أعلنت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة في المغرب أن العاهل المغربي الملك محمد السادس، سيوجه السبت، خطابا إلى الشعب المغربي بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لعيد الجلوس. كما يترأس زوال اليوم نفسه، بالمناسبة نفسها، حفل استقبال في مدينة تطوان.

إيلاف من الرباط: قال بيان صادر عن وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة إنه بمناسبة، حلول الذكرى السابعة عشرة لتربع الملك محمد السادس على الحكم "سيبث خطاب العرش السامي" على أمواج الإذاعة وشاشة التلفزيون ابتداء من الساعة العاشرة صباحا. وسيترأس الملك محمد السادس، يضيف البيان، زوال اليوم نفسه، حفل استقبال في ساحة قرب المدينة العتيقة في مدينة تطوان. 

وفي مساء اليوم نفسه، ستترأس الأميرات المغربيات مأدبة العشاء التي سيقيمها الملك محمد السادس، في قصر مرشان في مدينة طنجة، تكريما للسيدات المدعوات. 

واشار البيان الى ان الملك محمد السادس القائد الاعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية سيترأس زوال يوم الاحد في ساحة مشور القصر الملكي في مدينة تطوان حفل أداء القسم الذي سيؤديه أمامه الضباط المتخرجون الجدد من مختلف المدارس والمعاهد العسكرية وشبه العسكرية والمدنية.

وسيتلقى الملك اثر ذلك، تهاني القوات المسلحة الملكية في نادي الضباط في مدينة تطوان، ويستقبل الضباط المتفوقين المتخرجين الجدد من مختلف المدارس والمعاهد العسكرية وشبه العسكرية والمدنية، حيث ستقام مأدبة غذاء بهذه المناسبة. 

وفي الساعة الرابعة والنصف من عشية الاحد، سيترأس الملك محمد السادس حفل الولاء في ساحة مشور القصر الملكي في مدينة تطوان. وهو الحفل الذي يقدم فيه وزير الداخلية والولاة والعمال (المحافظون) وعمد المدن ولاءهم للعاهل المغربي. 

خطاب عيد الجلوس.. التركيز على المستقبل 

ودأب الملك محمد السادس، منذ توليه الحكم صيف عام 1999 على أن تتسم خطبه في ذكرى أعياد الجلوس بالتركيز المكثف على آفاق المستقبل. لا يضمنها، إلا في ما ندر، تفاصيل إضافية عن إنجازات السنة المنصرمة، على اعتبار أنها كانت مبرمجة وتم تحقيقها بالصورة المثلى، وبالتالي لا يوجد ما يبرر العودة إليها والإطناب في الحديث المفصل عنها، ما دامت تشكل خاتمة مرحلة وإيذانا بتدشين أخرى، لها برامجها وأولياتها ومخططاتها وأهدافها التنموية، سينكب ملك المغرب خلال السنة الموالية على تنفيذها والحرص على إنجازها الفعلي، وفق المواصفات التي تم تحديدها وصادق عليها الملك والحكومة.

ولا يجادل أحد في أن المغرب أصبح ورشا تنموية مستدامة على مدار الأيام، تشهد عليها اشغال كبرى تستفيد منها مختلف مناطق البلاد في الجهات الأربع من المملكة التي عرفت، بشهادة الملاحظين، عدالة مجالية غير مسبوقة ،ألغت التصنيف الاستعماري للمغرب النافع وغير النافع.

والحقيقة أنه مهما يكن حجم خطاب الملك في مناسبة وطنية مهمة مثل ذكرى الجلوس، فإنه لا يمكن أن يستوعب تعداد كل المشاريع المكتملة أو التي في طور الانجاز وإعطاء تفاصيل كافية عما تحقق على أرض الواقع؛ لذلك جرت العادة أن تتمحور خطب عيد الجلوس على مشاريع المستقبل ورسم ملامح السياسات المزمع تنفيذها، التي يستفيد منها المواطنون، وهي سياسات شاهدة على إرادة راسخة في ديمومة الإصلاح.

عزيمة تحقيق الإصلاح وديمومته

التوجه بعزيمة نحو الإصلاح، حاضر في صميم اهتمامات الملك محمد السادس وانشغالاته منذ الوهلة الاولى لتوليه الحكم، لذلك أثار إعجاب الداخل والخارج، إن لم يكن اندهاشهما.

ومن الواضح أن العاهل المغربي لا يعرف الراحة والتردد بخصوص الإكثار من مشاريع تنموية من شأنها تغيير وجه البلاد ونمط حياة المغاربة. لا تحد من طموحه الإكراهات المالية. لعله يؤمن بفكرة أن السياسات الناجعة والبرامج المدققة والرؤيا الصحيحة، هي التي تجلب الحصة الأكبر من الرأسمال اللازم لتمويل المشاريع الطموحة تأتي الخيرات من حيث لا يحتسب الناس حتى صار المغاربة يتداولون عبارة "من أين أتتنا كل هذه البركات؟". 

وما يثير الإعجاب حقا، في نهج ملك المغرب، ليس ضخامة المشاريع التي أطلقها وكلفتها الباهظة التي تتجاوز إمكانيات البلاد المتواضعة، وفق الحسابات والتقديرات الاقتصادية؛ وإنما في القدرة على إنجاز كل الورش الكبرى في مواعيدها المحددة الآجال وقبلها في بعض الأحيان: فلا تأخير ولا إبطاء ولا تراجع، إلا أمام الصعاب الفنية أو الطبيعية التي تنبع فجأة مخالفة توقعات التصاميم الهندسية.

وإذا ما حدث عائق ما، فإن الملك يواجه الحقيقة ويتصدى لها باتخاذ كل الإجراءات الكفيلة باستمرار العمل، واضعا حدا للتكهنات بشأن وتيرة السير والسرعة في المشاريع المؤجلة وهي على العموم قليلة جدا، تلك التي يعوق سيرها الطبيعي وتقدمها أسباب خارجة عن الإرادة ما يتطلب إعادة النظر في سقفها الزمني.

وإذا ما قسمت المنجزات الاقتصادية والاجتماعية المحققة في المملكة المغربية منذ تولي الملك محمد السادس مقاليد السلطة، وتم توزيعها على مدى السنوات ال 17 التي قضاها الملك محمد السادس على كرسي الحكم، فإن كل سنة ستنال بالقطع نصيبها الوافر من المجهود التنموي الكبير، بل إن بعض السنوات يزخر بحصص استثنائية تفوق التوقعات وانتظارات المغاربة.

جدلية الداخل والخارج.. والقرب من الشعب

أطلقت وسائل الإعلام على ملك المغرب وصف "ملك الداخل" وهو لقب لا يبدو ان الملك يتضايق منه أو ينزعج، بل يعتز به. وهناك مرادفات أخرى باتت مألوفة في الأدبيات السياسية بالمغرب وعلامات مميزة لعهد وارث الملك عن والده الملك الراحل الحسن الثاني.

 لقد شهدت المملكة المغربية في عهد محمد السادس إصلاحات هيكلية عميقة مسّت بنيات النظام وهياكله السياسية، وتبلورت في علاقة مغايرة بين الحاكم والمحكومين، قوامها القرب من الناس والإصغاء إلى مشاكلهم ونبضهم، بكيفية مباشرة، عبر استثمار عدة وسائل للتواصل توفرها التكنولوجيا الحديثة، إذ أصبح في إمكان أي مواطن مغربي ومن أي مكان، إيصال صوته إلى السلطة العليا في البلاد، من دون تهيب أو خوف.

أصبح اللقاء المباشر بالناس مكملا لوظيفة القنوات التمثيلية التقليدية التي تمارس من جهتها الأدوار الدستورية الموكولة إليها على مختلف الصعد: المؤسسة التشريعية، هيئات المجتمع المدني، مجالس المراقبة والمنافسة، حقوق الإنسان، ديوان المظالم، جهاز محاربة الرشوة والغش.فهذه مؤسسات بعضها منصوص عليه في دستور 2011 ، وهي وإن كانت ذات طابع استشاري، فان بعضها يتمتع بأكثر من سلطة الاقتراح، وجرت العادة أن يوافق الملك على مجمل توصياتها ومقترحاتها التي ترفعها إليه للبت النهائي فيها، وأحيانا لطلب تحكيمه حينما تتعارض مواقف الفاعلين فيها بشأن سياسات معينة. 

جدير بالذكر أن سياسة القرب من الشعب وفئاته المستضعفة التي اختارها ويشدد عليها الملك محمد السادس في الكثير من خطبه وسياساته، تتسم بالتلقائية والتعاطي الإنساني الواضح مع الأوضاع الصعبة التي تستوجب الرأفة والرحمة والمساندة من لدن السلطات الرسمية وكذا من الأفراد الميسورين.

إن مبادرة التنمية البشرية "التي أطلقها الملك منذ سنوات، هي النموذج والمثال الحي للشراكة الثلاثية الناجعة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. مبادرة أدمجها الملك في صميم السياسات الحكومية، فتحولت إلى مدرسة للتكوين وللتنافس بين جهات المملكة على التدبير الأمثل والمعالجة الميدانية، بعيدا عن الممارسة البيروقراطية، للصعوبات المحلية التي يعانيها السكان وخاصة في المناطق البعيدة التي تفتقد ضرورات العيش الكريم.

رابط وجداني قوي يربط المغاربة بملكهم

 في هذا السياق لا يمكن لملاحظ، مهما كان موقفه من نظام الحكم في المغرب، الإدعاء أن عاهل البلاد ، يبغي من وراء اهتمامه بقضايا الناس البسطاء، كسب شعبية زائدة أو التفاف الجماهير حوله، فالواقع أن رابطا وجدانيا قويا، يربط المغاربة بملكهم، يجسده تدافع الحشود الشعبية كلما اقترب الملك منها وظهر بينها ؛ تتسابق للسلام عليه وتحيته، وفي بعض المرات الاقتراب منه لأخذ صورة معه ، فيبادلها المودة وينزل إليها مصافحا ومطمئنا إليها ، متجاوزا قيود البروتوكول.

الإقدام على الخطوة الثورية الجريئة

لقد وافق الملك في عام 2011 في خضم هياج الشارع في العالم العربي، على تمكين البلاد من وثيقة دستورية متقدمة مقارنة مع جميع المشاريع الدستورية التي استفتي المغاربة بشأنها منذ استقلال بلادهم عام 1956.

ورغم ان الحراك المغربي خلال فوران الربيع العربي، لم يطالب بتعديل الدستور أو استبداله بوثيقة أخرى. اذ انحصرت شعارات المحتجين في مطالب معقولة تتمثل في الكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق ومحاربة الفساد في كل تجلياته ومظاهره. لكن الملك محمد السادس، الراغب قبل الشارع في التغيير والقفز ببلاده نحو المستوى اللائق، وجد في شعارات المحتجين سندا لما يفكر فيه، ودليلا على حيوية المجتمع المغربي واستعداده لطي المراحل، سواء لدى فئة الشباب، أو القوة الحية في المجتمع. 

وعندما أيقن الملك محمد السادس من ذلك المعطى، وأن الشعب يقف الى جانبه، لم يتردد في الإقدام على الخطوة الثورية الجريئة، ففاجأ الجميع بخطاب تاريخي أعلن فيه إلغاء دستور 1996، واسند كتابة الدستور الجديد إلى لجنة ضمت تعبيرات المجتمع الحزبية والنقابية والحقوقية والدينية والأكاديمية وأهل الخبرة.

كان من الممكن في ذلك السياق المحتقن، أن يسن ملك المغرب تدابير استثنائية ويماطل في الإصلاحات وينتظر هدوء العاصفة. تصرف ملك المغرب خلاف بعض الأنظمة التي اشتعلت الحرائق في بلدانها، فحقق بالفعل الاستثناء المغربي.

تضمن الدستور الجديد الذي صادق عليه المغاربة بنسبة عالية، من خلال اقتراع حر وشفاف، بنودا جريئة وغير مسبوقة، تمثلت في تنازل الملك الطوعي والإرادي عن الكثير من صلاحياته المهمة، مقتسما السلطة مع رئيس الحكومة، التي تستمد ثقتها من نواب الأمة في غرفتي البرلمان.

لقد تضمن الدستور الجديد إيجابيات كثيرة، واضعا البلاد في مرتبة الأنظمة الديمقراطيات الحديثة، لدرجة أن فئات عريضة من المغاربة، يسود لديها اعتقاد أن الدستور الجديد يفوق الواقع السياسي بدليل التعثر في تطبيق كل بنوده.

وثمة حقيقة أكيدة مفادها ان إقامة الحياة الدستورية الطبيعية، تشكل أحد رهانات الملك محمد السادس. ولا تختلف الورشة الدستورية في عمقها عن الورش التنموية الكبرى. فيه ومنه يتدرب المغاربة من خلال نخبهم السياسية على ممارسة الفعل الديمقراطي الذي لا يسلم من عثرات الطريق.

 

تمرين ديمقراطي جديد 

بعد فترة وجيزة، سيخوض المغرب والمغاربة، تمرينا جديدا في الديمقراطية. ستتنافس القوى الحزبية والفاعلون السياسيون في ما بينهم من أجل الفوز بتفويض الناخبين لهم لتمثيلهم في المؤسسة التشريعية. لا يوجد ما يشير الى أن تجربة السنوات الخمس الماضية، كشفت عللا بنيوية في الدستور الحالي، علما أن التحولات العميقة الجارية في العالم، تتجاوز التشريعات والقوانين كيفما كانت مهارة الذين صاغوها.

في غضون السنوات الخمس المنصرمة، تمكن المغرب من عبور الجسر الصعب نحو الاستقرار وتثبيت الديمقراطية. تجاوب الملك مع حكومة لم يعرف المغرب مثلها من قبل فقد رأسها حزب إسلامي معتدل ، تفهم بدوره إشكاليات البناء والانتقال السياسي، فكانت الحصيلة أن المغرب أحسن حالا مما قبل 2011 على كافة المستويات. وما يجري في المجتمع، بكافة التعبيرات بما فيها المتطرفة، يندرج ضمن سياق الحراك الاجتماعي المشروع ، الذي يشكل أحد بهارات الديمقراطية.

في خضم هذا المشهد المغربي الزاخر بالتحولات والإنجازات، يحتفل المغاربة بالذكرى السابعة عشرة لارتقاء عاهلهم عرش البلاد ، في أجواء الوئام الاجتماعي والتوافق على ما يوحد الأمة.فقد استطاع المغرب بوحدته قهر الكثير من تحديات الداخل بالمعالجة المتبصرة.

ويجب الاعتراف بأن تحدي الخارج، يبقى الأصعب والأخطر، وبالتالي يتطلب تلاحما وطنيا لإفشال مخططات تستهدف النيل من تجربة المغرب الواعدة والمبشرة بوضع أفضل ومستقبل أكثر تفاؤلا، وتستهدف ايضا النيل من وحدة ترابه التي تعتبر بالنسبة للمغاربة مسألة حياة او موت.