لندن: يرى خبراء ان مشاركة بريطانيا المثيرة للجدل في الحرب في العراق في 2003 اثارت شعورا عميقا بالتوجس من عمليات التدخل العسكري ما زال يؤثر اليوم على السياسة الخارجية للبريطانيين.

هذه الحرب التي افضت الى مقتل مئات الآلاف من العراقيين، تركت ندوبا عميقة على ضفتي المحيط الاطلسي. وقال مالكولم تشالمرز من مركز "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" (آر يو اس آي) ان هذه الحرب "اعادت تعريف السياسة الامنية البريطانية".

واضاف "يمكن ان تنسب تحفظات الحكومة البريطانية على ارسال قوات برية الى ليبيا او سوريا الى (حرب) العراق". وكانت مشاركة المملكة المتحدة في هذا النزاع الى جانب الاميركيين درست بدقة في التقرير الذي نشرته الاربعاء بعد بحث استمر سبع سنوات، لجنة شيلكوت التي تحمل اسم رئيسها جون شيلكوت.

وشاركت بريطانيا في فرض منطقة للحظر الجوي برعاية حلف شمال الاطلسي خلال الانتفاضة على معمر القذافي في 2011. لكن هذه المهمة كانت محدودة. ويشن البريطانيون حاليا عمليات قصف ضد تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق، لكن البرلمان عارض في 2013 توجيه ضربات جوية الى نظام بشار الاسد.

وقالت جين كينينمونت من المركز الفكري "شاتهام هاوس" ان "النقاش الذي جرى حينذاك في البرلمان البريطاني هيمن عليه العراق بالكامل". واضافت "حتى في 2005 وفي اوج عمليات التطهير الاتني في دارفور، كان من الصعب الدفاع عن عملية تدخل انساني".

وكانت بريطانيا بررت تدخلها في العراق بوجود اسلحة للدمار الشامل. لكن بعد الاخفاق في العثور على اي من هذه الاسلحة، اصبح الهدف صدام حسين او تخليص شعب من ديكتاتور. وصرحت جين كينينمونت ان هذه الحرب "جعلت الرأي العام يشكك بعمق في عمليات التدخل العسكرية وخصوصا العمليات التي تقدم على انها انسانية".

"فراغ" في السياسة الخارجية 

قالت جين كينينمونت "شهدنا الامر نفسه في الولايات المتحدة"، مشيرة الى ان "الانسحاب الاميركي من التزاماتهم العسكرية في الشرق الاوسط تحول الى حجة رئيسية في حملة" باراك اوباما الرئاسية في 2008.

واوضحت ان البريطانيين وبدلا من التدخل بشكل مباشر، اصبحوا يعملون اكثر مع القوى في المنطقة مثل الاردن ودول الخليج. واضافت "لكن المشكلة هي ان هذه القوى ليست قوية جدا دائما".

ورأى جون بيو من جامعة "كينغز كوليدج" في لندن ان حرب العراق ادت الى وضع من "اللا سياسة" حيال سوريا ولسنوات من قبل البريطانيين. واضاف "توقفنا عن التفكير بجدية في وسائل خفض العنف واحلال الاستقرار في المنطقة والعمل لاقامة ممرات انسانية وممارسة مزيد من الضغط الدبلوماسي على نظام الاسد".

ويأمل المركز الفكري للمحافظين الجدد "هنري جاكسون سوسايتي" في الا يؤدي نشر تقرير شالكوت الى مزيد من الكبح في السياسة الخارجية. وقال آلان ميندوزا المسؤول في المعهد "كما يحدث في كل نزاع، هناك عدد الاخطاء والدروس التي يجب استخلاصها".

وأضاف "يجب الا نستخلص ان كل عمليات التدخل سلبية او اننا سنكون مسؤولين بشكل ما عن كل التغييرات الكبيرة التي تهز الشرق الاوسط".

وتابع ميندوزا ان نشر تقرير شالكوت يجب ان يسمح بتحسين اتخاذ القرار بمعايير تحليلية اكثر صرامة، لكن شرط الا يؤدي ذلك الى جمود سيشكل برأيه "خطأ مميتا للامن البريطاني".