إيلاف من بيروت: إلى أمس قريب، كان اللبنانيون يرنمون صباح في «تسلم يا عسكر لبنان» في الاول من أغسطس. لكن المشهد انقلب اليوم، وأصبح المعلنون أسياد الساحة.

أخطأ من اعتقد

من يقول إن الاسفاف اللبناني متوقف في بعض الفنون، أو شبه المسرحيات، أو في برامج تلفزيونية بعينها، فهو على خطأ، فما حلّ في عيد الجيش اللبناني في هذا العام أمر لا يمكن إلا التوقف عنده.

فقد عمّ الاسفاف الاعلام في الأول من أغسطس على نحو لم يشهد له اللبنانيون مثيلًا منذ أعوام، فاحتل الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، وتراسله الناس من خلال واتسآبهم بشكل كثيف. ومن شهد هذا الفيض من الاعلانات المباركة للجيش عيده، وتوجيه التحيات المباركات للجندي اللبناني، أدرك أي درك وصل إليه الاعلام والاعلان اللبنانيَّان، بعد عزّ طال الإقليم والخليج وما بعدهما. فالاعلانات هذه تنزف إبداعًا مبتذلًا، وصل الأمر بأصحابه إلى وصف الجيش اللبناني بـ"شاوي الأعداء" في إعلان لمطعم لبناني معروف، لا يسع الجندي اللبناني أن يتذوق من لائحته العامرة ولو "سندويشًا" واحدًا.&

إبداع مذبوح

"يا شاوي أعدائنا"... هذا واحد من كثير، لكنه دليل دامغ على أن الانحدار وصل باللبناني إلى حدود "الدعوشة" بالشيّ وبالنار، متناسيًا أن هذا المسلح على ثغور البلاد إنما هو جندي نظامي لا يشوي أحدًا، بل يقاتل بشرف، ذودًا عن وطنه لبنان!

وهكذا دواليك... تقاطرت الاعلانات، وتنافست الشعارات والـ "تاغلاينز" على كسب ودّ العماد قائد الجيش، وضباطه، في تذلل ليس بعده تذلل، وتهافت ليس بعده تهافت، ما حدا بقيادة الجيش نفسها إلى غسل يدها من هذه الدماء المراقة على مذبح الـ"كريياتيفيتي" المطعونة في صميمها، إذ صارت الخوذة إبريق شاي أو رغيف "هامبرغر"، وسادت ألوان المجوقل فكانت مرة حزام أمان، ومرة غطاء سرير، ومرة أداة لترويج "ماكياج" مموه على وجه حسناء، أو "فوندايشن" مموه بما أن الجيش هو الـ"فوندايشن" الوحيدة الصامدة في وجه الريح.&

الخطيئة

أشد ثلاثة إعلانات سوءًا في هذا الهرج والمرج كان إعلانًا يحمل شعار "يحميك الربّ" في تلاعب سفيه بالكلام بين الربّ الإله وربّ البندورة، وآخر يصوّر أقلام رصاص هي "رصاص فردك" أي مسدسك. أما ثالثة الأتافي فكانت مباركة إحدى المؤسسات الكبرى التي لا شك في أنها تستعين بوكالة دعاية كبرى، التبست عليها صورة جندي، فاستخدمت صورة إسرائيلي مكان اللبناني، وحمّلت الاعلان رسالة "عميقة": "خلي عينك علينا يا بطل".

لم يكن هذا خطأ، بل خطيئة مميتة. ولو كان في هذه البلاد دولة ومؤسسات، لكانت قامت القيامة وما قعدت إلا وقد أقفلت المؤسسة هذه، وأحيل أركانها على التحقيق في مسألة تستحق النظر. لكن الأمر مرّ مرور الكرام، وكأن شيئًا لم يكن، حتى أن تلك الشركة ما تجشمت عناء إلغاء الاعلان أو استبدال الصورة، بل اكتفت بتحميل أحد عمالها المكلف متابعة نشاط الشركة على مواقع التواصل الاجتماعي وإقالته من وظيفته.

&