بات الاتحاد الأوروبي برمته في مهب الريح، فخروج بريطانيا أضاف تعقيدًا جديدًا إلى سلسلة كبيرة من الأزمات والمعضلات المستفحلة، وفيما تبدو الحلول شبه معدومة أمام انهيار كامل ووشيك، تحضر ضرورة الشروع في بناء اتحاد جديد وفق أسس مختلفة.&

باريس: أكد ارنو مونتبورغ، وزير الاقتصاد الفرنسي السابق في حكومة جان مارك إيرولت، أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي شكّل صدمة بالنسبة إلى أوروبا رغم أنه كان متوقعًا، فمنذ 20 سنة حتى اليوم، أظهر الشعب رفضه بناء الاتحاد الأوروبي بالطريقة المفروضة عليه، ومع ذلك تمّ بناؤه ضد إرادة الشعوب حول مشروع ليبرالي يُترجَم بتقليص العجز العام والديون. وتم اتّباع سياسات تقشف متطرفة ومتسلطة، ما مدّد فترة الأزمة في منطقة اليورو، وأظهر أنّ الخيارات المتخذة كانت إيديولوجية لا اقتصادية، على حد وصفه.

واعتبر مونتبورغ أن أي التفاف محتمل في الاستفتاء البريطاني يُعتبر إهانة للديمقراطية، وخطأً سياسيًا فادحًا قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، ليس أقلها تدمير ما تبقى من المثالية الأوروبية. كما عبّر عن لومه للاتحاد الأوروبي كونه ابتعد عن الديمقراطية، "فهو يمنح الشعب حق التصويت ثم يدوس على رأيه عندما تكون النتيجة غير مناسبة"، واصفًا الاتحاد بالمشروع الليبرالي المتطرّف في منطقة اليورو، وبمصفاة للعولمة على الصعيد التجاري.

وحش بيروقراطي

أما على صعيد الميزانية، فصنّف مونتبورغ الاتحاد بـ"جزيرة للمجانين"، وأضاف: "بينما خرج العالم من الأزمات باتخاذ قرارات مستوحاة من الكينزية، استمرّت منطقة اليورو في اعتماد سياسة انكماش شبيهة بتلك التي كانت في الثلاثينيات"، منتقدًا إهمال الاتحاد كافة النواحي التي تستدعي تواجده الثمين، مثل الصناعة والبحث والاستثمارات المستقبلية، ليتدخل من دون جدوى في حياة الأمم ومحتوى زبدة الكاكاو في الشوكولا أو تجارة جبن الماعز، مستنتجًا أنّ "الاتحاد الأوروبي قد تحوّل إلى وحش بيروقراطي".

وعند سؤاله ما إذا كان يلوم فرانسوا هولاند على عدم التفاوض بشأن السياسة الأوروبية في بداية ولايته الرئاسية، ذكّر مونتبورغ أنّ فرنسا نكست بوعد إعادة توجيه سياسة أوروبا، وهو وعد عبّر عنه تصويت الفرنسيين سلبًا في الاستفتاء حول المعاهدة الدستورية للاتحاد الأوروبي عام 2005، ما أدّى إلى تحقيق الليبراليين الاستبداديين انتصارًا ساحقًا. وكذلك رغم تصويت الفرنسيين في العام 2012 لمصلحة برنامج اليسار الفرنسي، فقد حصلوا على سياسة اليمين الألماني، ومن دون توازن قوى مع بروكسل، وتمحورت ولاية الخمس سنوات حول التقشف المالي وازدياد البطالة بشكل ملحوظ، مع النتيجة المحصودة &نفسها&خلال حكم نيكولا ساركوزي: "مليون شخص إضافي عاطل عن العمل في كلّ مرة".&

أما في ما يتعلّق بالهجرة ومراقبة الحدود وإعادة النظر في الشنغن، وجد مونتبورغ أنّه من الطبيعي أن يرغب أي بلد في مراقبة حدوده، وأنّ ذلك يصبح حاجة ملحّة عندما يكون الاتحاد الأوروبي غير قادر على تأمين مراقبة لضبط الحدود المشتركة، وأضاف: "اعتبر السماح للدول الأعضاء بالقيام بما عجز الاتحاد عن فعله، أمرًا مبررًا". &
&


تدابير ضرورية

واقترح مونتبورغ حلًا لخروج أوروبا من المأزق الذي تواجهه، يقضي بإنشاء تحالف لبناء أوروبا جديدة وفق معاهدات جديدة، وقال إنّ "الاتحاد الأوروبي شبيه بشركة على شفير الإفلاس ينبغي إعادة تشكيلها، وإلا فسيكون مصيرها الهلاك"، وأضاف: "لكن لإعادة هيكلتها، ينبغي اتخاذ تدابير قاسية".

واعتبر أنّه ينبغي إعادة تحديد المشروع الأوروبي بدلاً من إجراء استفتاء في فرنسا لإخراجها من الاتحاد الأوروبي. وأضاف أنّه يمكن لفرنسا إعادة بناء تحالف جديد مع كل من يرغب في ذلك. لكنّه لفت إلى أنّ "التعاون الفرنسي الألماني أصبح خيالاً، وأنّ السيدة ميركل فسّرت الوضع الراهن بأنه يخدم مصالح ألمانيا".

كما وسلّط الضوء على تدابير ضرورية لحلّ المشكلة، مثل تحويل اللجنة من مؤسسة مستقلّة غير منتخبة وكليّة القدرة إلى أمانة سر تابعة للمجلس الأوروبي وتقليص صلاحياتها وجعلها أداة إدارة داخلية بدلاً من إصدارها المتواصل لقواعد لا تهدف إلا لتعزيز المنافسة المفرطة، وقال: "منذ وثيقة مشروع القانون الموحد في العام 1986 تم إعطاء 300 أمر توجيهي لإزالة القيود المفروضة على الأسواق. ووُضعت الخدمات العامة في خطر وخضعت الأسواق العامة لقواعد ليبرالية مفرطة و تكاثرت السلطات المستقلّة."

وأضاف أنّه ينبغي تقاسم السيادة في بعض المجالات وإعادة توزيع صلاحيات الدول الأعضاء، وتابع: "إذا كان لا بدّ من بقاء الاتحاد الجمركي والصيد، فمن الممكن منح المصارف المركزية الوطنية قسماً من السياسة النقدية، مثل ضخ السيولة النقدية التي تستفيد منها المؤسسات العامة في بعض الظروف"، لافتًا إلى أهمية أن تسهّل السياسة التجارية أي تعاون مع البلدان الراغبة في ذلك.

كذلك طرح مونتبورغ علامات استفهام حول غياب سياسة مكافحة الإغراق السلعي عن أوروبا وخضوع البلدان المنتجة للفولاذ لتصويت ليتوانيا أو مالطا، وهما بلدان غير منتجين للفولاذ.&

لا تغيير!

ومن جملة الحلول التي اقترحها، ضرورة وضع حد للتقشف كونه يدمّر المثالية الأوروبية، وشدّد على أهمية حصول الدول الأوروبية على سياسة مالية مختلفة بما أنّها تملك اليوم سياسات موازنة خاصّة بها، وعبّر عن تعلّقه باليورو، "فهو مصلحة مشتركة لكنّ إدارته تستدعي ليونة أكبر"، وأعطى مثلاً عن وضع اليونان قائلاً: "عندما تكون اليونان شبه عاجزة عن الدفع ينبغي أن يتمكّن مصرفها المركزي بالاتفاق مع البنك المركزي الأوروبي من إصدار المليارات لإنقاذ البلد، تمامًا كما فعل الرئيس أوباما في الولايات المتحدة."

واقترح أيضاً تكييف سياسة توزيع الائتمان وطنياً، "لأنّ كل اقتصاد له وضع مختلف"، ودعا إلى الحفاظ على اليورو، ولكن ليس ضد إرادة الشعب والأمم، لافتاً إلى أنّ تغيير ولاية البنك المركزي الأوروبي يشجّع على النمو.

وفي الختام، لم يتوقّع مونتبورغ أي قفزة نوعية في الأسابيع المقبلة، وقال: "سترغب النخب الأوروبية كالعادة في عدم إجراء أي تغيير، ولا أرى حالياً من المنعطف الذي يجب أن يسلكه الاتحاد الأوروبي سوى خطّ مستقيم".

أعدت إيلاف المادة عن صحيفة "لوموند" الفرنسية عبر هذا الرابط:&

http://www.lemonde.fr/politique/article/2016/06/28/arnaud-montebourg-l-austerite-detruit-l-ideal-europeen_4959541_823448.html