"هو مسلم لكنّه مثقّف... مسلم لكنّه منفتح...مسلم لكنه ليس كالمسلمين الآخرين". هذه الـ"لكن" بعد كلّ ذكر للإسلام والمسلمين في دول الغرب تنذر بخلل في الصورة التي يرسمها الغربيون في أذهانهم عن المسلمين. وهذه التعابير بات عاديًا أن يسمعها كلّ شخص يعيش في أوروبا ، وكأن الإسلام بحاجة دائمًا إلى تبرير أو استثتاء كي لا ينتج هلعًا.

منذ أحداث ١١ أيلول / سبتمبر في الولايات المتحدة بدأ هذا الخلل، أو بالأحرى بدأ "يظهر" باعتبار أن موضوع نظرة الغرب إلى الإسلام لطالما كان مستترًا وظهر أخيراًإلى العلن. ولا شكّ في أن الأحداث التي يشهدها العالم زادت الطينة بلّة، فصار الكلام على "الإسلاموفوبيا" على كلّ لسان، واستغلّ الموضوع سياسيون مثل المرشّح إلى الرئاسة الأميركية دونالد ترامب وزعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبين وقادة لليمين المتطرف في كل أوروبا.

الأحداث الأخيرة من هجوم ١٣ نوفمبر/ تشرين الثاني في باريس، إلى اعتداءات بروكسل والقتل الجماعي في أورلاندو وحتى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كلّها تبدو مرتبطة بطريقة أو بأخرى، من قريب أو من بعيد، بما يسّمى بالإسلاموفوبيا.

لا بلّ أكثر من ذلك، باتت عبارة "الله وأكبر" قادرة على نشر ذعرٍ غير اعتيادي في عدد كبير من البلدان، وصارت قراءة كتاب باللغة العربية في القطار أو الباص تجعلك عُرضةً لنظرات خوف واستغراب من كل مكان.

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس الجنوب، والباحث في الجيوبوليتيك الدكتور خطار أبو دياب لا يستغرب كلّ ما يحصل. يسلسل أفكاره لـ"إيلاف" ويختار كلماته بتروٍّ. "بالفعل هناك خوف في عربات قطار الأنفاق، وحتى التكلم باللغة العربية صار يشيع نوعًا من الإضطراب العقلي عند فئة من الفرنسيين، وتختلط الأمور في ذهن فئة أخرى باتت تنظر إلى كلّ شيء كأنه طابور خامس". يربط حوادث الأسابيع الأخيرة كمقتل الشرطي الفرنسي ورفيقته على يد شخص أعلن ولاءه لتنظيم "داعش" بكلّ ما نراه. يتوقّف لحظة ويقول: "ملاحقة رجل شرطة إلى منزله ظاهرةٌ لم نشهد لها مثيلًا منذ الحرب الأهلية في إسبانيا".

في كتاب "الهويات القاتلة" يربط أمين معلوف هذه المسألة بالاندماج وحواجزه: "كلّما شعر المهاجر بأن ثقافته الأصلية محترمة، انفتح أكثر على ثقافة البلد المضيف". بالنسبة إلى أبو دياب ثمّة ما هو أخطر من عدم الإندماج، هو قدرة السيطرة على عقول شبّان وُلدوا وكبروا في بلدان الغرب وإقناعهم بـ"جهاد الزور" على حدّ تعبيره. يتابع: "المشكلة الأساسية هي جهل الإسلام، جيل ضائع يحاول فهم الإسلام من وسائل التواصل الاجتماعي وهذه هي النتيجة. بعض الإحصاءات تكشف أن أقلّ من ١٥٪ من الشباب المسلين يدركون حقيقة الإسلام".

يلقي الدكتور أبو دياب اللوم بعض الشيء على الدولة الفرنسية العلمانية "زيادة عن اللزوم"، فهي بسبب فصل الدين عن الدولة تعاملت مع المسلمين كأنهم جاليّات، لكن الصورة انقلبت وصار كثيرون منهم يحملون جنسيات. "هي من دون شكّ مسألة اندماج أيضًا"، يقول، "والمسلمون لم يساهموا في هذا الشأن".

يربط أبو دياب ما نراه من تطوّرات على مستوى القارة الأوروبية والعالم بخلل مصدره أحوال معيشية صعبة وحروب وفشل بعض الحكومات والعولمة غير الإنسانية وثورة تكنولوجيا تشوّه الحقائق. في الحديث عن فرنسا يؤكد أبو دياب أنها بسبب موقعها الجغرافي والتاريخي، على علاقة مباشرة بالشأن الإسلامي وتتأثر بما يحدث في الضفة الأخرى من المتوسّط.

"إنها مسائل لا تحلّ بسرعة"، يقول بحزم ويتابع :"الطبقة السياسية غير مؤهلة وهي تعمل في شكل غير علمي، فالمناطق الخارجة عن القانون في فرنسا لطالما كانت موجودة، حتى قبل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية".

لكن الأمل يبقى موجودًا: "الديموقراطيات قوية، والوسائل موجودة دائمًا، نحتاج إلى طولة بال ومجهود دولي جدّي بعيدًا عن الأسلوب العسكري الذي لم ينجح".

يكرّر دكتور خطّار: " المطلوب نَفَس طويل وعمل متعدّد الأبعاد. والأهمّ أن تعمل النخب المسلمة على إصلاح داخلي في الإسلام."