يتسبب الجليد المتساقط على شبكات الطرقات السريعة في ألمانيا بآلاف الحوادث سنويًا، ويساهم بتآكل الأسفلت سريعًا، كما وتستخدم أطنان الأملاح لمنع انزلاق السيارات والمارة عليه.

برلين: خصصت ولاية الراين الشمالي فيستفالن الألمانية مبلغ 13,8 مليار يورو لإصلاح وتوسيع الطرقات السريعة والجسور والسكك فيها، وتركزت الإصلاحات حول مدينة كولون، التي تعتبر الممر الأساسي إلى هولندا وبلجيكا ولوكسبورغ وانكلترا. وفي إطار مد شبكة الطرقات السريعة في الولاية تم تخصيص مبلغ 6,8 ملايين يورو لبناء أول "طريق مكيّف سريع" في ألمانيا.

وسيجري بناء هذه المسافة التجريبية من الشارع الحار في منطقة تقع شرق مدينة كولون قرب الطريق السريع 3. تبلغ مساحة قطعة الطريق المذكور 25 ألف متر مربع تشكل طريقاً حديثاً من ستة خطوط. وتعتبر دائرة بناء الشوارع المشروع تحدياً علمياً، لأنها تنوي تسخين الاسفلت من المياه الجوفية الدافئة. وهذه المياه لن يجدها المرء على عمق بسيط في ألمانيا كما هي الحال مع ايسلندا، التي سبقت الجميع ببناء مثل هذه الطرقات السريعة بفضل أرضها البركانية، التي تجري تحتها المياه الجوفية الساخنة على عمق بسيط.

وذكر كريستوفر غيرهارد، رئيس المشروع، أنه يتوقع أن يفتتح الطريق الدافئ السريع أمام السيارات في صيف العام 2017. وأضاف ان تدفئة الأسفلت بالمياه الجوفية الدافئة سيحرص على ابقاء درجة حرارة سطح الطريق أعلى من 5 مئوية، وهي ضمانة على ذوبان الثلج المتساقط عليه في الحال وعدم حصول طبقة جليدية ملساء تؤدي إلى الحوادث.

طريق مكيّف

ويؤكد جيرهارد ان فرق المشروع الألماني عن المشروع الايسلندي هو أن الطريق التجريبي قرب كولون سيكون"مكيفاً" وليس مدفأ فقط، بمعنى إمكانية تسخينه في الشتاء لدرء خطر الجليد، وتبريده صيفاً ضد الشمس الحارقة.

وكما هي الحال مع البيوت والأبنية وملاعب كرة القدم...إلخ، التي تستخدم المياه الجوفية الحارة في تدفئتها، ستستخدم المضخات في سحب الماء من جوف الأرض، ومن ثم توزيعه في شبكة من الأقنية المعدنية التي لا تصدأ تحت الأسفلت. ويعاد الماء، بعد ان يبرد بفعل التماس من الاسفلت البارد، إلى جوف الأرض ليتم ضخ مياه حارة جديدة إلى الأعلى.

في الصيف يجري خزن الماء لفترة قبل سطح الأرض بقليل كي يبرد، ثم يمرر تحت الأسفلت في الأنابيب، وبشكل يمنع ارتفاع حرارة سطح الأسفلت إلى 35 درجة. إذ من المعروف ان الاسفلت يبدأ بالذوبان شيئاً فشيئا مع كل زيادة درجة مئوية بعد 35 مئوية. ومن الممكن هنا وقف المضخات في الصيف واستخدام مياه الامطار المخزونة قرب الطريق السريع المكيف.

ويتوقع المهندسون أن يصمد أسفلت الشارع المكيف 30 سنة قبل ان تستجد الحاجة لترميمه، وهذا أعلى من حياة الطرقات السريعة الأخرى. وهو اقتصاد بالتكاليف أيضًا، لأن ولاية الرالين الشمالي فيستفاليا تخصص سنوياً 35 مليون لترميم الطرقات السريعة منذ 22 سنة، إضافة إلى 139 ألف طن من الملح الذي ترش به هذه الطرقات سنوياً.

الجسور الذكية

ومن المتوقع أن يمتد الطريق السريع فوق شوارع أخرى وأودية، ولهذا فقد حسب المهندسون حساب بناء الجسور التي تمر عليها السيارات. وستكون هذه الجسور مزودة بأجهزة استشعار ومجسات تقيس الرطوبة وتخبر أيضاً عن أي صدع صغير يحدث فيها. وهذا مهم لأن جسور الولاية على الطرقات السريعة "الأوتوبانات" أصبحت قديمة.

أطلق جيرهارد على هذه الجسور اسم "الجسور الذكية"، لأنها تطلق انذاراً في دائرة بناء الطرق عند تعرض الجسور إلى صدوع أو أضرار خطيرة. وستكون لهذه الجسور الذكية أهمية كبرى مستقبلاً قرب الشركات الكبرى في مدينة كولون، مثل باير وفورد، التي تستخدم شاحنات ضخمة وثقيلة في نقل بضائعها. إذ يمكن أن يخبر الجسر الذكي عن حمولة الشاحنات وما إذا كان مجازاً لها العبور على هذا الجسر أو ذاك.

أسفلت "هامس"

هذا يبشر بدخول عصر شبكة الطرقات السريعة البيئية، لأن الطرقات المكيفة ستستخدم طاقة طبيعية، صغيرة وغير مكلفة، لإطالة عمر الطرقات، وتقليل مخاطرها. وسيستغل المهندسون فرصة بناء قطعة الطريق الحديثة لتجربة أنواعاً جديدة من الأسمنت (الطبقة الدنيا من الشارع) والأسفلت.

وفي النية تجربة كساء جديد (أسفلت) للشوارع يعمل على كتم الضجيج الصادر عن احتكاك الإطارات بأرضية الشارع. وتقول شركة "أم بي بي"، التي طورت الاسفلت "الهامس"، انه يقلل الضجيج الصادر عن احتكاك إطارات السيارات بمقدار 5 ديسبل (وحدة قياس الضجيج). واعتبر الباحثون هذا القدر كبيراً بالنظر إلى أنه يعني كتم ربع الضجيج الصادر عن الشارع. ويأملون من خلال مشروع للتبليط الجديد والإطارات الذكية والحواجز المانعة للصوت في تقليص الضجيج الصادر عن الطرق السريعة إلى النصف.

تطرح شركة "بي بي م" مادة أسفلت ثنائية الطبقات، مسامية، مرنة وتنفتح ثقوب مساماتها إلى الخارج. وتسمح الطبقة العليا من المادة بمرور الهواء والماء بكافة الاتجاهات، لكنها لا تسمح بوجود الهواء داخل ثقوبها. وتتكون الطبقة الثانية من مادة حبيبية مضغوطة تسمح بتكون غرف هوائية تحتها تمنع تسرب الهواء مجدداً منها إلى الأعلى، لكنها تسمح بتسربه إلى التربة. وهكذا يتسرب الهواء المضغوط بين الإطار والشارع، أي الضجيج، إلى الغرف الهوائية في الأسفل وتتولى الطبقة السفلى كتمه.

علاوة على ذلك فإن الطبقة العليا لا تسمح لذرات التراب والأملاح بالتراكم عليها وتعمل على تسريبها عبر المسامات إلى الأرض. كما تسمح الطبقتان بمرور ماء المطر تماماً وصولاً إلى التربة التي عبّد عليها الطريق. وهناك مشكلة واحدة في مادة "الاسفلت" الجديدة، وهي أنها ملائمة تماماً للطرقات السريعة فقط. إذ ثبت أن الطبقة العليا لا تنظف نفسها من ذرات الغبار وغيرها إلا عند مرور السيارات عليها بسرعة تتجاوز 50-70 كيلومترًا في الساعة.&