لا يزال الفساد في لبنان يشكل مشكلة اقتصادية وسياسية وإدارية تكلف الدولة اللبنانية مليارات الدولارات من الخسائر سنويًا، علمًا أن لبنان إحتل المركز الأول عربيًا في ارتفاع مستوى الفساد لهذا العام.

إيلاف من بيروت: منذ فترة، فجّر وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني المستقيل آلان حكيم قنبلة على حسابه في "تويتر"، فنشر تغريدة كشف فيها أن الفساد يكلف الدولة اللبنانية 10 مليارات دولار سنويًا منها 5 مليارات خسائر مباشرة، ودعا الى إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد في لبنان تضم مراقبين دوليين، والخسائر المباشرة تعني الأموال التي كان من المفروض أن تدخل خزينة الدولة، ولكنها خرجت من الدورة الاقتصادية والمالية وحُرمت منها الخزينة، أما الخسائر غير المباشرة فهي تلك المتعلّقة بالفرص الاقتصادية الضائعة التي كان بإمكان هذه الاموال تأمينها لولا خروجها من الدورة الاقتصادية والمالية المنظمة والشرعيّة.

وجاء في التقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، الذي يعتمد مقياس باروميتر الفساد لعام 2016، والذي تنشره المنظمة سنويًا، إلى جانب مؤشر مدركات الفساد، أن الأرقام تنذر في لبنان بالخطر حيث يرى تسعة من كل عشرة أشخاص (٩٢ في المئة) أنّ الفساد قد ازداد بشكل ملحوظ، حيث حلّ لبنان في المرتبة الأولى بين الدول العربية في ارتفاع مستوى الفساد في إداراته ومؤسساته العامة، في حين ينظر إلى مسؤولي الدولة، وموظفي الضرائب، وأعضاء البرلمان على أنهم أكثر الفئات فسادًا في المنطقة.

الأكثر فسادًا

في هذا الصدد، يرى الخبير لويس حبيقة في حديثه لـ"إيلاف"، أن لبنان منذ زمن من الدول الأكثر فسادًا، سياسيًا واجتماعيًا، وهذا ليس بأمر جديد، ومرتبته تتغيّر لكنها تبقى ثابتة.

ويضيف حبيقة: "مشكلة الفساد انه يزيد الصعوبة في الاستثمارات اقتصاديًا، ولا يأتي المستثمرون من أجل الرشوة ولا من أجل التمديد لمجلس النواب، فكلها أجواء تبعد المستثمر عن لبنان".

من المسؤول؟

أما من المسؤول الرئيس عن الفساد في لبنان؟ يجيب حبيقة المسؤول الأول هو الشعب اللبناني الذي يسمح باستمرار الأمر، ويستطيع الانتفاض على الأمر من خلال الانتخابات، لأن المواطن يعرف من هو الفاسد ويعيد انتخابه أو التمديد له.

ويتابع حبيقة: "المواطن يعرف من هو الفاسد والمافيوي، وهو يعيد انتخابه ربما لمصالح معينة، من هنا المواطن يشجع على الفساد".

وثانيًا الحكومة التي تعيّن أشخاصًا في المراكز الأساسية في البلد، لا يملكون الكفاءة أو النزاهة أو المعايير الاساسية.

وكذلك مجلس النواب هو المسؤول، وطالما اللبنانيون ينتخبون نوابًا بالمعايير المعروفة حاليًا، هؤلاء يعطون الثقة لحكومة غير مؤهلة من هنا الفساد من القاعدة، أي المواطن الى المسؤولين".

الفساد جريمة

ويعتبر رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي "أن الفساد جريمة مثل الجرائم الأخرى التي تضرب مجتمعاتنا، وبالتالي فإن مكافحته ضرورة، وهي لتكون فاعلة لا بد أن تأتي نتيجة عمل متكامل بين مؤسسات الدولة وأجهزتها الرقابية الإدارية والهيئات الأهلية، مشيرًا إلى سلسلة من الإجراءات يجب اتخاذها، ومنها المداورة في الوظائف، تبسيط المعاملات والقوانين، البحث في الحكومة الالكترونية لتخفيف التماس بين المواطن والموظف".

ضبط الفساد

ويشدّد وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية اللبناني، وعضو كتلة المستقبل، نبيل دو فريج، على "ضرورة أن تبسط الدولة سلطتها على كل المستويات لضبط الفساد الحاصل"، ويرى أنه "في حال وجد القرار السياسي تستطيع الحكومة بسهولة ضبط الفساد المستشري".

ويلفت وزير العمل اللبناني سجعان قزي إلى أن "القوى المؤثرة في المجتمع مضى عليها سنوات وسنوات، وأدخلت من خلال الاحتلال السوري في دائرة الفساد، لأنه بوجود ضباط المخابرات لم يكن ينجح أي مشروع دون سمسرة وفساد"، مذكرًا أنه "في لبنان كشفت عن عشرات الملفات التي فيها فساد، ولكن هل وصل ملف واحد الى النهاية من خلال الحكومة أو مجلس النواب أو القضاء والأمن؟".

ويشير الى أن "الذين دخلوا الى الحكومة بنيّة فضح الفساد ونقل البلد الى التغيير وقعوا في فخ فتح الملفات دون الوصول إلى النهاية فيه"، مشددًا على أن "الفساد موجود في لبنان بكل ادارت الدولة وفي الادارات الخاصة، ولكن مكافحته لا تتم من خلال تصاريح وتظاهرات فقط، بل من خلال عملية إصلاحية تقوم بها الدولة".

ويرى قزي أن "الدولة غير موجودة بكامل قدراتها، وإذا وجدت لا توجد مكونات سياسية وحزبية وطائفية تسمح بإجراء هذه العملية الإصلاحية، لذلك يجب إعادة النظر بالنظام اللبناني لأنه لا يفرز إلا هذا النوع من الحكومات والمجالس النيابية والإدارات"، مؤكدًا أنه "من أجل مكافحة الفساد يجب بناء دولة على رأسها أشخاص يتميزون بالنزاهة والشفافية والأخلاق ليطلقوا عملية إصلاح شاملة للدولة".