القاهرة: بينما سعى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، خلال زيارته التي قام بها للأرجنتين في مارس الماضي، ومقابلته الرئيس الجديد، ماوريسيو ماكري، لأن يحد من موجة الغضب المثارة ضد سياسات بلاده السابقة هناك، خاصة الدور الذي لعبته واشنطن في دعم تلك الحرب التي تعرف بـ "الحرب القذرة"، التي شنها الجيش اليميني في الأرجنتين عام 1976 ضد اليساريين، وراح ضحيتها الآلاف خلال السنوات السبع التالية، فقد أعلنت وقتها سوزان رايس، مستشارة أوباما المتخصصة في شؤون الأمن القومي، عن اعتزام الإدارة رفع السرية عن آلاف الوثائق العسكرية والاستخباراتية الأميركية المتعلقة بتلك الفترة المضطربة في الأرجنتين.

وثائق سرية

وعلقت مجلة "نيويوركر" الأميركية على ذلك بالقول إن خطوة رفع السرية عن تلك الوثائق تعد بادرة حسن نوايا هدفها الإشارة لما يقوم به أوباما من جهود الآن لتغيير ديناميكية العلاقات بين الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية "لدفن آخر بقايا الحرب الباردة"، على حد قول أوباما خلال تواجده في العاصمة الكوبية، هافانا، في نفس الجولة.

&

هنري كيسينجر مع&خورخي فيديلا&عام 1976

&

وبالفعل، تم الأسبوع الماضي إطلاق الدفعة الأولى من تلك الوثائق المرفوع عنها السرية، وأزاحت النقاب عن أن مسؤولي البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية كانوا على علم وثيق بالطبيعة الدموية للجيش الأرجنتيني، وأن حالة من الذهول انتابت البعض منهم نتيجة لما نما إلى علمهم من تفاصيل خاصة بذلك الانقلاب.

وكتب راؤول كاسترو، سفير الولايات المتحدة لدى الأرجنتين، في برقية عام 1978، عن زيارة قام بها هنري كيسينجر لبيونس آيريس، حين كان في ضيافة الديكتاتور خورخي رافاييل فيديلا، خلال استضافة البلاد لمونديال كأس العالم، "هناك بعض الخطر من أن تستخدم الأرجنتين تصريحات كيسينجر التي يمدح فيها سياسات الأرجنتين للقضاء على الإرهاب كمبرر لتشديد موقفها المتعلق بحقوق الإنسان".

متآمر!

وجاء الكشف عن تلك الوثائق ليكون صورة عن كيسينجر بدا فيها كالمؤيد متحجر القلب، ما لم يكن المتآمر النشط، لتلك الأنظمة العسكرية في أميركا اللاتينية المتورطة في ارتكاب جرائم حرب. واتضح من الأدلة التي برزت في مجموعة الوثائق التي رُفِعَت عنها السرية إبان فترة حكم الرئيس بيل كلينتون، أن كيسينجر لم يكن على دراية فحسب بما كان يفعله الجيش الأرجنتيني، بل كان يشجعه بفعالية كذلك.

&

المجلس العسكري في الأرجنتين استلم السلطة عام 1973

&

كما تبين أنه في أعقاب الانقلاب الذي قام به الجيش اليميني في الأرجنتين، بعث كيسينجر برسائل تحفيز لقادة الجيش وعجَّل من إرسال حزمة مساعدات أمنية أميركية.

وفي اجتماع مع وزير الخارجية الأرجنتيني بعدها بشهرين، أخبره كيسينجر غامزاً، وفقاً لما ورد بمذكرة أعدت عن المحادثة التي جرت بينهما، بأن واشنطن تعلم أنهم في مرحلة صعبة تمتزج فيها الأنشطة السياسية، الإجرامية والإرهابية دون أي فصل واضح.&

وفي أعقاب الانقلاب مباشرةً، وافق الكونغرس الأميركي، بموجب توصيات من كيسينجر، على توجيه مساعدات أمنية قدرها 50 مليون دولار للمجلس العسكري الحاكم في الأرجنتين، ومن ثم مساعدات أخرى بقيمة 30 مليون دولار قبل نهاية العام.

دعوة لمحاسبة كيسينجر

كما تمت الموافقة في غضون ذلك على اعتماد برامج تدريبات عسكرية ومبيعات طائرات حربية بمئات ملايين الدولارات. وفي العام 1978، بعد مرور عام على فترة حكم الرئيس جيمي كارتر (خلفاً لسلفه الرئيس غيرالد فورد)، توقفت المساعدات الأميركية نتيجة لتزايد المخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.

هذا ولم يتضرر كيسينجر من الناحية القانونية، بأي صورة من الصور، جراء أفعاله كذلك في تشيلي، حيث قُتِلَ 3 آلاف شخص على يد بلطجية الحاكم الديكتاتوري التشيلي السابق، أوغستو بينوشيه، أو ما فعله في فيتنام وكمبوديا، حيث أمر بعمليات قصف جوي واسعة النطاق تسببت في مقتل أعداد لا تحصى من الأشخاص المدنيين.&

وسبق لأحد أبرز منتقديه، وهو الكاتب الصحافي البريطاني- الأميركي الشهير، كريستوفر هيتشنز، أن كتب مقالاً مطولاً في العام 2001 تحت عنوان "محاكمة هنري كيسينجر"، دعا فيه لمحاسبة كيسينجر على دوره في جرائم الحرب والجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية، وكذلك الجرائم التي ارتكبت ضد القانون العام أو العرفي أو الدولي. &

أعدت "إيلاف" التقرير نقلاً عن مجلة "نيويوركر" الأميركية على الرابط التالي:

http://www.newyorker.com/news/news-desk/does-henry-kissinger-have-a-conscience?mbid=nl_160820_Daily&CNDID=31115831&spMailingID=9386487&spUserID=MTMzMTgzMTU4MzUxS0&spJobID=981613478&spReportId=OTgxNjEzNDc4S0
&