يعذب طبيب الأسنان النازي "لورنس اوليفيه" الطالب "داستن هوفمان" بأدواته الطبية في فيلم "رجل الماراثون" أبشع تعذيب، لكن ذلك لايقارن بالعذابات التي الحقها الطبيب النازي الحقيقي يوزيف منغله بضحاياه الذين حولهم إلى فئران اختبار يجري عليهم تجاربه.

برلين: يُصور"رجل الماراثون" الطبيب النازي كرجل أفلت من العقاب ويعيش في اميركا الجنوبية، ولا شك أن مخرج الفيلم جون شليسنغر استعار هذه القصة من قصة منغله الذي عاش متخفياً حتى السبعينات في البرازيل.

انها في الاساس بقايا جرائم منغله، الصديق الوفي لأدولف هتلر، تم العثور عليها في حدائق جامعة برلين الحرة، وهي عبارة عن جماجم وهياكل عظمية واسنان ومقاطع من أدمغة بشرية محفوظة بالفورمالديهايد، ثبت أنها تعود إلى عصر النازية المظلم في ثلاثينيات واربعينيات القرن المنصرم.

انتهى العلماء من انتشال هذه الجماجم بهدف ارسالها للفحص من قبل علماء معهد ماكس بلانك الألماني المعروف. والثابت ان هذه البقايا تؤرخ فصلاً مروعاً من تاريخ النازية، ومن جرائم الدكتور يوزيف منغله. وعثر علماء الانثروبولوجيا ما يشير في الجماجم إلى أن أصحابها تعرضوا إلى تجارب وعمليات تجريبية يعتقد ان منغله يقف وراءها.

يشي الفحص الأولى ان تاريخ دفن الجثث يعود إلى الحقبة النازية، وان بعضها يعود إلى معتقلي معسكر الاعتقال اوسشفيتز النازي. وهناك ما يشير أيضاً في الهياكل العظمية إلى ان بعض الضحايا كانوا اصلاً من المقعدين والمشوهين. ومعروف ان النازيين تعاملوا مع المقعدين وذوي الاحتياجات الخاصة كـ"عالة" على المجتمع اسوة بالمثليين واليسارين واليهود وبقية المعارضين. وكان منغله يقيس جمجمة السجين بالمسطرة ليتأكد ما إذا كان آرياً أو من عنصر "متخلف" آخر. وكان باعتباره عالماً في الأجناس يهتم إلى حد كبير بالتشوهات الولادية والجسدية عند الإنسان.

ضحايا&

وقالت كريستينا بيك، من معهد ماكس بلانك، ان الهياكل العظمية تعود في الأغلب إلى ضحايا الدكتور منغله. وتم العثور على الهياكل العظمية قرب معهد كايزر فيلهلم التابع لجامعة برلين في منطفة دالم، وهناك آثار صمغ قديم استخدم في ترميم الهياكل العظمية آنذاك، وكان منغله يستخدم مثل هذه المواد في عمله. وهناك جماجم تم قصها بالمنشار لاستخراج الأدمغة بهدف إجراء التجارب عليها. وهناك بقايا وآثار محاليل كان يستخدمها الطبيب النازي في تجاربه على أدمغة السجناء، وخصوصاً من المعوقين.

أجرى منغله تجاربه اللإنسانية على نزلاء المعتقل وكان يرسل بعض الجثث إلى معهد كايزر فيلهلم لإجراء بعض الفحوصات. وسبق لعمال البناء أن عثروا على هياكل عظمية مماثلة سنة 2014 &قرب جامعة برلين التقنية، لكنهم ارسلوها إلى المحارق دون ان يفكروا بمصدرها مع الأسف، بحسب تصريح بيك. لكن رماد الجثث يخضع للفحوصات أيضاً وقد يصل الباحثون من خلالها إلى تفاصيل أخرى عن حياة طبيب معسكر اوسشفيتز. ويؤرشف معهد ماكس بلانك اليوم المئات من هذه المحاليل والمستحضرات الغريبة التي جربها منغله على فئرانه البشرية.

يعود تاريخ نشاط معهد ماكس بلانك إلى فترة ما قبل النازية، وليس فخوراً بالطبع بهذا الماضي، لكنه يحتفظ بأرشيف منغله الطبي. وعثر المعهد في العام 2015 صدفة على صندوق قديم يحتوى على أكثر من 100 مقطع من أدمغة بشرية محفوظة بالفورمالديهايد. وثبت أن 35 منها يعود إلى نزلاء معسكر اوسشفيتز سيئ الصيت. وكانت كلها تحمل "بصمات" البحوث التي يجريها منغله.

نوع التجارب&

وأكدت كريستينا بيك ان المعهد يريد تحليل بقايا ضحايا منغله بدقة لمعرفة أصحابها، ومن أين أتوا، وكيف ماتوا. وقالت ان بإمكانية علماء المعهد التعرف على جنس وعمر وسبب موت معظم الضحايا، وان هذا قد يلقي مزيدا من الضوء على نوع التجارب التي كان منغله يجريها على البشر. ربما لن ينجح المعهد في تشخيص كافة أسماء اصحاب الهياكل العظمية، لكنهم سيحظون على الأقل بمراسم دفن تليق بتضحياتهم.

ومعسكر اوسشفيتز معسكر ابادة اقامه النازيون في بولندا وضم غالبية من اليهود والبولنديين والمعارضين السياسيين. الحق به أيضاً معسكر بيركينو ويعتبر من أكبر معسكرات الاعتقال النازية ويتكون من ثلاثة معسكرات رئيسة و45 معسكراً فرعيا.

صمم معسكر أوشفيتز بناء على أفكار هاينريك هملر وزير الداخلية الألماني لوضع حل نهائي لليهود في أوروبا. وتم نقل اليهود بالقطارات في الفترة بين ربيع عام 1942 وخريف عام 1944 إلى غرف الإعدام بالغاز في المعسكر من جميع أرجاء أوروبا الواقعة تحت الاحتلال النازي. واتهم رودولف هوس، القائد الأعلى للمعسكر، أثناء محكمة نورنبيرغ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بإعدام ثلاثة ملايين شخص، ثم تم تعديل الرقم ليصبح 1.1 مليون، أكثر من 90% منهم من اليهود بالإضافة إلى 150 ألف بولندي، و 23 ألفاً الروما والسنتي (الغجر) روما وسنتي، و15 ألفاً من السجناء السوفيت في الحرب، وعشرات الآلاف من الجنسيات الأخرى.

أجرى منغله (1911-1979) تجاربه في اوسشفيتز على التوائم، وتشوهات النمو عند البشر، وطرق اصابة البشر بالعقم، وتجارب نقل وزرع نخاع العظم، والتجارب على الدماغ. ولم تتكشف تفاصيل ممارسات منغله اللإنسانية إلا في الستينات من القرن الماضي بفضل الأراشيف التي تركها، وعاش منغله بعيداً عن المحاكمات التي طالت النازيين، في البرازيل، وفارق الحياة في السبعينات بعد اصابته بسكته دماغية وهو يسبح في برتيوغا/ساو باولو. تم دفنه باسم مستعار في البرازيل، لكن الفحوصات المختبرية اللاحقة في الثمانينات أكدت شخصيته.
&