لثلاثة أعوام، بقي آلاف اليونانيين في معسكرات للاجئين في أنحاء الشرق الأوسط

أثار تدفق الملايين من اللاجئين والمهاجرين إلى الجزر اليونانية خلال العام الماضي ذكريات مريرة لدى مجموعة قليلة ممن سلكوا نفس المسار إبّان الحرب العالمية الثانية، لكن في الاتجاه الآخر.

فعندما احتل الجنود الألمان والإيطاليون اليونان، فرّ الآلف عن طريق البحر إلى معسكرات اللاجئين في الشرق الأوسط.

وبعدما وضعت الحرب أوزارها بدأوا في العودة إلى منازلهم، وتمكنت غالبيتهم من العودة بأمان، لكن الرحلة كانت بالنسبة لآخرين أشبه بالمأساة.

"فحدث كهذا أمر يصعب نسيانه"، كما تقول إيليني كارافيلتسي. وتتابع "وسيتركك بجراح لا تندمل ومرارة تدوم إلى الأبد".

السفينة "إس إس إمباير باترول" تشتعل وهي تحمل 500 يوناني قادمين من بورسعيد

وكانت إيليني كارافيلتسي تبلغ 12 شهرا عندما فرت أسرتها عام 1942 من احتلال النازيين لجزيرة كاستيلوريزو اليونانية، الواقعة على بعد كيلومترين (1.5 ميل) من الساحل التركي.

وفي بداية الرحلة، أبحرت الأسرة إلى قبرص ومنها إلى معسكر لاجئين في قطاع غزة يطلق عليه النصيرات، ومكثوا هناك حتى انتهاء الحرب.

وفي سبتمبر/ أيلول 1945، غادرت الباخرة البريطانية "إس إس إمباير باترول" مدينة بورسعيد المصرية، حاملة أسرة إيليني و500 لاجئ يوناني آخرين.

وبعد مرور ساعات، اندلعت النيران على متنها، ولقي 33 يونانيا حتفهم، من بينهم 14 طفلا.

ومن داخل حديقتها في كاستيلوريزو، تستطيع إيليني رؤية سفن وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي وهي تبحث عن مهاجرين جدد والاستغراق في ذكريات ما حدث عام 1945.

وتقول كارافيلتسي: "أخبرني والداي بأنني كنت موثوقة في حبل وأنزلت إلى قارب صغير. ولكن، بينما ينزلاني رأى والدي أن القارب ممتلئ، وأمرني بالعودة، وبمجرد أن صعدت، قفزت امرأة في القارب الصغير، فغمرت المياه القارب وغرق جميع الأطفال."

وكان من بين الضحايا ثلاثة من أبناء عمومة إيليني الذين حفرت أسماؤهم على نصب تذكاري في مكان قريب من منزلها

سكان كاستيلوريزو يتجمعون في سبتمبر/ أيلول من كل عام لتخليد ذكرى ضحايا القارب

وإلى الشرق من النصب التذكاري، تقطن الناجية الوحيدة الأخرى في كاستيلوريزو، ماريا كروني.

وتقول ماريا المولودة في 1937 "وجدت نفسي في عرض البحر أمسك بلوحي خشبي.

وتضيف: "كيف حدث ذلك؟ لا أتذكر. لا أعرف سوى أنني بقيت على هذا الحال 10 ساعات، ومن ثمّ جاء والدي وانتشلني ورفعني إلى القارب الذي أتت عليه النيران."

من حلب إلى مصر

وفرّت مجموعة أخرى من اللاجئين اليونانيين إلى سوريا هربا من الاحتلال النازي، الذين كانوا في الأساس من جزيرة خيوس الواقعة على مسافة بضعة كيلومترات من الساحل التركي.

وأخذت ماريانثي أندريدي تتذكر ما حدث "كان الألمان هنا، وكنا جوعى. كان عمري حينها ثلاثة أعوام".

"ولهذا، توجهنا إلى تركيا بطريق غير شرعي، ومن هناك استقلينا القطار إلى مخيم النيروب في حلب (سوريا)"، بحسب ماريانثي.

وتستدعي ماريانثي حقائق واجهتها في رحلتها، وتقول: "كنت محاطة ببعض السيدات كبيرات السن. وكانت هذه هي اللحظة التي بقت معي عندما كنت هناك على الحدود التركية حينما صرخ الجندي قائلا: تعالوا هنا".

"ركضنا بسرعة، وسقطت على الأرض، وفي النهاية تركنا الجندي نذهب. لكنني لن أنسى هذا أبدا".

ماريانثي أندريدي قضت بضعة أسابيع في معسكر النيرب الذي كانت تديره بريطانيا في حلب بسوريا

ويقول لاكوفوس ميخائيليدس، أستاذ التاريخ في جامعة أرسطو بمدينة سالونيك اليونانية، إن السجلات اليونانية تكشف عن أن مخيم النيرب لم يكن أكثر من مركز تجمع.

ويوضح أن "اللاجئين أحضروا إلى هنا لبعض الوقت قبل أن يرسلوا إلى أماكن أخرى عديدة من الشرق الأوسط وحتى أفريقيا".

وسافر يوانيس ستيكاس في بادئ الأمر إلى الشرق الأوسط ومنه إلى أفريقيا.

ويشير ستيكاس كيف باع والده ممتلكاتهم كي يرسله وأخاه إلى الخارج مع والدتهما، كريستيانثي.

ويقول إن والده "كان يخطط للالتحاق بنا مع شقيقتنا ذات العشرة أعوام. لكن الألمان بعد ذلك بفترة وجيزة حظروا الهجرة من تركيا".

وفي مذكراتها التي كتبها يوانيس، تقول والدته إنهم توجهوا إلى مدينة جشمة التركية ومكثوا هناك شهرا، ثم توجهوا إلى مدينة إزمير قبل السفر في رحلة بالقطار استغرقت ثلاثة أيام إلى حلب.

مخيمات

وواصل يوانيس البالغ حينها ستة أعوام مع أمه في رحلتهما الطويلة عبر مصر إلى دار السلام على سواحل تنزانيا قبل مواصلة الرحلة برا إلى إليزابيث فيل، وتسمى الآن لوبومباشي في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وتواصل مذكرات يوانيس أنه "بعد 40 يوما غادرنا حلب بالقطار وخلال يومين وصلنا إلى قناة السويس في مصر".

ويضيف: "بقينا هناك لفترة من الوقت في خيام."

"وبعد مصر، استقللنا سفينة شحن وعبرنا البحر المتوسط إلى عدن، التي كانت مستعمرة بريطانية. مكثنا يومين داخل السفينة لأنهم كان يحضرون إمدادات الطعام لبقية الرحلة"، بحسب المذكرات.

خارطة

وتذكر أنه "عند مغادرة عدن، كانت هناك بالونات الهواء الساخن لمنع الأعداء من قصف المدنيين. ولم يعلم أحد حينها أين ستأخذنا، وبعد رحلة استغرقت عشرة أيام وصلنا إلى دار السلام".

الماضي والحاضر

وبينما يشعر اللاجئون العائدون بودود ما يربطهم مع الموجة الجديدة من المهاجرين النازحين من ديارهم، يعيق تقدم السن لقاءهم بهم.

لكنهم يسمعون قصصا جديدة من التلفزيون اليوناني، كما تعتقد ماريانثي أندريدي بأنه على الرغم من أن بلادها تعاني أزمات مالية فإنها "تبذل ما يمكنها من جهود".

ومن الشرفات، يشاهد النازحون السابقون لاجئي سوريا أثناء إجلائهم من قوارب الصيد المكتظة.

"فالأمر بمثابة مرآة للماضي" كما تقول ماريا كروني، وتضيف أن "الأصعب هو أن تضطر إلى مشاهدة وصول الأطفال".

وتقول إيليني إن اللاجئين اليونانيين تمكنوا من العودة إلى بلادهم وعادت الحياة إلى طبيعتها، لكنها ليست متأكدة إذا كان اللاجئون الجدد سيتمكنون من العودة إلى ديارهم يوما.