بيروت: أصدرت محكمة جنايات بيروت قرارها في إحدى أشهر قضايا قتل النساء في لبنان، وهي قضية منال العاصي، وكانت منال قضت على يد زوجها بشكل بربري بحضور أمها وأشقائها، وقد ردّ الزوج فعله بأنه كان في فورة غضب شديد، لاعتقاده بأن زوجته تخونه، قبلت المحكمة العذر المخفف وخفّضت العقوبة، من هنا بادر المجلس النسائي اللبناني إلى إرسال عريضة مطلبية للضغط باتجاه تمييز الحكم المُخفَّف الصادر بحق محمد النحيلي، قاتِل زوجته منال العاصي، وتشديده، وذلك بعد أن صدر الحكم عليه الشهر الفائت بالسجن 5 سنوات فقط.

وكان ناشطون نفّذوا اعتصامًا بتاريخ 20 يوليو أمام وزارة العدل للمطالبة بتمييز الحكم، بحضور عدد من أهالي ضحايا العنف الأسري.

منال لم تكن الأولى ولا الأخيرة في سلسلة العنف الأسري على النساء في لبنان، فمنذ يومين دُفنت ميمونة أبو العائلة (20 عامًا) في بلدتها فنيدق العكارية، هذه الشابة التي لم يمضِ على زواجها أكثر من سبعة أشهر، وُجدت مقتولة في غرفة نومها مضرّجة بدمائها ومصابة بجرح في العنق وكدمات في الرأس من الجهة الخلفية، نتيجة تعرّضها للضرب بواسطة آلة حادّة، بحسب تقرير الطبيب الشرعي.

المجلس النسائي

ولأن مبادرة المجلس النسائي اللبناني في إرسال عريضة مطلبية للضغط باتجاه تمييز الحكم المخفف الصادر بحق النحيلي هو في الأساس لتجنب المزيد من ضحايا العنف الأسري، تقول رئيسة المجلس النسائي اللبناني جمال غبريل لـ "إيلاف"، إن القانون قد صدر، والمشكلة إن من حكمت في الأمر إمرأة قاضية، واعطته العذر المخفف المتمثل بثورة الغضب، وليس علينا كمجلس نسائي سوى مواجهة الأمر في الشارع، كما نفعل اليوم من أجل الضغط، وعلى القضاة أن يراجعوا قراراتهم، والحملة الضاغطة اليوم من أجل تشديد الحكم على النحيلي كي "يكون عبرة لغيره"، فليس مسموحًا أن نسمع كل فترة زوجًا يقتل زوجته تحت حجة فورة الغضب.

ولدى سؤالها بأن لبنان خطا خطوة مهمة في مجال مكافحة هذا النوع من الجرائم، أي جرائم الزنى، وهو يختلف بذلك عن بعض الدول العربية، لماذا العودة إلى هذا الموضوع تحت ذريعة ثورة الغضب؟ تجيب غبريل هذا بالفعل ما فاجأنا واعتقدنا أن هذا الموضوع أصبح دستوريًا وتشريعيًا وراءنا، وأعطت القاضية العذر المخفف لأنه كان تحت فورة غضب شديد نتيجة ظنه أن زوجته كانت تخونه، ولماذا اليوم النساء لا يقمن بغضب شديد ويقتلن رجالهن؟ فهناك رجال خونة وسيئون، والغضب يبقى إنسانيًا فلماذا المرأة تُتهم ويتم العفو عن الرجل؟

تغيير العقلية

ما المطلوب اليوم كي ينال المجرم عقابه ولا تستمر عمليات القتل الأسري؟ تجيب غبريل يجب أن تتغيّر العقلية في لبنان لكي نتفهم أنه مهما كانت المشكلة بين المرأة والرجل، هناك ما يسمى الطلاق والإنفصال وحتى رفع دعوى، ولكن أن يستعمل الرجل حقه بيده فهذا أمر غير مسموح، ويجب أن نعتبر جرائم العنف الأسري جريمة كغيرها من الجرائم، وليس من حق الرجل أن يقتل زوجته، بل له الحق أن يلجأ إلى المحاكم ويحاكمها إذا ثبت أنها مخطئة بحقه.&

ذريعة الغضب

بدورها، تعتبر الدكتورة فهمية شرف الدين (باحثة في مجال حقوق المرأة والعلوم الاجتماعية والعلوم السياسية) في حديثها لـ "إيلاف"، أن ذريعة ثورة الغضب في قضية منال العاصي لتخفيف الحكم على زوجها، يجب ألا تكون قائمة، لكن لا تزال قائمة لأن المجتمعات العربية ومنها المجتمع اللبناني لا يزال مجتمعًا أبويًا، ويعطي الحق للزوج أن يتصرف مع زوجته كما يريد، ولكن هل هذا هو الحق فلا، وصحيح أنه في القانون ألغيت ما يسمى جريمة الشرف، غير أنهم جعلوا كل الأمور الأخرى المتعلقة بها كثورة الغضب في الظن بجريمة الشرف قائمة.

وتبقى بحسب شرف الدين، البنية الثقافية التقليدية في لبنان قائمة، مع هيمنة ذكورية واعتبار المرأة ملكًا للرجل يتصرف بها كما يشاء.

وتلفت شرف الدين إلى أن المطلوب اليوم أن تعتبر جريمة العنف الأسري جريمة حقيقية ويعاقب عليها.

كجمعيات نسائية كيف تساهمن في الضغط بهذا الاتجاه؟ تجيب شرف الدين أن كل الجمعيات النسائية تقف ضد هذا الموضوع من خلال تقديم طلب بتعديلات على المواد في الدستور، والتي استند إليها القاضي لتخفيف الحكم على زوج منال العاصي، والقضاء يجب أن يتحرّر من عقدة الذكورية، ويجب أن يكون أكثر ميلاً لجعل الجرائم تلك جرائم حقيقية من خلال محاسبة المجرم، لأن السؤال يبقى "الكلام حول ثورة الغضب من يحدّده"؟&

رأي القانون

وكان المحامي نزار صاغية قد أصدر قراءة نقديّة لحكم منال العاصي تحت عنوان "شرف قبضاي الحيّ"، تساءل فيها "ما الذي أقنع المحكمة بأن غضب الزوج مصدره حقيقة هي إقامة زوجته علاقة مع رجل آخر؟ وهل يشكل العلم بالخيانة الزوجية سببًا مشروعًا لتبرير ثورة الغضب؟ ثم، هل جاءت ردة الفعل الغاضبة متناسبة مع الفعل الذي تسبب بها؟ وهل تتلاءم العقوبة مع خطورة الجرم الحاصل؟

في هذا الصدد، يقول المحامي منيف حمدان في حديثه لـ "إيلاف"، إن المحكمة لم تعتمد على تهمة الزنى لتخفيف العقوبة على زوج منال العاصي، انما اعتمدت على نص آخر تحت تسمية ثورة الغضب، ويستطيع الحقوقي أن يقول في هذا الصدد إن قضية الزنى قد انتهت من الجرائم.

ولدى سؤاله رغم ذلك، هل يبقى الزنى سببًا لتحليل القتل في مجتمعاتنا العربية حتى لو سميت هذه الأمور بأسماء أخرى كثورة الغضب؟ يجيب حمدان، في المجتمعات العربية توجد قضايا خطيرة في هذا الخصوص، ومرعبة أكثر مما هو لدينا، نحن نتكلم عن لبنان، وهو وحده بين الدول العربية ألغى هذا السبب، أي الشرف لتبرير جريمة القتل.

ولدى سؤاله بأن لبنان، كما ذكرت خطا خطوة هامة في مجال مكافحة هذا النوع من الجرائم، ولكن فعليًا ما الذي جرى في مسألة زوج منال العاصي؟&

يجيب حمدان: نص جرائم الشرف لا يمكن الا أن يطبق في القانون، وأي حكم يعتمد على هذا الأمر، أي جرائم الشرف لتخفيف العقوبة أو تخفيف الجرم، يعتبر أنه لم يكن، وعلينا أن نبحث بحكم زوج منال العاصي بحد ذاته، وهو مبني على ثورة الغضب وليس أحكام جرائم الشرف.