القاهرة: غالبا ما تؤرق امتحانات الثانوية العامة الاسر المصرية وابناءها لكن الأمر تحول الى خوف على المستقبل هذه السنة بالنسبة الى اعداد كبيرة من الطلاب ومن بينهم مريم خالد، بعد تسريب الأسئلة على شبكة الانترنت.

تقول مريم ابنة الثامنة عشرة والطالبة في مدرسة خاصة في القاهرة لوكالة فرانس برس "تسريب الامتحانات اضاع مجهودي طوال العام وساوى بيني وبين من لم يذاكر على الاطلاق".

شعرت مئات الالاف من الاسر المصرية بالغضب اثر نشر صفحات على فيسبوك الاسئلة والاجابات النموذجية لعدة امتحانات زاعمة انها تهدف لاجبار المسؤولين على اصلاح التعليم ما دفع السلطات لالغاء بعض الامتحانات واعادة جدولة اخرى.

وتشرح مريم وهي تغالب دموعها وتعدل من غطاء رأسها أسباب غضبها بقولها، "كان هناك طلاب في لجنة الامتحان يعلمون الاسئلة مسبقا واخشى ان يحققوا نتائج افضل مني وان يضيع حلمي بدراسة الهندسة".

يصنف المصريون كلية الهندسة ضمن "كليات القمة" التي يتطلب الالتحاق بها الحصول على معدلات عالية وتشمل الطب والصيدلة والاقتصاد والعلوم السياسية والاعلام اذ يسود الاعتقاد بان خريجي هذه الكليات يحصلون على افضل فرص للعمل والارتقاء الاجتماعي.

هناك 483 الف طالب مسجل بالثانوية هذا العام، بحسب الارقام الرسمية، وتنفق الاسر المصرية الاف الجنيهات على تعليم ابنائها سنويا املا في تمكينهم من الالتحاق بالتعليم الجامعي وخصوصا بكليات القمة.

واحتج مئات الطلاب غداة قرار اعادة الامتحانات امام مقر وزارة التعليم في القاهرة رافعين لافتات كتب على احداها "دفعة الظلم 2016". وطالب الطلاب الغاضبون باقالة وزير التعليم قبل ان تفرقهم الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع بعد صدامات قصيرة.

ويقول الخبير التربوي والباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية الحكومي كمال مغيث ان "مشهد التعليم في مصر الان فوضوي وعبثي والفساد مكون اساسي فيه".

ويضيف لفرانس برس ان التظاهرات التي حدثت بعد تسريب الامتحانات وقرار وزارة التعليم اعادة بعضها "هو احتجاج واسع للطلاب وقوى المجتمع على نظام تعليمي فاشل لا يعلم شيئا ومع ذلك يستنزف طاقة واموال الاسر لسنين".

وتقول مريم خالد "كنت استعد طوال حياتي لهذا الامتحان لاحدد مستقبلي. الان اشعر بظلم شديد"، مسترجعة كيف دخلت لتنام بعد امتحان الديناميكا ثم استيقظت لتعرف أن الامتحان الغي وعليها اعادته. 

ثورة الطلاب والتكنولوجيا

وتشكو الاسر المصرية من ان تدني مستوى التعليم في المدارس عموما يضطرها لالحاق ابنائها بدروس خصوصية تنفق فيها الاف الجنيهات سنويا.

وتقول علا محفوظ، والدة الطالبة مريم، ان "الاسرة كلها كانت مضغوطة ماليا بسبب الثانوية العامة. توفير مصروفات المدرسة والدروس في الظروف الاقتصادية الحالية امر ليس سهلا".

واضطرت اسرة مريم لتوفير نحو 3 الاف جنيه شهريا (337 دولارا) على مدى تسعة اشهر لتوفير دروس خصوصية لابنتها لبلوغ حلمها رغم ان والدها يعمل في مجال السياحة المتضرر اقتصاديا بالفعل.

وافاد اولياء امور آخرين انهم دفعوا مبالغ مقاربة لابنائهم لضمان نجاحهم بدرجات مرتفعة.

وفي حال عدم تحقيقها النتيجة المرجوة، لا يزال بامكان مريم التي تعيش قي قلق بالغ هذه الايام الالتحاق بكلية هندسة في جامعة خاصة لكن الامر سيكبد الاسرة تكاليف باهظة.

وقال مغيث "نظام التعليم لم يتغير ولا يزال مجرد كتاب وامتحان وواجب مدرسي رغم الامكانيات الهائلة التي تتيحها الوسائل التكنولوجية التي توفر الوقت والجهد. هناك صراع بين عقلية القرن الماضي البيروقراطية والعقلية الحديثة المعتمدة على التكنولوجيا".

لكن الطلاب يستخدمون التكنولوجيا للغش ومنها سماعات بلوتوث وتطبيقات الهاتف المحمول. 

وبجوار عبارة "ثورة الطلاب" على جدار الوزارة، اعترفت طالبة محجبة تدعى خلود انها اطلعت على "اسئلة واجابات مادتي الاقتصاد واللغة الفرنسية قبل دخول الامتحان" عبر هاتفها المحمول وهو ما قالت انه انقذها من صعوبة الامتحان. 

مطالب بالتطوير

ووعد وزير التعليم المصري الهلالي الشربيني مطلع تموز/يوليو ب"تغيير اسلوب تداول الاسئلة والاجوبة في ما يتعلق بالثانوية العامة اعتبارا من العام القادم" لمنع تسريب الامتحانات.

واوقفت السلطات مسؤولين في وزراة التعليم كما قررت الحكومة نهاية الشهر الفائت طباعة الامتحانات في مطابع جهات سيادية (امنية)" لضمان عدم تسربها.

ونشرت صفحات تسريب الامتحانات على فيسبوك مطالب محددة لتطوير التعليم في مصر ومنها صفحة باسم "شاومنج" طالبت ب"رفع اجور المدرسين وتطوير المناهج لتتناسب مع متطلبات سوق العمل".

ويشكو الخبراء من انعزال التعليم في مصر عن سوق العمل حيث بلغت نسبة البطالة نحو 12.77% في الربع الاخير من العام 2015 وفق ارقام الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء. فيما بلغت النسبة 27.6% بين الشباب. 

 وقال الخبير مغيث ان "النظام التعليمي المصري يختزل التعليم كله ومستقبل الطلاب في امتحان الثانوية العامة".

ويؤدي ذلك مع الاعتماد على اسلوب الحفظ والتلقين الى شيوع ظاهرة الدروس الخصوصية وهو ما يعطي فرصا اكبر لابناء الميسورين على حساب الفقراء.

هذا الواقع الطبقي دفع الطالب احمد هشام (18 عاما) الى تاييد تسريب الامتحانات التي حصل على عدد منها عبر مجموعة محادثة على تطبيق واتس اب، اطلع عليها فرانس برس.

وقال هشام المقيم في حي شبرا الشعبي ويعمل والده حرفيا ان "اولاد الاغنياء يشترون الامتحانات فلماذا الان الاعتراض على التسريب. هذه مساواة في مجتمع ظالم وفاسد".