استطاعت قوات التحالف الكردية العربية التي تساندها الولايات المتحدة والمعروفة بـ"قوات سوريا الديمقراطية" السيطرة بالكامل على مدينة منبج السورية يوم الجمعة بعد طرد مسلحي ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية من المدينة الاستراتيجية في أعقاب شهور من الاستعدادات و10 أسابيع من المعارك الضارية.

وتعتبر مدينة منبج ثاني أكبر مدينة في محافظة حلب في شمال سوريا وتقع على مقربة من نهر الفرات والحدود التركية.

وعلى مدار عامين ونصف سافر الجهاديون الأجانب إلى سوريا ومنها مارين بالمدينة التي تقع على الطريق الرئيسية لمدينة الرقة، التي يزعم التنظيم أنها عاصمة لهم، والمؤدية إلى تركيا. كما استخدم التنظيم الطريق في تهريب الأسلحة والبضائع.

واستطاعت قوات سوريا الديمقراطية استعادة السيطرة على مدينة منبج في مطلع يونيو/حزيران الماضي، عندما طوق مقاتلوها المدينة، غير أن القلق بشأن مصير سكانها من المدنيين منعهم من مواصلة تقدمهم بسرعة.

وتفاوض قادة قوات سوريا الديمقراطية مع مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في جهود ترمي إلى إقناعهم بمغادرة المدينة تفاديا لوقوع ضحايا في صفوف المدنيين أو خسائر في البنية التحتية.

ووافق مسلحو التنظيم بشرط السماح لهم بأخذ أسلحتهم الثقيلة. ورفضت قوات سوريا الديمقراطية مطلبهم وشنت الأسبوع الماضي هجوما نهائيا على المدينة.

ولجأ مسلحو التنظيم في نهاية الأمر إلى استخدام نحو ألفي مدني كدروع بشرية لضمان إمكانية فرارهم.

واستطاع مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية من بعيد رؤية الجهاديين وهم يغادرون منبج في قافلة مكونة من 500 سيارة والتوجه إلى مدينة الباب الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

وعلى الرغم من النجاح المحقق، سيؤدي ذلك التراجع إلى تشويه سمعة تنظيم الدولة الإسلامية بين المتعاطفين معها.

وتحقق الانتصار في منبج بفضل مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية المنظمين تنظيما جيدا والذين يجمعهم هدف واحد، إلى جانب غارات جوية نفذتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وعناصر من القوات الخاصة الغربية.

وسوف تستخدم القوات المتحالفة وحلفاؤها الخطة على أرجح التقديرات في استعادة السيطرة على المناطق الأخرى الخاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية، لاسيما الرقة، التي ترغب الولايات المتحدة من الأكراد أن يضعوها هدفهم الثاني.

وإذا استطاعت قوات سوريا الديمقراطية السيطرة على الرقة فسوف يكون انتصارا بارزا ورمزيا للتحالف. كما سيعزز احتمالات فوز الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وسوف يظهر ذلك أن سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما فعالة بدون أن تطأ أقدام جنود أمريكيين الأراضي.

لكن الرقة ليست مدينة كردية، كما أن الأكراد لديهم أولوياتهم الأخرى.

وفي إشارة واضحة إلى الاتجاه الذي يرغبون في المضي فيه، أعلن قادة قوات سوريا الديمقراطية تأسيس مجلس عسكري في مدينة الباب بعد وقت قصير من الاستيلاء على منبج.

وتعتبر مدينة الباب، التي تقع على بعد 50 كيلومترا جنوب غربي منبج و مدينة جرابلس، 30 كيلومترا إلى الشمال، آخر مدينتين كبريين على مقربة من الحدود التركية وتخضعان لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. وإذا سقطتا، فلن يعد للجهاديين القدرة على الدخول إلى سوريا أو الخروج منها عن طريق الشمال.

وبمجرد الاستيلاء على الباب، سيكون في استطاعة الأكراد ربط مدينة عفرين الغربية ببقية المنطقة التي يسمونها "روجآفا" أو "كردستان الغربية".

وتتمثل أولوية قوات سوريا الديمقراطية في مواصلة تقدمها من مدينة منبج الواقعة في جنوب غرب البلاد على طول الطريق (إم4) إلى مدينة الباب، وليس المنطقة الجنوبية الشرقية باتجاه الرقة، كما يرغب الأمريكيون.

كما تعارض الحكومة التركية تقدم قوات سوريا الديمقراطية إلى الغرب، وأعلنت المنطقة الممتدة بطول مئة كيلومتر من جرابلس إلى عزاز، المدينة القريبة من عفرين والخاضعة لسيطرة المعارضة، منطقة محظورة على الأكراد.

ويرى الاتراك عدم وجود فرق بين وحدات حماية الشعب الكردية التي تهيمن قوة قوامها 25 ألف مقاتل على صفوف قوات سوريا الديمقراطية المؤلفة من 30 ألف مقاتل، وحزب العمال الكردستاني التركي الذي يعتبر منظمة إرهابية.

وعلى الرغم من اعتبارهم حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، تنظر الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى إلى أكراد سوريا على أنهم حلفاء لهم والقوة الأكثر فعالية أمام تنظيم الدولة الإسلامية على الأرض في سوريا.