أصدر القضاء اللبناني قراره الاتهامي بقضية تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس، فكشف عن تورط اثنين من كبار ضباط مخابرات النظام السوري، وعن هرب الخلية التابعة لهم إلى سورية.

إيلاف من بيروت: المكان، طرابلس في شمال لبنان؛ الزمان، الجمعة 23 أغسطس 2013، قرابة الواحدة والنصف ظهرًا، في وقت صلاة الظهر حين تتكثف حشود المصلين والوافدين إلى بيوت الله المقدسة. دوى انفجار كبير امام مسجد التقوى في طرابلس، وبعد دقائق معدودة تلاه انفجار آخر أمام مسجد السلام الواقع على بعد كيلومترات قليلة. أدى هذان الانفجاران إلى مقتل خمسين شخصًا وجرح نحو 800 آخرين، فضلًا عن وقوع أضرار مادية كبيرة لحقت بالمنازل والمحلات المجاورة، والسيارات والدراجات النارية. تبين أن كلا من العبوتين تزن حوالى 175 كلغ من المواد الشديدة الانفجار.

علي - جوبان

بعد ثلاثة أعوام من التحقيقات، أصدر القضاء اللبناني قراره الاتهامي في قضية تفجير مسجدي التقوى والسلام، وسمى فيه ضابطين في المخابرات السورية مخططين ومشرفين على عمليتي التفجير، هما النقيب آنذاك في المخابرات السوريّة ـ فرع فلسطين محمّد علي علي الملقّب بـ"أبو جاسم" (30 عامًا من خربة المعري السوريّة)، والمسؤول في فرع الأمن السياسي ناصر أحمد جوبان (مواليد 1970) وملقّب بـ «أبو خالد»، إضافة إلى عنصر المخابرات السوريّة خضر لطفي العيروني (40 عامًا).

لم يكتف القرار بملاحقة الضابطين المشار اليهما، بل سطر مذكرات تحر دائم لمعرفة هويات الضباط المسؤولين عن الضابطين المنفذين، الذين أعطوا الاوامر والتوجيهات لهما لتنفيذ العملية، إذ بينت التحقيقات أن الأمر صدر عن منظومة أمنية رفيعة المستوى في المخابرات السورية، فضلًا عن التوقيفات السابقة التي شملت الخلية اللبنانية المنفذة والمؤلفة من خمسة اشخاص من منطقة جبل محسن في طرابلس، وأبرز الموقوفين فيها هو يوسف دياب الذي نفذ بيده تفجير مسجد السلام عن بعد بواسطة جهاز. أما أفراد الخلية اللبنانية الآخرون&ففروا إلى سوريا.

لن نكلّ

علق رئيس تيار المستقبل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على صدور القرار الإتهامي في تفجير مسجدي التقوى والسلام بالقول إن القرار يسمي بوضوح الضابطين في مخابرات النظام السوري محمد علي علي وناصر جوبان، "وبالتالي يوجه الاتهام المباشر إلى النظام ومخابراته وأجهزته، ونحن قلنا منذ اللحظة الأولى أننا لن نكل عن ملاحقة الذين ارتكبوا هذه الجريمة الإرهابية وأننا سنثأر بالعدالة لشهدائنا الأبرار وجراح الأبرياء".

أضاف الحريري: "ها نحن أخيرًا أمام ساعة الحقيقة التي تسطر فيها العدالة مذكرات بحق ضباط مخابرات نظام الأسد الذين اعتقدوا يومًا أن أحدًا لن يكشفهم ولن يسميهم، وكما عاهدنا أهلنا في طرابلس الحبيبة، سنتابع جهود إلقاء القبض على المتهمين وانزال القصاص العادل بهم من أدنى قتلتهم إلى رأس نظامهم المجرم".

عدالة بطيئة ناقصة

يقول الوزير السابق والنائب الحالي عن تيار المستقبل سمير الجسر لـ "إيلاف" إنه يعتقد أن صدور هذا القرار الاتهامي امر جيد جدًا، "فصحيح انه صدر بعد ثلاث سنوات وهذه فترة طويلة، لكن العدالة البطيئة عدالة ناقصة، إلا أنه يجب تقدير ظروف القضية والظروف التي صدر فيها القرار، ما دامت تتناول اناسًا تبين انهم سوريون، فهذا يتطلب إجراءات خاصة، اذ هناك اتفاقيات بيننا وبين الدولة السورية ولا بد من تبليغ هؤلاء الاشخاص، وبالتأكيد تمت محاولة تبليغهم وانا على يقين انهم لم يجيبوا".

اضاف الجسر: "في كل الاحوال، المهم أن القرار الاتهامي صدر والدعوى امام المجلس العدلي واعتقد أن الهيئة التي نظرت في القضايا امام المجلس العدلي في الفترة الاخيرة وبالاخص في ما يتعلق بمخيم نهر البارد كانت جيدة،ولقد سرّعت في اصدار الاحكام، ونأمل أن يتم ذلك ايضًا في هذه القضية وينال المجرمون عقابهم".

أما باقي افراد الخلية اللبنانيين الذين فروا إلى سورية، فستتم محاكمتهم غيابيًا كما قال الجسر.

جعجعة بلا طحين

اما سليم كرم، النائب عن تيار المردة الذي يتزعمه المرشح الرئاسي سليمان فرنجية، فيقول لـ "إيلاف" إنه فوجئ بهذا القرار، فلماذا لم يصدر من قبل، وإذا كان هؤلاء الضباط مسؤولين عن هذا الامر، فالمفروض أن تأخذ العدالة مجراها بين الدولتين لبنان وسوريا، "وانا متفاجئ من أن العدالة عندنا اصبحت قوية بهذا الشكل". &لكن كيف تكون العدالة قوية ومر اكثر من سنتين على التفجيرين. يقول كرم: "التحقيقات تتطلب وقتًا كي تصل إلى نتيجة، لكن مثلما رأينا اليوم، الاعلام يصور المسألة وكأنها معركة وانتصار لفريق معين، فيما نحن في لبنان ومنذ سنة 1975 لم يكن لدينا غير التفجيرات، وسقط فيها مئات القتلى ولم يتم النظر إلا في هذه القضية، التي هي غير مقبولة بالتأكيد، لكن هناك اشخاص آخرون مسؤولون، هناك زعماء ماتوا ولم يسأل احد عنهم".

اضاف: "العدالة للجميع وللبنان، لذا لا يمكننا القول إنها لهذا الطرف أو ذاك، الجوامع بيوت الله وكلنا نحترمها ونجلها، لكن بالشكل الذي تمت به هذه العدالة لا ارى انها تؤدي إلى عدالة صحيحة، دعونا نفتش على العدالات الموجودة ويجب أن نقوم باتمامها".

وقلل كرم من امكانية مثول الضباط الذين أدينوا أمام القضاء اللبناني، "فاذا كنا وصلنا في السابق إلى عدالة واحكام، نصل اليوم مع هؤلاء، وإذا اردنا أن نصل بلبنان إلى الامان والسلم لا نستطيع الا أن نبحث في كل القضايا السابقة والتي ذهب ضحيتها كثر والكل يعلم كيف قتلوا، وأنا أشكك في القرارات القضائية والقضاء اللبناني عندما ارى هذه القرارات تذهب إلى جهة دون اخرى، ونعم هناك استنسابية بأخذ القرارات في القضاء اللبناني".
&