إيلاف من الرياض: "الحياة مغامرة جريئة أو لا شيء"، قالتها الأديبة الأميركية هيلين كيلر، واتخذها الفنان التشكيلي السعودي عبدالله العثمان عنوانًا لأحد أعماله، وهي كافية لنتعرف إلى فكره وفنه.&

التقته "إيلاف" في مترفه، فعرّف بنفسه قائلًا إنه من مواليد العاصمة السعودية الرياض، "ولدت بحركة فنية مدهشة، واستمرت معي إلى اللحظة التي مضغت فيها أكثر بالجنون والفن، مفتون بالتنفس وأقيس هذا بخطواتي كل يوم في الحياة، لأتحكم بسرعة الأشياء ودورانها من طريق الفن من أجل إحكام الزمن دائمًا، وعملي الفني يقوم في معظم الأحيان على البحث والاختبار في اكتشاف معنى جديد، والبحث على استشعار تفاعلات جديدة".

وفي ما يأتي متن الحوار:

كنت أحد الفنانين السعوديين الذين اجتمعوا إلى وزير الثقافة والاعلام السعودي عادل الطريفي. ما تطلعاتكم كفنانين إلى هذا الاجتماع؟

تلقينا دعوة من الوزير عادل الطريف، وباركنا هذه الدعوة. كانت سمة هذا الاجتماع الحلم، فلم يكن اجتماعًا تقليديًا بل أردناه خطوة نحو تحقيق حلم مبني باستراتيجيات ممنهجة، ولدعم الفنانين عمومًا. استمع الوزير إلى كافة المعوقات التي تواجه تقديمنا أعمالنا في المملكة وخارجها،&وقدمنا خطة لمبادرات فنية وسوف تبدأ ورش العمل في الأيام الآتية لنتمكن من السير قدمًا في مسيرتنا، كما اطلعنا على بعض تفصيلات المجمع الملكي للفنون الذي أعلن عنه ضمن برنامج التحول الوطني.

ما توقعاتكم بالنسبة إلى المجمع الملكي للفنون؟

أرى أن هذا المجمع الملكي هو أول مركز رئيسي في المملكة يهتم بجميع أنواع الفنون، موسيقى ومسرح وغاليري ومتحف. في العادة تكون الأعمال الفنية عبارة عن نشاطات واجتهادات فردية، وإذا توقفت هذه النشاطات تتوقف العجلة الفنية. أما في وجود مثل هذا المجمع، فالحركة الفنية مستمرة بدعم الدولة ومساندتها.&

موسيقى التعذيب

كيف يبدأ عبدالله العثمان عمله الفني. كيف تشرق عليك الفكرة؟

بدأت بالكتابة وانتقلت الآن إلى الحركة والتفاعل مع العناصر والناس. الفن يعطيني مساحة واسعة من التعبير متكاملة الأجزاء، من خلال الصوت والضوء واللون والتركيب في الفراغ والأداء في الشارع أو الغاليري، فهذه مساحة جميلة للعمل، وفيها فعل مباشر، فتقوم باختبار الفكرة وتشاهد نتيجتها مباشرة، سواء على الجمهور أو على نفسك.

&

&

كانت لك تجربة وعمل أدائي من نوع الفيديو آرت، هو "التعذيب من غير لمس"، عبر الإستماع إلى 21 أغنية استخدمت للتعذيب في سجني غوانتانامو وأبو غريب. كيف أمكنك الإنغماس في تجربة فنية وإنسانية خالصة كهذه؟&

تجربة "التعذيب من غير لمس" عمل أدائي، قمت به لأقف لو قليلًا مع الانسان والموسيقى. استمعت إلى 21 اغنية في 3 ساعات داخل غرفة زجاجية شفافة، كنت معزولًا أراقب نفسي مرارًا وتكرارًا في مواجهة الألم والإنسان. 3 ساعات داخل غرفة مربعة زجاجية في صالة غاليري The Mine Art في دبي، من هناك تركت الانسان والموسيقى في غرفة زجاجية شفافة كنت حاضرًا فيها فيزيائيًا وغير حاضر بمصير الهشاشة وانسحاب الصوت. تركت نفسي تصارع الموقف والموسيقى في المساحة. تتطلب مني الدخول إلى الغرفة مجهوداً بدنياً، حيث نزلت إلى الأرض، وبعد ذلك دفعت نفسي في فتحة صغيرة حتى أخذت الكرسي ووضعته في منتصف الغرفة ومنتصف المكان، الذي يتكون من طابقين وبدأت رحلة 21 أغنية استخدمت في التعذيب في سجني أبو غريب وغوانتاناموا. واحدة من هذه القائمة موسيقى عربية اسمها الذكرى لملحن مصري. تسربت قائمة الأغاني من ملف الاستخبارات الأميركية، وتم تناولها على صعيد دولي، مختارة بدقة ومتنوعة "الرتم" لتكون كلماتها مؤذية واستمرارها مبني لتنتزع الإحساس وتتركك هشًا وتحولك إلى كائن هزيل جدًا. بعد الاستماع إلى الموسيقى شعرت بذلك... داخل غرفة مربعة من زجاج، منعزل وحاضر، أمدّ حضوري بالصوت الذي يخرج بأنفاس مندفعة وسريعة مع الموسيقى والألم وثبات على كرسي، واحيانًا يكون عمودي الفقري على كرسي وحده، وباقي جسمي في صراع التجربة. لم التفت إلى تقنية الأداء ولا إلى الحضور، فأنا اكتشف اقصى ما يمكن أن اذهب إليه مع موسيقى تستخدم للتعذيب في السجون.

كانت لك تجربة أخرى ومشروع آخر، هو سؤال وحيد حول علاقة الناس بإيمانهم. وجهت هذا السؤال إلى أكثر من 28 شخصًا من مختلف الأجناس والديانات في مجتمعنا المحافظ. هذه الفكرة جريئة. هل واجهت صعوبات في طرحها؟

السؤال بشري وكبير ويمس الجميع. قمت بالبحث عن ذهنيات وأفكار وأشخاص مختلفين في الرؤى، من فنانين وعمال وكتّاب ومفكرين وطلاب وممثلين ومخرجين. استخدمت الأسلوب الصامت والحركة البطيئة كي أرصد اللحظة الأولى لاستقبال السؤال الصادم، باعتبار استقبال السؤال هنا جزءًا من الإجابة التي توفرها لغة البصر، ومن ثم رصد ردة الفعل في لحظة الحوار. الإجابة البصرية هي التركيز على الحالة، وإظهار التفصيلات الصغيرة الغامضة وإعادة قراءتها، لأقوم برصد حالة مختلفة لما يشعر به في داخله من القلق والطمأنينة. كانت ردة الفعل أكثر وضوحًا بالنسبة إلي، وهي ما راهنت عليه أكثر من رهاني على اللغة التي ربما تعتمد أحيانًا على مخزون لفظي بسيط.&

&

&

أعمال في الشارع

لك أعمال متعددة في الشارع، كـ "البحث عن سيارة متسببة في تعطيل قلب فتاة"، وضعتها في سيارة تجوب أنحاء الرياض. ما الفكرة من هذا العمل؟

إنه عمل أدائي في شوارع الرياض، بالبحث عن سيارة متسببة بتعطيل قلب فتاة، وتعطيل الحركة الطبيعية للحياة، حيث أن السيارة التي أبحث عنها تتبنى فكرة اجتماعية منغلقة على نفسها، وترمز احيانًا إلى حركة منظمة مؤسساتية أو عقدة اجتماعية، وهي السبب في التطور وحق المرأة في الحياة، ولي أنا تحديدًا. هذا العطل يؤثر في ايقاع حياة الجميع وانا أقوم هنا بالبحث&عن نفسي والدفاع عنها بشكل مباشر.

في ظل ما نعانيه حاليًا في العالم العربي من تعصب وتطرف وطائفية، هناك عبارات كثيرة تقول إن الفن يحارب الإرهاب والتطرف. ما رأيك؟

لا أميل كثيرًا إلى هذه العبارة. إنها "كليشيه" وفيها ادعاء. يجب أن تتحسن الافكار والاخلاق الانسانية والاجتماعية والذاتية لكي نصل إلى السلام في مجتمعنا العربي. علينا أن ندمر الـ "إيغو" والجشع.

ذكرت سابقًا أنك متورط بالحياة، والفن خلاصك. كيف ذلك؟

الفن بالنسبة إليّ حاليًا هو أن أعيش بشكل أفضل. أن يهبني الفن الجمال والقدرة على الإستمتاع بالحياة، ومتعة اكتشاف الجديد والبحث عن المعرفة.

ما أحب أعمالك إليك؟&

"التعذيب من غير لمس". التجربة قاسية وأوصلتني إلى تداعيات جديدة جعلتني أعيد النظر في مفاهيمي في الحياة والفن.

هل من عمل فني قريب تخبرنا عن تفاصيله؟

أعمل على عمل جديد: "رسائل سرية". وهو عبارة عن استقبال رسائل سرية صوتية لم تنشر من قبل لأسباب اجتماعية أو إنسانية أو سياسية. فمن خلال الفن يمكنني اعادة تدوير هذه الرسائل بشكل فني وتعريفها، بحيث يمكن ايصالها إلى الجميع.

بدأ العثمان كاتبًا، وصدر له "قد يحدث هذا الفراغ مرتين". عرضت له أعمال عدة في مهرجانات خليجية وأوروبية، إذ شارك في مهرجان ببنالي فينيسيا 2013، وفي معرض جماعي في أسبوع الفن في هولندا في عام 2013، وفي معرض في بيت السفير الأميركي في عام 2015، وفي معرض فن جدة 2015، ومعرض فن دبي 2015، ومعرض فن ماربيا 2015، ومعرض فن برلين ABC في عام 2015. وأقام معرضًا شخصيًا في الرياض في عام 2014.
&