بروكسل: حضّ القادة الأوروبيون الثلاثاء بريطانيا على الشروع بأسرع وقت ممكن في آلية الطلاق مع الاتحاد الأوروبي، خوفًا من البلبلة التي تلف الوضع الحالي، محذرين بأن لندن لن تحظى بأي امتيازات.

وبعد خمسة ايام على الاستفتاء الذي اختار فيه البريطانيون الخروج من الكتلة الأوروبية، دعا رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الى آلية "بناءة قدر الامكان"، مشددًا على انه لن يتولى بنفسه البدء بها.

ولفت لدى حضوره الى قمة أوروبية منعقدة في بروكسل وسط اجواء من التوتر، الى وجوب أن تكون العلاقة بين لندن والاتحاد الأوروبي "وثيقة الى اقصى حد ممكن"، بعد تكريس الانفصال، مؤكدًا أن الدول الأوروبية الـ27 الاخرى ستبقى "جيراننا واصدقاءنا وحلفاءنا وشركاءنا".

في الجانب الاخر من الاطلسي، دعا الرئيس الاميركي باراك اوباما الى الهدوء، مشيراً الى "هستيريا" تلت قرار الانسحاب، "كما لو ان الحلف الاطلسي زال (...) أو تم حله وبات كل بلد يقبع في زاويته. ليس هذا ما يحصل".

من جهته، اعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك أن الاتحاد الأوروبي "مستعد لبدء آلية الطلاق اعتبارًا من اليوم"، وعرض عقد قمة جديدة للدول الاعضاء الـ27 في سبتمبر حول مستقبل الاتحاد الأوروبي من دون بريطانيا، ستجري على الارجح في براتيسلافا التي ستتولى الجمعة الرئاسة الدورية للاتحاد.

احتجاز أوروبا "رهينة"

واكدت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل أن "الاتحاد الأوروبي قوي بما يكفي لتجاوز انسحاب بريطانيا والاستمرار في المضي قدمًا حتى بعضوية 27 دولة".

وحذرت ميركل الحكومة البريطانية بأنه لن يكون بوسعها تحديد علاقاتها المقبلة مع الاتحاد الأوروبي على قاعدة "الانتقاء"، مؤكدة ان "من يخرج من العائلة لا يمكنه توقع زوال كل واجباته والاحتفاظ بكل امتيازاته".

وفي تصريحها هذا اصداء لكلام ادلى به رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر قبل الاستفتاء في بريطانيا، حين وجه تحذيرًا صارماً الى لندن مؤكداً أن "الفارين لن يستقبلوا بالترحاب".

وقبل الخوض في هذا النقاش حول العلاقات المقبلة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، سيتحتم على كاميرون اعطاء "توضيحات" لشركائه حول فشله المخزي في الاستفتاء الذي دعا اليه بنفسه، خلال العشاء الذي يقام الثلاثاء في بروكسل.

وعلى الرغم من الضغوط، افاد مصدر في الحكومة البريطانية أن الزعيم المحافظ سيؤكد مجددًا في بروكسل أن الشروع في آلية الخروج يعود لخلفه الذي سيعلن عنه الحزب بحلول 9 سبتمبر.

غير أن رئيس البرلمان الأوروبي جان كلود يونكر اعلن أن على بريطانيا "توضيح موقفها بأسرع ما يمكن"، لانه "من دون ابلاغ، لا مفاوضات"، ملخصًا بذلك موقف جميع القادة الأوروبيين.

وصدر الكلام الاكثر قسوة عن رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، اذ قال لكاميرون إن "انتظار هذا الابلاغ عدة اشهر (...) والامساك بمصير قارة برمتها رهينة لاسباب تتعلق بالسياسة الداخلية البحتة لحزب سيكون امرًا غير مقبول".

استخلاص العبر

والأوروبيون مصممون في هذه الاثناء على "استخلاص العبر" من خروج بريطانيا لتفادي انتشار العدوى في قارة اضعفتها سلسلة من الازمات، ولا سيما ازمة الهجرة، وتشهد صعودًا لليمين المتطرف والحركات الشعبوية.

ودعت المانيا وفرنسا وايطاليا، الدول الثلاث التي تعتبر من دعائم الاتحاد ومؤسسيه، وهي القوى الاقتصادية الثلاث الكبرى في منطقة اليورو، الى اعطاء "دفع جديد" للمشروع الأوروبي الذي لا تزال ملامحه غامضة.&

وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند "إن انظار الجميع متجهة الى أوروبا. على أوروبا أن تتحمل مسؤولياتها، وهي قوية بما يكفي حتى تتصرف". وذكر في طليعة المواضيع التي ينبغي العمل عليها "الامن ومكافحة الارهاب والنمو والوظائف، مع توفير دعم للاستثمار وتقديم الدعم للشباب".

لكن في حين ينتظر صدور مبادرة فرنسية المانية، يبدو ان باريس وبرلين لم تتوصلا بعد الى تفاهم في ما يتعلق بتحديد تفاصيل مشروع مشترك.

وحذر يونكر بأن الدول المؤسسة للاتحاد "ليست الوحيدة التي تضع المشروع"، ملمحًا بذلك الى وجوب عدم تجاهل دول أوروبا الشرقية التي تبدي استياء لعدم اشراكها بصورة كافية. وسيتم بحث هذه المسائل المتعلقة بمصير الدول الـ27 صباح الاربعاء في بروكسل من دون مشاركة كاميرون.

وقالت ميركل إن "الهدف ينبغي ان يكون التوصل الى نتيجة مشتركة في موعد اقصاه الذكرى الستون لمعاهدة روما في مارس من العام المقبل"، في اشارة الى النص المؤسس للبناء الأوروبي.

لكن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي اعتبر متحدثًا الى القادة الأوروبيين أن صدمة خروج بريطانيا لن يكون لها سوى تأثير محدود على منطقة اليورو، مقدرًا كلفته ما بين 0,3 و0,5% من النمو على مدى ثلاث سنوات، بحسب ما نقل مصدر أوروبي.

اسكتلندا مصممة على البقاء

وقال النائب الأوروبي البريطاني نايجل فاراج المعادي لأوروبا متحدثًا امام زملائه، إن "بريطانيا لن تكون آخر الدول الاعضاء التي ستخرج من الاتحاد الأوروبي".

لكن في بريطانيا، لا يزال الذين صوتوا مع البقاء في الاتحاد الأوروبي يجدون صعوبة في تقبل قرار الخروج. ويشهد البلد بلبلة سياسية تزداد حدة مع تصاعد مخاطر انفصال اسكتلندا، التي ايّدت البقاء بنسبة 62%.

واعربت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجن عن "تصميمها التام" على الدفاع عن موقع منطقتها في كتلة الدول الـ28، على الرغم من خروج بريطانيا منها، وهي تعتزم الحضور الاربعاء الى بروكسل للدفاع عن قضيتها.

وفي لندن، باتت المعارضة العمالية على شفير التفكك ورفض زعيمها جيريمي كوربن الثلاثاء الاستقالة، على الرغم من تصويت النواب العماليين على مذكرة بحجب الثقة عنه، لاتهامه بالضعف في الدفاع عن بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

واكد وزير المالية المحافظ جورج اوزبورن انه لا بد من تشديد سياسة التقشف للتصدي للتبعات الاقتصادية لخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي.