في مقابلة خاصة بـ"إيلاف"، قال السفير المصري في لبنان إن بلاده لا تحيد عن الإجماع العربي في اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، وإن مصر تساهم في إدخال مساعدات إلى مناطق سورية محاصرة، ولا يعنيها وجود بشار الأسد في الفترة الانتقالية أو غيابه، مطالبًا إيران باعتماد سياسة حسن الجوار، وطالبًا من قطر وتركيا التوقف عن التدخل في شؤون مصر. 

إيلاف من بيروت: قال محمد بدرالدين زايد، سفير مصر في لبنان، إن زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت جزء من الجهود الفرنسية المستمرة لإنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان، "لكن حتى الآن، لا مؤشرات تدل على أن الزيارة مقدمة لإنهاء هذا الفراغ، أو أنها حققت اختراقًا ما على هذا الصعيد، علمًا أننا نقدر الجهد والاهتمام الفرنسيين في ظل أوضاع لبنان الصعبة والدقيقة".

ونفى زايد، في مقابلة خصّ بها "إيلاف"، تفضيل مصر مرشحًا رئاسيًا على آخر، "فهذا غير ممكن انطلاقًا من رؤية مصر المبنية على ضرورة عدم التدخل السلبي في الشؤون الداخلية لأي قطر عربي ، وبلادي تقبل بما يقبله الشعب اللبناني، ولا يمكنها أن تفرض عليه مرشحًا، أو أن تفضل مرشحًا على آخر، وسنتعامل مع من يختاره الشعب اللبناني الشقيق رئيسًا".

العلاقة بحزب الله

وتناول زايد العلاقة المصرية بحزب الله، بعد زيارة وفد من الحزب القاهرة لتقديم واجب العزاء بالصحافي محمد حسنين هيكل، وقضية سامي شهاب (أحد أعضاء الحزب الذي اوقفته السلطات المصرية قبل فراره من السجن أثناء ثورة يناير 2011)، فقال لـ"إيلاف": "للقضاء المصري اعتباراته، وإذا كان هناك جلسات تم تأجيلها أو أحكام صدرت، فهذا لا يعني أن قضية شهاب قد طويت، أما زيارة وفد الحزب إلى مصر فكانت للتعزية بوفاة هيكل، ولم تشمل مقابلات رسمية".

أضاف: "لا جديد في علاقة مصر بحزب الله، فهناك مسائل معلقة مرتبطة بالموقف العربي العام، أنا أتواصل مع الحكومة اللبنانية ومكوناتها كلها".

وعن التزام مصر الإجماع العربي في اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، قال زايد: "مصر جزء من الاجماع العربي دائمًا، وتلتزم القرارات التي تتخذ في جامعة الدول العربية، مع ذلك ندرك تعقيدات الأوضاع الإقليمية واللبنانية ونتفهّمها، لكننا لا نخرج على هذا الاجماع العربي ولا على القرارات المتخذة".

 التنسيق دائم

رحّب زايد بالجهد الذي تبذله السعودية لترتيب البيت السني في لبنان، "ومصر تشجع الوحدة وتنبذ الانقسام، وترى أية ترتيبات لها عائد إيجابي على مكونات الوجود اللبناني بكامله ايجابية"، مؤكدًا التواصل مع السفارة السعودية في هذا الشأن، "فالتواصل دائم مع زميلي السفير السعودي علي عواض العسيري، والتنسيق مستمر معه، وهذا طبيعي ومرتبط بالعلاقات الاستراتيجية المصرية - السعودية في كل مكان".

لكن، هل تفضل مصر تعدد الأقطاب داخل البيت السني أم تحبذ التعاطي مع شخصية واحدة؟ أجاب السفير المصري: "إذا كنا ننظر إلى مسألة الرئاسة في لبنان باعتبارها قرار الشعب اللبناني، فهذه القضية خاصة بقرار المجتمع السني في لبنان. ومصر تفضل ما يفضله هذا المجتمع. نحن لا نتدخل في خياراته، وما يهمنا فعليًا هو الاستقرار والاعتدال، وموقفنا واضح رافض أي اتجاه متشدد يشوه صورة الإسلام والمسلمين ويسيء إلى الإسلام، وبالتالي يهمنا بشكل أساس أن يترسّخ الاعتدالان الإسلامي والمسيحي".

مصالح ومساعدات

يثار كلام عن تغير السياسة المصرية حيال سورية، وتحديدًا النظام السوري، منذ بداية بدء عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. علّق زايد على ذلك قائلًا لـ"إيلاف": "في مرحلة معينة، اتخذ قرار قطع العلاقات مع سوريا. تدار العلاقات راهنًا على مستوى رعاية المصالح، وتحديدًا قسم رعاية المصالح الموجود فقط في دمشق، وهو يقوم بمهمة التواصل مع السلطات السورية حين يقتضي الأمر".

أضاف: "أدت الدبلوماسية المصرية أخيرًا دورًا أساسيا في إدخال مساعدات إنسانية إلى بعض المناطق السورية المحاصرة. لنكن واقعيين، هل يمكن أن تساعد على إدخال مساعدات من دون تواصل مع طرفي النزاع، أي المعارضة والنظام؟ الموقف المصري من سوريا يتطلق من ثوابت تتعلق بحماية الشعب السوري والحفاظ على وحدة أراضي سورية. فبالنسبة إلينا، هذا هو الخط الأحمر، لا النظام".

لكن رئيس النظام السوري بشار الأسد تكلم عن تنسيق امني بين مصر وسورية أكثر من مرة. قال زايد: "هذا التنسيق جزء من عملية إدخال المساعدات الإنسانية التي تهدف إلى المساعدة في عملية سياسية تُنهي معاناة الشعب السوري، لذا يجب حصول تنسيق وتواصل دبلوماسي وأمني مع الجهات والقوى السياسية المختلفة، ومحددات الموقف المصري واضحة، تتلخص في أن لا بد من عملية سياسية تشمل الأطراف السورية كلها، تؤدي إلى إنهاء المعاناة الراهنة وبدء مرحلة سياسية جديدة في سورية. لا أهداف أخرى لنا في العلاقات مع النظام السوري، لذا لا يتعدى التنسيق الأمور التي ذكرت".

مصير الأسد لا يعنينا

قال زايد لـ"إيلاف" إن بقاء الأسد في خلال فترة حكم انتقالية رهن بالقوى السورية والشعب السوري، "وما يعنينا هو إطلاق عملية سياسية تُنهي الحرب في سورية وتوقف النزوح السوري وتحد من تدهور الأوضاع السورية الصعبة، أما الكلام عن فترة انتقالية تشمل الأسد أو لا تشمله فهذه ليست قضية أساس بالنسبة إلينا، ونحن نشجع على الانخراط في العملية السياسية، وهناك مفاوضات وجهد مبذول، لكن ما يهم مصر في الدرجة الأولى هو أن يثمر هذا الجهد الدولي بعد أن يُستأنف في أقرب وقت ممكن، لأن الشعب السوري هو من يدفع الثمن في النهاية".

وأكد زايد أن لا تواصل مع جماعة الاخوان المسلمين السورية، وهي فصيل من فصائل المعارضة السورية، علمًا أن مصر تحتضن قسمًا كبيرًا من هذه المعارضة، "فموقف مصر واضح من الإخوان في العالم، إنها الجماعة التي تشجع على العنف، ولا تبني المجتمعات السياسية بشكل سليم، وبالتالي نعتبر دورها سلبيًا، ومن غير الطبيعي أن نتواصل معها".

أضاف: "هناك جماعات أخرى من المعارضة السورية تتواصل معنا، لكن ليس بينها الاخوان".

 نعم للتدخل الروسي

يؤيد السفير المصري في بيروت التدخل العسكري الروسي في سورية. قال لـ"إيلاف": "أيّدنا هذا التدخل الروسي، ونؤيد أي تدخل يستهدف التنظيمات المتطرفة في سورية، والتي نعتبرها خطرًا على الشعب السوري وعلى المنطقة كلها. فهذه التنظيمات (داعش والنصرة وغيرهما) تهدد بشكل واضح مصر والأردن وسورية والسعودية، وحتى تركيا التي نختلف معها، وبالتالي نؤيد أي عمل دولي ضدها. وفي الأصل لم نكن بعيدين عن التحالف الغربي ضد داعش، ولم نكن بعيدين عن التدخل الروسي ضد داعش".

لكن روسيا تستهدف فصائل مسماة "معتدلة" في سوريا؟ أجاب: "لا نملك أدلة واضحة في هذا الشأن. هناك معلومات تشير إلى تداخل بين الفصائل. هناك مناطق كثيرة تنتشر فيها الجماعات المتطرفة، وفي هذه المناطق بحسب ما نسمع وما يتردد تُمارس أبشع أنواع القمع والاضطهاد بحق المسلمين وغير المسلمين من قتل وذبح، وهذا يؤكد أن هذه التنظيمات خطر على الإسلام والبشرية".

وعن إمكان أن يساهم تأييد مصر التدخل الروسي في تباين في العلاقة مع السعودية، قال: "هناك من تحدث عن وجود تباين، لكن حصلت زيارات ولقاءات عدة، كما أن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زار موسكو، وهذا يدل على وجود حوار وعلى مصالح وأرضية مشتركة للتنسيق في هذا الموضوع".

المطلوب حسن جوار

أكد زايد وجود ملاحظات جوهرية على السياسة الايرانية في المنطقة، منذ احتلال إيران الجزر الإماراتية، وهو يأمل من طهران "أن تراجع سياستها، وأن تدرك أن حسن الجوار مع العرب والكف عن التدخل بالشؤون الداخلية يصبان في مصلحتها، وفي مصلحة علاقتها مع العرب".

كما أكد أن التحالف المصري مع الخليج استراتيجي، "فما يربطنا بالخليج علاقات تاريخية وثيقة ومصالح متبادلة كبيرة، ومصالح اقتصادية متداخلة، فهناك عمالة مصرية ضخمة في الخليج تشكل أحد أعمدة الاقتصاد، وبالعكس، السياحة والاستثمارات الاقتصادية الخليجية في مصر مهمة جدًا لصالحنا ولصالح دول الخليج، ولكثير من الأخوة الخليجيين مصالح وممتلكات في مصر، ويعتبرون مصر بلدهم الثاني".

وعن وقوف مصر إلى جانب دول الخليج إن تعرضت للتهديدات، قال زايد: "سبق لمصر أن تدخلت عسكريًا عندما غزا صدام حسين الكويت، وكانت القوات المسلحة المصرية تقود الهجوم لتحرير الكويت، وأي تهديد للخليج والمقدسات الاسلامية تهديد استراتيجي لنا".

الأزمة مع قطر وتركيا

تناول زايد الأزمتين المصرية – القطرية والمصرية - التركية، فقال إنها لم تنته بعد، "فهناك خلاف واضح في بعض الملفات، وما زالت قناة الجزيرة تمارس دورًا سلبيًا تخريبيًا. نريد من قطر علاقات إيجابية أخوية، ونريدها أن تتوقف عن التدخل في شؤون مصر الداخلية، وعن توظيف الجزيرة بشكل سلبي لا يخدم العلاقات بين بلدينا، وكذلك الامر بالنسبة إلى تركيا التي نريد منها أيضًا التوقف عن التدخل في شؤوننا، وكما نريد أن يمتنع المسؤولون الاتراك عن إطلاق التصريحات السلبية".

سألت "إيلاف" السفير المصري إن كانت أحكام الإعدام الصادرة بحق عدد من قيادات الصف الاول في الإخوان ستنفذ أم أن في الأمر مناورة بانتظار تحقيق مصالحة ما، فقال: "لا نتدخل في عمل القضاء وأحكامه، وأحكام الاعدام التي صدرت غير نهائية، وبالتالي من الصعب القول إنها ستنفذ او لن تنفذ. لكن، حتى الآن، لم تظهر شواهد من التنظيم تُظهر أنه يراجع سياسته أو مواقفه، ونتمنى من جميع الأطراف الداخلية والخارجية التي اخطأت بحق المصريين أن تراجع مواقفها".

بيت المقدس وحماس

لفت زايد إلى خطورة تنظيم بيت المقدس في سيناء، وإلى المخاوف من نقله عملياته الإرهابية إلى داخل المدن المصرية، وشدد في حديثه على أن السلطات المصرية تمكنت من مواجهة هذا التنظيم الذي أعلن ولاءه لداعش وقلّصت حركته، "ومن الواضح انه هُزم بدرجة كبيرة، علمًا أنه حاول نقل اعماله الإرهابية إلى المدن المصرية لكنه فشل، وبات واضحًا أن وتيرة تحركاته قد تراجعت، ونسأل الله أن نتمكن خلال فترة قصيرة من إنهاء وجوده".

أضاف: "وفقًا لبيانات وزارة الداخلية المصرية، هناك علاقة تربط حماس بتنظيم بيت المقدس، وصار هذا الأمر أمام القضاء، وقد أظهرت التحقيقات التي أجرتها الداخلية في عملية اغتيال النائب العام وجود علاقة بين منفذي عملية الاغتيال وحماس، وتم تقديم هذه التحقيقات إلى النيابة العامة، وهي مستمرة في تحقيقاتها في هذه القضية".

 شكري في إسرائيل

وصف زايد في زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى إسرائيل بأنها محاولة لإنهاء الجمود الراهن في العملية السياسية بين الفلسطينيين واسرائيل، "فمن غير الممكن أن تستمر معاناة الشعب الفلسطيني بهذا الشكل، والرئيس السيسي أعلن منذ شهور عدة عن مبادرة لإنهاء هذا النزاع ترتكز على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، كما توجه وزير الخارجية إلى رام الله والتقى برئيس السلطة محمود عباس منذ أسابيع".

لكن هل يمكن أن توافق موافقة إسرائيل على حل يحدد القدس عاصمةً للدولة الفلسطينية؟ أجاب زايد: "هناك تذبذب في الموقف الاسرائيلي، وفي مرحلة من المراحل، حُكي عن حل الدولتين، وكان الخلاف في التفاصيل، وفي مرحلة أخرى نفت قوى سياسية إسرائيلية أي امكان لاعتماد حل الدولتين، لكن يدرك كثيرون في إسرائيل والعالم أن لا حل آخر، وبالتالي موضوع إقامة دولة واحدة لن يُنهي الأزمة".

أضاف: "نحن نتحرك بناءً على المبادرة العربية التي تتحدث عن إمكان إقامة علاقات مع إسرائيل في مقابل قيام دولة فلسطينية، ولن نقبل كعرب مسلمين ومسيحيين بأي حل لا يضمن القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة، فللعرب المسلمين والمسيحيين رؤية واضحة مفادها أن المقدسات الإسلامية والمسيحية حقّ لنا جميعًا، ولن نفرّط فيها".