تمحورت سجالات ونقاشات الندوة الموسعة في موسم أصيلة الثقافي الثامن والثلاثين حول موضوع تنظيم "بوكو حرام" الذي كسب نفوذاً قويا وتمدد في أكثر من بلد حتى بات يمثل النسخة الإفريقية من تنظيم داعش.

إيلاف من أصيلة: لم تكن دول المشرق العربي الوحيدة المهددة كياناتها ووحدة شعوبها بالتفكك جراء خطر التنظيمات التكفيرية المتطرفة التي وجدت فراغاً وقدرة مكنتها من بسط نفوذها في بعض البلدان، بل تعاني دول شمال أفريقيا والقارة السمراء بأغلب دولها من خطر هذه التنظيمات وفي مقدمتها "بوكو حرام" في مالي ونيجيريا والجزائر وتهدد دولا أخرى، وحركة الشباب في الصومال وعلى أبواب جوارها.

وعلى الرغم من مبايعة هذين التنظيمين التكفيريين لداعش&في العراق والشام&الا أن " بوكو حرام" كسبت نفوذا أقوى وتمددت في أكثر من بلد حتى باتت تمثل النسخة الافريقية من تنظيم داعش مستغلة الفراغ السياسي والأمني في دول القارة ذات المساحات المترامية الأطراف والتي وجد هذا التنظيم التكفيري بيئة حاضنة له ولافكاره التي فتن بها السكان المهمشين في فقرهم المدقع الذي لم يلتفت له الساسة حتى وجدوا دولهم مهددة في كياناتها حين مدت "بوكو حرام" فكرها ومقاتليها عبر الحدود وسط عجز وتردد هؤلاء الساسة الافارقة حيال مطاردة مقاتلي التنظيم حفاظا على "السيادة" التي قد تدنس بعبور جنود دول شقيقة من نفس القارة!

لقد كانت هذه المواضيع (بوكو حرام ووحدة التراب والسيادة) محاور نقاشات وسجالات الندوة الموسعة في موسم أصيلة الثقافي الثامن الثلاثين التي استمرت ليومين وشارك فيها ساسة سابقون وباحثون توصلوا الى أن الفراغ الذي أهملته السلطات ونسيان التنمية الاقتصادية و التعليمية كان سببا تراكمياً استغلته بوكو حرام بذكاء.

تطور المفاهيم

رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية محمد بنحمو أشار الى أن أفريقيا دخلت مرحلة جديدة تطورت بعض المفاهيم وظهور مفاهيم أخرى مثل "العدو الداخلي" ومفهوم التراب والحرب والأمن وهي مفاهيم تتغير باستمرار. ورأى أن ظاهرة الارهاب، وفق هذه المفاهيم، متحركة تتطلب الالتفات لها من قبل السلطات.

وتوقع عدم تفكك العصابات الارهبية في المستقبل القريب بل أن قوتها ستزداد ومثلها قدرتها على التأقلم مع الفراغ؛ فالارهاب يتأقلم بسهولة مع الفراغ.

وخلص الى ضرورة التاكيد على الحق في الاختلاف، مثلا الامازيغي له حق الاختلاف عن مواطنه العربي أو اليهودي، وله الحق الثقافي والترابي أيضا، فالطوارق لديهم امتداد ترابي في أكثر من مكان مثل مالي والجزائر موريتانيا والمغرب فأزواد (الحركة الطوارقية) موجودة في هذه الدول فهل وجود ازواد في الجزائر وموريتانيا وهو حق اجتماعي وثقافي وترابي لهم لكن لابد من الحد السياسي الذي يمثل مرحلة تنظيمية ادارية وعدم اعتباره قهرا وتحديداً لهم مع ضرورة الاعتراف ببقية حقوقهم.

استاذ الدراسات الافريقية في جامعة محمد الخامس عرّف الارهاب بأنه عبارة عن تعبير عنيف لرغبة سياسة. ورأى عدم وجود حدود كاملة أو تراب كامل، فطالما يوجد جوار توجد مشاكل، ولا تخلو أي دولة من مشاكل حدود. وشدد على تفهم اختلاف المنظومات لاجتماعية في دول أفريقيا وضرب مثلا في المغرب الذي حقق الوحدة من خلال الملكية. وبين أن "داعش وبقية الحركات المتطرفة تريد القضاء المنظومات الاجتماعية المختلفة" وتذوب كلها في قيمتها التي تجد قبولا في البيئة المهمشة والمستضعفة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

جانب من الندوة

&

الفراغ

من جانبه ضرب رئيس منتدى باماكو عبد الله كوليبالي ببلده مالي مثلا في الفراغ السلطوي حيث تبلغ مساحة دولة مالي نحو 400 كم مربع ويسكن تقريباً شخصان في كل كم مربع وترتبط بحدود مع عدة دول أفريقية مثل الجزائر والسنغال وساحل العاج والنيجر وموريتانيا وبوتسوانان والصفة الغالبة على هي استضافى الغريب وتقديم الماكل والمشرب والمنام له. ولا تستطيع الدولة فرض نفسها في كل مكان من اراضيها.

لكن هذا الفراغ كان يجب أن يملآ والا سوف يحتله الارهاب. فدولة بمواصفات مالي تعد دولة ضعيفة وغير قادرة على تعزيز وجدوها بكل مكان، حيث الحاجة للماء والكهرباء متواصلة. وقد شغل طرف آخر هذا الفراغ من خلال وعده بالماء والكهرباء اللذين لم تقدمهما الدولة، ولو وعودا مستقبلية،ً للمحرومين منهما، واضافت لهما بوكو حرام وعودا اخرى مشترطة اسقاط الدولة. فنجحت الى حد كبير.

وكشف أن الدولة لم تنل مساعدة خارجية الى أن اقتربت بوكو حرام من حقول الغاز في أفريقيا وهدد مصادر الطاقة ففكرت أوروبا أن الوقت قد حان لوقف التطرف وتنظيماته كبوكو حرام التي تريد الاستحواذ على مصادر الطاقة والسلطة واحتكار مناطق شاسعة في أفريقيا، وعقدت تحالفات استراتيجية مع مهربي المخدرات والاسلحة والبشر.

ورأى أن غلق الحدود لا يكفي لانهاء مشكلة ما فمشكلة تهريب المخدرات من المسكيك الى أميركا لم تنته بغلق الحدود ومراقبتها الصارمة بل اتجهت تجارة المخدرات نحو أوروبا.

وتطرق الى سكان الضواحي في المناطق الغنية مثل ضواحي باريس التي تسكنها جاليات مازال سكانها يشعرون أنهم اجانب رغم ولادة اجيال منهم فيها.

ووجد أن الحل لمكافحة التطرف بشكل عام وبوكو حرام بشكل خاص يكمن في التنمية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية وتبادل المعلومات الاستخبارية وتقاسم الموارد بين دول القارة وشيوع الحكم الرشيد الذي يشعر المواطن بالكرامة.

الفعل غير الرسمي

الباحثة المصرية أماني الطويل الباحثة في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ومديرة الوحدة الدولية في البرنامج الافريقي رأت ان العنصر المهم والخطير الذي لم يتم التطرق له في ندوات بحث حلول مكافحة الارهاب هو الفعل غير الرسمي أو الشركات العابرة للقارات&دون سند رسمي مثل الشركات المتعددة الجنسيات، حيث ساهمت المنظماىت غير الرسمية في العشر سنوات الاخيرة في تفكيك دول عدة في القارة السمراء مثل السودان الذي تم دفعه عنوة للانفصال رغم رفض الاتحاد الافريقي وأغرقته في عنف متواصل حتى اليوم.

وكشف الطويل أن هذه المنظمات غير الرسمية ومنها بلاك ووتر أيضا لا تخضع في دولنا لمحددات رسمية أو قانونية بينما تخضع في دولها لمددات قانونية.

وضربت مثلا آخر دولة الكونغو التي ساهمت الشركات العابرة للقارات والجنسيات ببحثها المحموم عن الماس في تدهور البلاد وصعود العنف فيها.

ودعت لدعم الموطنين في الاطراف وفرض قوانين تحد من حرية المنظمات العابرة للحدود داخل أراضيها ودعم مشاريع التنمية التعلمية خاصة والاستثمار العادل&للمياه.

وكان اجماع المتحدثين على دعم المهمشين وهم الاكثرية في أفريقيا والذين باتوا عماد وقود التنظيمات التكفيرية كبوكو حرام، وقودها كمقاتلين وكضحايا مستهدفين من هجماتها حين تكون مناطقهم خاضغة لسيطرة السلطة.

طعن الكرامة

المستشار السابق للرئيس الغابوني عمر بنغو الباحث غي نانع-بكال أشار الى الانتماء المكاني والانتماء الزماني اللذين لهما دور في تسلل التنظيمات المتطرفة الى دول القارة. ورأى أن أي جماعة حين تشعر أن قوة ما تطعنها في كرامتها فسيكون لها رد فعل مواز وربما فاق الفعل بقوتة كما حدث في عهد الرئيس بوش الذي كان يهاجم العراق والصومال حتى غزاهما وان اعترف لاحقا بخطأه، لكن رد الفعل ما يزل صداه مدو.

ولم يكن الفقر مبرراً أو دافعاً للارهاب بل أن عدم احترام القيم والاخلال&باسلوب الحياة هو ما يدفع الشرائح الفقيرة للتنظيمات الارهابية. كما رأى أحد المتداخلين.

الباحثة المغربية أسماء سباهو أكدت على ضرورة محو الامية وتمكين السكان المعزولين من الاندماج في المجتمع كخطوة لمكافحة الارهاب الذي يتطلب احترام حقوق الانسان والحق في الامن.

السيادة ومكافحة الارهاب

وختاما كان القول الابلغ لـ "لامين كاباباجو" الذي شغل منصبي وزير الداخلية والخارجية في دولة غامبيا حيث رأى من خلال خبرته أن العلاقة مابين الوحدة الترابية والارهاب معقدة. وأشار الى أن هناك من يلجأ للعنف لتلبية حاجاته للحق في الحرية، وهؤلاء يعرّفون ارهابيين أيضا في بعض الدول وهناك مجموعات بشرية تلبي طموحاتها الترابية باستخدام العنف.

والارهابيون يريدون تكوين ترابا خاصاً بهم على حساب دول أفريقيا مثل مالي ونيجيريا والجزائر والصومال باستخدام الشريعة كمبرر للحكم.

وشدد على ضرورة تفهم مصلحة الدول في تجاوز مفهوم السيادة لديها من أجل تحقيق هدف أسمى هو مكافحة الارهاب والتخلص من بوكو حرام التي ترفض دول القارة طرق مكافحتها التي تتجاوز على سيادتها من خلال عبور حدودها الادراية. ورأى أن هذا الرفض والتردد تحت مبرر السيادة مكّن بوكو حرام القفز بسهولة من مالي للجزائر.&

وطالب الدول أن تولي رعاية للجيل الجديد ومكافحة الفقر ووقف حملات التبيلغ الديني العابر للحدود وتدريب الائمة. وبين أن هناك شرائح واسعة في أفريقيا بحاجة لدعم زراعي واقتصادي وقد ملآت بوكو حرام هذا الفراغ بوعدوها الفاتنة التي تعوض هذه العوز عقائديا.

هذه الندوات الخاصة بالقارة السمراء ووحدة ترابها المهددة بالتطرف وتفكك بعض دولها تخللتها مداخلات الحاضرين التي كان بعضها يفوق كلمات المحاضرين التي تكرر بعضها في قراءته لمفهوم الارهاب وسبل مكافحته.

يذكر أن موسم أصيلة 38 يتواصل من الرابع عشر حتى الثامن والعشرين من شهر يوليو&الجاري ويشتمل على فعاليات ثقافية وفنية وسياسية عديدة.& &