أرجع مستشار الامن الوطني السابق النائب العراقي موفق الربيعي، أسباب الانهيارات الامنية التي تعانيها بلاده الى طائفية المؤسسات الامنية التي اكد ان جسدها يعاني حاليا خمسة سرطانات أبرزها التأثيرات الحزبية والسياسية والجهوية والعشائرية ما ولد فوضى وعدم اختيار الكفاءات الجيدة وأنتج مشهداً امنياً مشوهاً.


أسامة مهدي: قال مستشار الأمن القومي السابق النائب الشيعي الحالي موفق الربيعي ان الواقع الأمني العراقي يعاني اورامًا سرطانية بعضها قديم يعود لما قبل عام 2003 واغلبها جاء بعد هذا التاريخ ومن اهم هذه الاورام حالة الفساد والترهل وتداخل المسؤوليات وغياب الجهد الاستخباري وعدم وجود إرادة سياسية حقيقية تعمل على تشريع القوانين التي تدعم المؤسسة الامنية وتحفظ هيبتها.

وشغل الربيعي عضوية مجلس الحكم بعد سقوط النظام العراقي السابق عام 2003 ثم عين مستشارا للامن الوطني لمدة خمسة أعوام بين 2004 و2009.

الجيش الجديد تشكل من قوات حزبية

جاء ذلك في محاضرة للسياسي الشيعي الربيعي خلال ندوة في بغداد عقدها "معهد التقدم للسياسات الانمائية" في بغداد وشارك فيها نخبة من الخبراء والمختصين وحصلت "إيلاف" على نصها حيث اشار فيها الى ان "غياب تكافؤ الفرص في النظام الأمني العراقي مع وجود طائفية ليس على مستوى القوات الأمنية انما في عموم العراق قد ادى الى نشأة القوات المسلحة على أساس طائفي بعد أن تم جمع كل القوات الحزبية وادخالها الى الجيش العراقي فنتج من هذا الاجراء الظروف التي نعيشها الآن".

واضاف أن "هناك حالة من التشابك بين الأجهزة وعدم وجود منهجية سليمة وادارة الحكم سيئة جداً &فضلا عن ذلك المآسي والخروق الأمنية التي تعرض لها ابناء الشعب"، مستعرضاً "تاريخ المؤسسة الأمنية في العراق وما تعرضت له من اختلالات في العقود الماضية".

ووصف الأجهزة الأمنية في زمن النظام السابق "بالعدائية وطبيعتها توسعية كما حصل في الحروب التي شنها النظام ضد دول الجوار اضافة الى انها لم تكن مهنية على الرغم من الادعاء بذلك بسبب العقيدة الدكتاتورية فالحزب (البعث) هو الذي يقود السلطة ولم يكن هناك ضباط مهنيون فهم كانوا يقاتلون خوفا وليس من اجل عقيدة وكانت تلك الأجهزة تحمل فكراً انقلابياً بسبب التركيبة البنيوية لها ..".

تضخم زائد عن الحاجة

ولفت الى ان "النظام استخدم الأجهزة الأمنية في قمع الشعب، وعلى هذه الخلفية جاء الاحتلال عام 2003 وكان يهدف إلى اسقاط السلطة بتعيين 20 ألف عنصر في المؤسسة الامنية ولكن سقطت الدولة ومؤسساتها وبهذا فقد تفككت الدولة العراقية وانهارت بنحو مريع بعد أن تم حل الجيش إما بقرار من الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق بول بريمر او انه هو حل نفسه".

وتابع الربيعي أن "العراق لم يكن حراً في اتخاذ قراره الأمني حتى عام 2012 انما كان بيد قوات الاحتلال .."، مضيفا انه "منذ عام 2006 شهدت القوات الأمنية تضخماً هائلا لم يكن يتناسب والحاجة الفعلية للبلد وصل إلى اكثر من 700 الف منتسب في وزارة الداخلية و17 فرقة في الجيش فأصبحت المؤسسة الأمنية وكالة للتوظيف فغلب الكم على حساب النوع من دون الاهتمام بالتسليح وسرعة الحركة لكي تكون قادرة على مكافحة الارهاب بالتوازي مع حفظ السيادة الوطنية". &

خمسة سرطانات

أشار الربيعي الى أن "هناك خمسة سرطانات اصابت جسد المؤسسة الامنية العراقية انتجت مشهداً امنياً مشوهاً في مقدمها الفساد المالي متمثلا بسرقة ارزاق القطعات الأمنية التي اصبحت تمثل مصدراً مالياً لبعض القادة والامرين فضلا عن الكثير من السلوكيات التي يتم فيها ابتزاز المواطنين ..".

واضاف "ان السرطان الثاني هو الفساد المالي والاداري المتمثل ببيع المناصب ووجود اعداد كبيرة من الفضائيين، اضف إلى ذلك غياب العقيدة عند المقاتل العراقي وعدم وضوح الرؤية لدى القادة وعدم قدرتهم على تشخيص العدو الحقيقي"، وقال إن "اجتياح داعش أربع محافظات عام 2014 يعد في احد جوانبه ايجابياً لانه وحد العراقيين وكشف مصدر التهديد الحقيقي وقلل من الشحن الطائفي في المجتمع وانقلب التحدي إلى فرصة لإعادة النظر في الواقع الأمني وبناء العقيدة لدى المقاتل، فيما كان السرطان الرابع هو غياب الانضباط في المؤسسة الامنية والعسكرية، والسرطان الخامس هو التأثيرات الحزبية والسياسية والجهوية والعشائرية ما ولد حالة من الفوضى وعدم اختيار الكفاءات الجيدة .. وكان متوقعا مع وجود هذه التحديات أن تؤدي إلى عدد من الاحتمالات أما ان تنتهي بانقلاب عسكري وهذا احتمالاته ضعيفة .. والثاني انتحار القائد العام للقوات المسلحة والاحتمال الثالث هو انهيار الجيش في اول مواجهة داخلية أو على الحدود وهذا الذي حدث في نكسة يونيو 2014" عندما احتل داعش ثلث مساحة العراق.

ولفت الربيعي إلى "عدم وجود هيكلية واضحة للامن الوطني بجميع مفاصله انما متشابكة ولا يوجد تحديد للوظائف والمسؤوليات بوضوح رافق ذلك عدم تشريع القوانين للمؤسسات الأمنية انما هي تسير على اساس الامزجة الشخصية فاصبحت المفاصل الأمنية تتغير بتغير الشخص المسؤول"، مشددا بالقول إن "كارثة الكوارث عدم قدرتنا على اختراق العدو معلوماتياً وهذا ناتج من غياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية وعدم وضوح المهام لكل جهاز ما ادى إلى حدوث حالة من التداخل والفوضى احياناً في الاداء الامني".

ودعا الربيعي إلى "اشراك المجتمع في العملية الأمنية كما يحدث في الدول المتحضرة لما لذلك من اهمية في حفظ الأمن من خلال توفير المعلومة السريعة والحقيقية عن أي حالة مشكوك فيها، وبالتالي نتمكن من المنع والحد من التخريب والارهاب"، متوقعاً أن "يتم تحرير الموصل في غضون ثلاثة اشهر أو قبل نهاية هذا العام في ابعد تقدير وفي اسوأ الاحتمالات في الربيع المقبل".

وأوضح أن "هناك بوادر تحسن واضحة لدى المقاتلين من خلال ارتفاع الروح المعنوية بعد ان تراجعت التدخلات الحزبية فالنكسة كانت بمثابة هزة عنيفة ..".. معرباً عن "امله في بذل جهود كبيرة لبناء جيش وقوات أمنية مهنية تقوم على أساس العلمية والتخطيط الاستراتيجي".

دعوة لإعادة النظر بالخطط الامنية
&
الى ذلك اكد الخبير الامني اللواء المتقاعد عبدالكريم خلف ضرورة اعادة النظر في الخطط الامنية من خلال توزيع الضباط والمنتسبين على المحلات السكنية بصفة استخبارات ولايسمح ببيع وشراء المساكن الا بموافقة ضابط استخبارات المحلة والقيام بعملية مراقبة لكل تحركات سكان المنطقة ومنحه صلاحيات مناسبة وتوفير ميزانية مناسبة.

وتساءل قائلا "هل من المعقول ان تكون ميزانية احد اجهزة الاستخبارات مليون دولار فقط في حين انه يحتاج الى 70 مليون دولار؟".

عدد من المشاركين في الندوة ابدوا ملاحظاتهم وطرحوا رؤاهم بشأن المشهد الامني وآليات الاصلاح&حيث دعا الدبلوماسي السابق غالب العنبكي إلى حفظ هيبة المؤسسة الامنية وعدم نعتها بنعوت سلبية ومنحها المزيد من الدعم لتحقيق نتائج افضل في عملية التحرير للموصل، مشددا على ضرورة توفير الامن الانساني لافراد المجتمع من خلال تشخيص الخلل واسباب تدهور الامن مع وجود انتصارات مهمة على داعش.

واقترح ان يكون هناك نائب عسكري للقائد العام.

اما محمد الحاج حمود الوكيل السابق لوزارة الخارجية فقد دعا الى ضرورة الانتباه الى تقارير سابقة لهنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي الاسبق تحدث فيها عن الحرب العراقية الايرانية التي ينبغي ان تحقق القضاء على جيشي البلدين وتدمير العقل والاقتصاد العراقي لتأمين اسرائيل، مبيناً ان رجال الدين الايرانيين الذين تسلموا السلطة استعملوا الدين لبناء الدولة، أما في العراق فقد استعمل الدين لتفكيك الدولة.

وأضاف أنّ ما قاله كيسنجر تم تطبيقه في حربي 1991 من خلال المذبحة التي تعرض لها الجيش العراقي عند انسحابه من الكويت، لذلك بعد عام 2003 كان الجيش ضعيفاً محطماً نتيجة ما اراده كيسنجر ثم ما ارادته القوى السياسية.

من جهته اشار ابراهيم العبيدي المستشار في وزارة الخارجية إلى ان الجيوش المهنية في كل دول العالم تضمن سيادة البلاد، داعياً إلى اختصار الاجهزة الامنية إلى ثلاثة وتعزيز الجهد الاستخباري في دول الجوار.

الدكتور كريم شغيدل استاذ جامعي اوضح ان الخلل ليس في الاشخاص انما في بنية الدولة فنحن دولة مكشوفة الظهر بسبب عدم وجود القدرة على اختراق التنظيمات الارهابية استخبارياً لعدم وجود جهاز مخابرات فاعل فالسفارات العراقية لا تمثل الدولة انما تمثل احزابها وغير قادرة على استقطاب مواقف داعمة للعراق.

الدكتور عبدالله البندر الخبير الاقتصادي قال ان ما اراده الاميركيون تحقق في العراق من خلال تفكيك الجيش واتلاف قاعدة البيانات فاعادوا العراق الى 50 سنة الى الوراء فقد تم نهب الاسلحة فتحول المجتمع الى ساحة مسلحة، مشددا على ان السيادة العراقية ما زالت منقوصة فاميركا تسيطر على كل شاردة وواردة، داعياً الى التخلص من المحاصصة قبل الحديث عن بناء منظومة امنية ناجحة.

اما الاعلامي علي رمضان فقد اشار الى وجود حالة من الترهل في الاجهزة الامنية من خلال عدم استعمال الاعداد الكبيرة من منتسبي الشرطة في تحقيق الامن المناطقي، بينما اكد عصام عباس ضرورة وضع استراتيجية للامن القومي العراقي وهي مهمة جداً كان يجب تطبيقها لانها متكاملة ولا يمكن العمل من دون وجود استراتيجية واضحة للامن في العراق.