ليست المرة الأولى التي تحصل فيها إنقلابات في تركيا، فقد سبقت تلك المحاولة الفاشلة أربعة إنقلابات بدءًا من العام 1960 حتى العام 1997، لكن بحسب المعنيين محاولة الإنقلاب الأخيرة تختلف كثيرًا عن سابقاتها.

إيلاف من بيروت: لم تكن محاولة الإنقلاب الفاشلة في تركيا هي الأولى، ففي 27 مايو من العام 1960 استيقظت تركيا على حدث غيّر مجرى الحياة الإقتصادية والسياسية طيلة أكثر من أربعة عقود، حيث شهدت تركيا الإنقلاب العسكري الأول، أطاح بالحكومة الديمقراطية المنتخبة ورئيس البلاد، فتحرك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكري، خلال العهد الجمهوري، وتم ايقاف نشاط الحزب الديمقراطي بتهمة العزم على قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية، وبعد 11 عامًا، أي في العام 1971، حصل الإنقلاب العسكري الثاني في تركيا، ففي 12 من شهر مارس من العام 1971، حدث ما عرف بانقلاب المذكرة، وهي مذكرة عسكرية أرسلها الجيش بدلاً من الدبابات كما حصل في الإنقلاب السابق.

الإنقلاب الثالث

ثم بعدها حصل انقلاب كنعان إيفرين عام 1980، &ففي 12 سبتمبر 1980 حدث انقلاب عسكري في تركيا، الذي تزعمه الجنرال كنعان ايفرين مع مجموعة من الضباط، نشأوا على فكرة حماية المبادئ الأساسية للجمهورية التركية كما وضعها أتاتورك، وكان المبدأ الرئيس فيها الفكر الكمالي واعتقادهم بأن سبب تدهور الامبراطورية العثمانية واندحارها عسكريًا كان لارتباطها بالأقطار العربية والإسلامية، وكان تخوفهم من الصعود الملحوظ للتيار الإسلامي في الانتخابات التركية، وكان الانقلاب مدعومًا من الولايات المتحدة الأميركية، التي فقدت حليفها الرئيس في المنطقة بعد الثورة الإيرانية عام 1979، فتلقّت تركيا مبالغ كبيرة من المساعدات الاقتصادية، من قبل منظمة التعاون والتنمية، والمساعدات العسكرية من حلف شمال الأطلسي، وخلال الثلاث سنوات الأولى من الحكم العسكري بعد الانقلاب تم إعدام 50 شخصًا واعتقال 650 ألف شخص ومحاكمة الآلاف، ووقوع 299 حالة وفاة بسبب التعذيب، و30 ألفًا آخرون فضلوا المنفى، واختفى كثيرون آخرون، وكان ثالث انقلاب تشهده تركيا خلال 20 عامًا، وشكل هذا الانقلاب ملامح البلاد لثلاثة عقود، كما يعتبر هذا الانقلاب الأكثر دموية، ومن أهم أسباب الانقلاب فشل حزب&الشعب الجمهوري في الانتخابات، وقيام الجيش التركي بنهج سياسة النزاع، لتصعيد التوتر وتأجيجه وخلق جو ملائم لظهور العنف السياسي بين اليساريين واليمينيين، الذين خاضوا حربًا بالوكالة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فتم حل البرلمان والأحزاب السياسية وتولى كنعان إيفيرين رئاسة مجلس الأمن القومي التركي وتولى مهمة تسيير شؤون البلاد إلى حين إجراء انتخابات رئاسية، والتي أسفرت عن انتخابه رئيسًا في نوفمبر 1982 بنسبة 90% &من الأصوات، ثم قام بعرض دستور جديد على استفتاء قام فيه بتحصين نفسه وجنرالات الانقلاب من المحاكمة في المادة 15، وعزّز الدستور دور الجيش في الحياة المدنية بذريعة حماية الجمهورية والعلمانية في المادتين 35و 85 من الدستور التركي، وبعد مرور 30 عامًا على الانقلاب تمكن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رجب طيب إردوغان من تعديل عشرات المواد من ذلك الدستور، بما فيها حصانة العسكر، الأمر الذي سمح للمحاكم بمتابعة الانقلابيين واصدار الحكم المؤبد&في حقهم&.

الإنقلاب الرابع

فضلاً عن الانقلاب العسكري الرابع في تركيا العام 1997 وما عرف بمذكرة 1997 العسكرية أو عملية 28 فبراير وتسمى أيضًا ثورة ما بعد الحداثة حيث تشير إلى القرارات الصادرة عن قيادة القوات المسلحة التركية في اجتماع مجلس الأمن القومي يوم 28 فبراير 1997 والتي بدأت عملية 28 فبراير التي عجلت باستقالة رئيس الوزراء نجم الدين أربكان من حزب الرفاه وإنهاء حكومته الائتلافية.

كما أجبرت الحكومة على الخروج دون حل البرلمان أو تعليق الدستور، وقد وصف الحدث بأنه "انقلاب ما بعد الحداثة" من قبل الأميرال التركي سالم درفيسوجلو، وهي التسمية التي تم إقرارها، ويُزعم أن العملية بعد الانقلاب نظمّتها باتي كاليسما غروبو (جماعة دراسة الغرب)، وهي جماعة سرية داخل الجيش.

في ظل كل هذه الإنقلابات التي شهدتها تركيا يطرح السؤال هل يكون الإنقلاب الذي جرى أخيرًا هو نهاية الإنقلابات في تركيا وما هي تداعياته على المنطقة ولبنان تحديدًا؟

مختلفة

يقول الكاتب والمحلل السياسي عادل مالك في حديثه لـ"إيلاف" إن هذه المرة أو ما أعلن عن وجود محاولة انقلاب يختلف عن سابقاته من الإنقلابات في تركيا، كما عرفنا أن حركات الإنقلابيين تقوم من الجيش ضد السلطة، في ما حدث حتى الآن، لكن يبقى ما حدث في تركيا أخيرًا حوله العديد من علامات الإستفهام، والتعجب، لأن الجهة التي أقدمت على هذه المحاولة تبقى مجهولة، ولم نعهد كما في العمليات السابقة وجود أو ظهور أي فريق يقود تلك الحركة الإنقلابية.

ويعتبر مالك أن الاستغناء عن الألوف من الموظفين تبقى ظاهرة غير مسبوقة، وما حكي عن الاستغناء عن خدمات ما يزيد عن 3 آلاف قاض في المحكمة، كلها أمور تشير إلى أن الإنقلاب هذه المرة في تركيا يختلف عن كل الحركات التي وقعت سابقًا، وفي تقدير مالك فإن ما توفر من معلومات يجعلنا نقول إنه كان بمثابة "إنقلاب القصر" بمعنى أنه غير مستبعد أن يكون رجب طيب إردوغان من ضمن منطلقاته الطموحة جدًا، لتثبيت وتركيز سلطته، وإحكام خطته على تركيا، أقدم على هذه العملية لتبرير "اتخاذ العديد من الإجراءات"، والتخلص من بعض الأفرقاء الذين يعارضون النظام القائم في تركيا.

تداعيات

عن تداعيات محاولة الإنقلاب الفاشلة على المنطقة ولبنان بصورة خاصة يرى مالك أن إردوغان يسعى دائمًا للتشبه بمصطفى كمال أتاتورك، باني تركيا الحديث، والتداعيات ستكون من خلال وضع تركيا ضمن حالة تجاذب تتعلق بمد وجزر بين سلطة إردوغان والأطراف المعارضة على الصعيد الداخلي، ويبقى السؤال هل يكون الإنقلاب الفاشل بداية إنقلابات معينة أم أنه عملية سحرية للقضاء على النظام، يعتبر مالك ان مثل تلك الأسئلة المفتوحة على كل الإحتمالات تتطلب الانتظار بعض الوقت، ولكن ما أعلن حتى الآن أن محاولة الإنقلاب جاءت "لتنظيف الإدارات العامة في تركيا"، وتكريس "الإردوغانية" في السلطة.

أما ماذا بالنسبة إلى لبنان، فيؤكد مالك أن لبنان بطبيعة الحال يهمه أن يكون على علاقة جيدة مع تركيا، بخاصة أن لبنان هذه الفترة يمر بأزمات مشتركة مع تركيا، في طليعتها قضية النازحين السوريين، حيث بدأت في تركيا ثم تحولت حركة النازحين السوريين إلى لبنان، من هنا يهم أن يرسخ لبنان صداقة معينة مع تركيا، كما يهم إردوغان شخصيًا، من منطلقات طائفية أو مذهبية، أن يحرص على إقامة أفضل العلاقات مع الطائفة السنية أو الطوائف الإسلامية بشكل عام في لبنان.
&