واجه المصنف الثاني والمصنفة الأولى عالمياً في أعرق وأهم بطولات التنس، تطورات بلادهم السياسية، ففوز المصنفين بنهائي "ويمبلدون" عكست صورة السياسة على الرياضة، ضمن إطار سيظل محفورا في اذهان الكثيرين.

واشنطن: أصبح اسم لاعبة التنس الاميركية سيرينا وليامز رديفاً للتفوق والفوز بالبطولات حتى انها تُسمى الآن قوة من قوى الطبيعة أو امرأة خارقة أو ملكة اللعبة.

وعادت هذه الألقاب الى اذهان المعجبين خلال المباراة النهائية لبطولة ويمبلدون التي خاضتها وليامز امام الالمانية انجليك كيربر. وكانت كيربر فازت ببطولة استراليا المفتوحة في مطلع العام بخوض المباراة النهائية امام وليامز معتمدة على سرعتها في صد كرات وليامز القوية التي كانت ستحقق لها الفوز مع أي لاعبة أخرى.

فازت وليامز على كيربر في نهائي ويمبلدون باللقب الثاني والعشرين في مباريات الجائزة الكبرى لتعادل ألقاب الالمانية شتيفي غراف. ولكن انجاز وليامز لم يتحقق بسهولة ، وما يزيده صعوبة وتميزا ان المطلوب منها ان تتحمل في إنجازاتها الرياضية عبء الكثير من الآمال والكراهية ضدها ، بل عبء تاريخ مديد من التفرقة العنصرية ضد الأميركيين الأفارقة.

مثير للجدل

صدرت صحيفة الاوبزرفر الاسبوعية البريطانية في يوم نهائي ويمبلدون للرجال بين البريطاني اندي موراي والكندي ميلوش راونيتش بعنوان رئيس يقول: "الأحوال الجوية سيئة والجنيه الاسترليني يتهاوى والسياسة بائسة واليورو يتعثر وبريكسيت قادم والركود داهم" ثم بحروف كبيرة تناشد الصحيفة موراي ان ينتشل البريطانيين من هذا البؤس بفوزه في المباراة النهائية.

يبدو موراي لاعباً من نوع يثير الفضول بنظر الانكليز. فهو نزق ومعادٍ للنخبوية. لا يعرف التأنق في الملبس ، وهو اسكتلندي. وكان احياناً يقاوم موقع النجومية الذي تدفعه انتصاراته اليه، يتعامل بحذر مع اعلام لا يشبع ويدرك انه وعائلته لن يحظيا ابداً بالقبول في ثقافة العجرفة والاستعلاء التي لا تزال موجودة في لعبة التنس، بل انه وعائلته اصلا لا يريدان الانتماء الى هذه الثقافة.

ولكن موراي لاعب تنس رائع وهو الثاني في العالم الآن ومن أفضل الأبطال الذين أنجبتهم لعبة التنس في تاريخها برأي البعض. وما يزيد اهمية هذا الانجاز ان موراي حققه بجانب اسماء لامعة مثل الصربي نوفاك جيوكوفيتش والسويسري روجر فيدرير والاسباني رفائيل نادال.

بُعدٌ سياسي

بعد فوز موراي ببطولة ويمبلدون انفجر باكياً واستمر نحيبه دقائق دون توقف. وقال إنها لحظة أسعد بكثير من فوزه الأول ببطولة ويمبلدون عام 2013 حين شعر براحة هائلة نتيجة انقشاع الضغط النفسي الذي كان واقعاً عليه. ولم يكن لاعب تنس بريطاني فاز ببطولة ويمبلدون منذ 70 عاما. ولكن موراي يعرف انه لن يفلت من الموقع الذي وضعه الجمهور فيه، أو من المسرح الذي يجب ان يعيش على خشبته ومهمة إدخال المسرة في نفوس الجمهور البريطاني. وهذا ما فعله موراي بفوزه الأخير.

سيُذكَر موراي لمهارته في لعبة التنس اولا. ولكن تركته الأكبر قد تكون ما فعله من خلال هذا الموقع واستعداده للتعليق على قضايا اجتماعية وخاصة حقوق المرأة ـ كانت مدربته لاعبة التنس الفرنسية اميلي موريسمو وأيد المساواة في اجور الرجل والمرأة وقال انه يعتبر نفسه نسوياً ، كما لاحظت الكاتبة لويزا توماس في مجلة نيويوركر مشيرة الى ان الرياضة قد تكون هروباً من السياسة ولكن هناك بُعد سياسي لا مفر منه في الرياضة ايضاً.

وكان من المتعذر تفادي التفكير في السياسة خلال بطولة ويمبلدون، سواء خلال مسابقاتها التي أُقيمت بعد اسابيع على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، أو حين انطلق الصفير وصيحات الاحتجاج عندما نوه موراي بحضور رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال مقابلة معه على الملعب بعد المباراة أو عندما غردت سيرينا وليامز على تويتر ناعية الأميركي الأفريقي فيلاندو كاستيل برصاص الشرطة في منيسوتا ثم سؤالها عن مقتل خمسة من ضباط الشرطة في دالاس، أو عندما تحدثت عن احترام المرأة في الرياضة والمجتمع، وكذلك عندما كان منافس موراي في نهائي ويمبلدون لاعباً كندياً من مواليد يوغسلافيا السابقة وقد هرب والداه خلال حروب البلقان.

بعد نهائي ويمبلدون للسيدات وقفت سيرينا ويليامز، الاميركية الأفريقية، وانجليك كيربر الالمانية الشقراء ذات الأصل البولندي، وقد تشابكت ذراعاهما في صورة ظلت محفورة في اذهان الكثير ممن تابعوا المباراة. لم يكن هناك ما هو سياسي في هذه المعانقة بل كانت بادرة اعجاب متبادل ومحبة واحترام. ولكن كان هناك شيء قوي فيها رغم ذلك. فنحن احياناً نُسقط مشاكلنا على الرياضة، ولكن الرياضة ايضا يمكن ان تشكل، بطرق صغيرة لكنها حقيقية، البداية لحل هذه المشاكل.

اعدت إيلاف المادة عن "مجلة نيويوركر".