أمجد الشريف:&أوصلت التغيّرات المناخية في السنوات الأخيرة بعوض الانوفليس إلى جنوب أوروبا، وصارت دول الشمال، مثل ألمانيا، تخشى من طفيلي الملاريا الذي يودي بحياة مليون إنسان تقريباً كل عام على المستوى العالمي. وتقدر الأمم المتحدة ان مكافحة المرض وتداعياته تلحق أضراراً اقتصادية بالبلدان المبتلية به ترتفع إلى 9,54 مليارات يورو سنوياً.

العالم الياباني يوشيكازو شيرايي، من معهد تقنيات الرقابة على الأوبئة، وفريق عمله أراد أن يعرف سر"حلاوة" دماء بعض الناس، دون غيرهم، وسر جاذبيتهم للسعات البعوض. ولهذا فقد جمع شيرايي في مختبراته عدداً من المتطوعين، وأطلق عليهم البعوض كي يكتشف سبب انتقائية البعوض.&

والبعوض مزاجي، كما يقول شيرايي، وتزداد شراهة إناث البعوض للسع الناس قبل فترة وجيزة من وضعها البيض. ويعود سبب ذلك انها تحتاج إلى بروتين معين لتسريع عملية وضع البيض لا تجده داخل أبدانها، وتلقاه في دماء البشر ودماء الحيوانات الأخرى. ويعرف العلم أن النساء الحوامل أكثر عرضة للسعات البعوض، وأكثر عرضة للملاريا من غيرهن بسبب بعض التغيّرات الهرمونية في أجسادهن أثناء الحمل.

استخدم شيرايي بعوض التايغر الآسيوي في تجاربه وتوصل إلى عدة عوامل تقرر جاذبية بعض البشر للبعوض، وأهم هذه العوامل هي فئة الدم، ومعدل غاز ثاني أوكسيد الكربون في الدم، والروائح التي تنطلق من أجساد البشر بفعل البكتيريا التي تعيش على البشرة. وكان المتطوعون للتجربة من فئة دم "أو" أكثر عرضة للسعات البعوض من غيرهم، كما تزداد جاذبيتهم للبعوض كلما زادت نسبة ثاني أوكسيد الكربون في دمائهم.

رائحة البشرة وفئة الدم

وتوصل فريق العلماء الياباني إلى أن الرائحة التي تنطلق من بشرة الإنسان، ويشمها البعوض من بعد 50 متراً، تقرر بنسبة 85% مدى جاذبية الإنسان للبعوض. وتصبح النسبة المتبقية من البشر(15%) "غير مرئية" بالنسبة للبعوض لأن بشراتهم لا تطلق هذه الرائحة.

وبالنسبة لفئة الدم تعرض المتطوعون من فئة دم" أو" (زيرو) إلى ضعف اللسعات التي تعرض لها المتطوعون من فئة دم"أي". اما عدد اللسعات التي تعرض لها البشر من فئة "بي" فجاؤوا في المنتصف بين الفئتين الأولين.

تنطلق الرائحة الجذابة من بشرة الإنسان للبعوض كناتج لتفاعل البكتيريا غير المرضية على البشرة مع بعض مخلفات عملية الاستقلاب، وهي مركبات الامونياك وأحماض اليوريا والأحماض الحليبية. تخرج هذه المركبات مع العرق من البشرة وتختلف نسبتها بين البشر من إنسان لآخر. وكان المتطوعون الذين تفرز أبدانهم المزيد من هذه المركبات أكثر عرضة من الآخرين لشراهة البعوض باللسع.

يعتمد تركيز هذه الرائحة على كميات البكتيريا التي تعيش في مسام العرق في البشر، ولأن هذا العدد يختلف بين البشر، ظهر ان تركيز هذه البكتيريا يقرر أيضاً تركيز هذه الرائحة "الطعم" الذي يجتذب البعوض كما يجتذب طعم الصنارة السمك.

عيّنات من بكتيريا البشرة

للتأكد من هذه الظاهرة عمد شيرايي وزملاؤه إلى أخذ عينات من أقدام 48 متطوعاً ثم استنبتوها وكثروها مختبرياً. وظهر بعد ذلك أن هذه البكتيريا تطلق أثناء عملية الاستقلاب داخلها رائحة معينة، وهي ذات الرائحة التي انطلقت من جسد الجذابين للبعوض. وهنا تعمل عوامل الامونياك، وأحماض اليوريا التي تفرزها بشرة البشر، دور العامل المساعد الذي يقوي هذه الرائحة.

وطبيعي كانت كل رائحة تختلف من ناحية النوع والتركيز عن بعضها باختلاف المتطوعين. وعندما أطلق العلماء البعوض على هذه المستنبتات لاحظوا أن البعوض تجمع فعلاً على البكتيريا التي تطلق تلك الرائحة الخاصة.

تشتغل "رادارات" البعوض تجاه غاز ثاني أوكسيد الكربون من خلال الأنفاس التي يطلقها المتطوع. وكلما كانت الانفاس مشبعة بهذا الغاز كلما تعرض أكثر للسعات البعوض. ومن جديد تختلف نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الأنفاس من إنسان إلى آخر بحسب حالته الصحية وحجم جسمه وعوامل أخرى. ومعروف أن النساء الحوامل يزفرن الكثير من هذا الغاز، لأنهن في الحقيقة يتنفسن عن شخصين (الجنين).

لا علاقة لـحلاوة" الدم بالسكر

واستنتج شيرايي أن التعبير العالمي الشائع عن"الدم" الحلو، الذي يعبر عن جاذبية البعض للبعوض، لاعلاقة له بالسكر، ولايعني ان المعانين من ارتفاع السكري في الدم أكثر عرضة من غيرهم للملاريا. فالحلاوة هذه ناجمة عن كوكتيل من 300 رائحة تقريباً تنطلق من مسامات بشرة الإنسان مع العرق وتجتذب إناث الأونفليس.