؤلاء الأشخاص الوصول إلى مرحلة يحبون فيها أنفسهم، ويدركون أن هناك مجتمعا كاملا سيدعمهم".

ويقول كل من ماير وويبر إن تثقيف المجتمع ككل أمر ضروري، لتمكين الأشخاص من تجنب الإصابة بالكراهية الكامنة للمثلية الجنسية وآثارها الضارة المحتملة.

ولم يعرف بعد على وجه اليقين إن كان عمر متين قد عانى من الكراهية الكامنة للمثلية الجنسية، وإن كان قد سعى لطلب المساعدة للتغلب عليها.

ويقول ماير إنه لا توجد دراسات كافية، تثبت أن هناك ارتباطا مباشرا بين الكراهية الكامنة للمثلية الجنسية والسلوك العنيف.

ويضيف: "لكني أعلم أن متين لم يكن أول شخص يبدي كراهية كامنة ومعلنة للمثلية".

وأشار ماير إلى أن الأمثلة الأخرى تتضمن حالات لسياسيين محافظين ومناهضين للمثلية، "كشفت" وسائل الإعلام عن أنهم مثليون.

لكن بالنسبة لعمر متين منفذ هجوم أورلاندو، فإن هذا يظل سؤالا، من بين أسئلة كثيرة لم تتم الإجابة عليها بعد.