قالت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لـ «يونسكو»، إن التعليم حق، وقوة تحويلية تتيح تحقيق التنمية المستدامة، لكن العالم يحتاج إلى أساليب جديدة تتوافق مع خطة التنمية المستدامة.

خاص بـ"ايلاف": تحيي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" اليوم، الذكرى الخمسين لإعلان اليوم العالمي لمحو الأمية. ويُحتفل بهذه المناسبة في هذا العام تحت شعار "قراءة الماضي... كتابة المستقبل"، ويهدف الاحتفال إلى مراجعة الإنجازات والعِبر التي تم التوصل إليها خلال نصف القرن الماضي، إضافة إلى تحديد التحديات والحلول في إطار خطة التنمية المستدامة لعام 2030.

كما تقدم يونسكو تقريرها عن أوضاع التعليم في العالم ٢٠١٦، الذي تقول فيه إن في العالم اليوم نحو 758 مليون شخص بالغ لا يتقن أبسط مهارات القراءة والكتابة، ثلثهم من النساء. وفي هذه المناسبة، نصّت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو، مقالةً تناولت فيها اعتماد الأمم المتحدة خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والحاجة إلى توفير التعليم الذي يتفق معها.

الأمم المتحدة اعتمدت خطة التنمية المستدامة لعام 2030

تحوّل استراتيجي

كتبت بوكوفا في مقالتها أن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 واتفاق باريس في شأن المناخ، اللذين اعتمدا في العام الماضي، يمثلان تحولًا كبيرًا في الاستراتيجيات الإنمائية، "فالخطة الجديدة تتحلى برؤية متكاملة في ما يتعلق بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة، وتعتمد رؤية شاملة تجمع في طياتها جميع البلدان، وتسد الفجوة التقليدية القائمة بين الشمال والجنوب. وعلاوة على ذلك، أُعدت الأهداف الجديدة السبعة عشر الواردة فيها لتكون بمنزلة خطة واحدة مترابطة".

وبحسب بوكوفا، هذه فكرة واضحة معناها: لا يمكن تعزيز المساواة بين الجنسين من دون تعزيز الأمن الغذائي، وربما تتسبب نوعية الهواء الرديئة والظواهر المناخية الشديدة في إغلاق المدارس وجعل التعلم مستحيلًا، مع تأكيد ضرورة توفير التعليم الجيد للجميع للتصدي لأوجه عدم المساواة، والحيلولة دون وقوع النزاعات، لأن المسائل كلها متصلة في ما بينها.

التعليم حق

في عرف بوكوفا، يحتل التعليم مركزًا جوهريًا في هذه الروابط والعلاقات، وتلك هي الرسالة التي عبر عنها التقرير العالمي لرصد التعليم لعام 2016 الصادر الثلاثاء عن اليونسكو، والذي ينظر في مدى تأثير التعليم للجميع على تحقيق الأهداف السبعة عشر الجديدة للتنمية المستدامة؛ "فالتعليم حق من حقوق الإنسان، وهو أيضًا قوة تحويلية تتيح تحقيق التنمية المستدامة والتخفيف من وطأة تغير المناخ. ويمكن أن يؤدي الوفاء بالالتزامات الدولية في مجال التعليم بحلول عام 2030 إلى تفادي وفاة 3,5 ملايين طفل في الفترة بين عامي 2050 و2060 في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وحدها، ما قد يتيح انتشال 60 مليون شخص من براثن الفقر في أشد البلدان فقرًا. وبحسب تقديراتنا، يمكن أن يفضي تعميم إتمام المرحلة العليا من التعليم الثانوي في البلدان المنخفضة الدخل إلى رفع مستوى دخل الفرد بنسبة 75 في المئة بحلول عام 2050".&

صعوبات كبرى

ترى بوكوفا أن للتعليم فوائد شتى: تعزيز إنتاجية الزراعة، وتحسين الأوضاع الصحية، والقضاء على الفقر، ما يغير قواعد لعبة التنمية المستدامة، شرط التغلب على صعوبات كبرى لنتمكن من تحقيق ذلك.&

في مقدم هذه الصعوبات يأتي الأطفال المنقطعون عن الدراسة، ويصل مجموعهم اليوم إلى 263 مليون طفل (61 مليون طفل في المرحلة الابتدائية، و60 مليوناً في المرحلة الدنيا من التعليم الثانوي، و142 مليون طفل في المرحلة العليا من التعليم الثانوي).&

لا&يزال هناك 758 مليون راشد أميّ - أغلبيتهم من النساء. ويشكل الأطفال في مناطق النزاع ثلث الأطفال المنقطعين عن الدراسة، وتزداد الهجمات التي تستهدف المدارس. وتظهر الأرقام أن احتمال انقطاع الأطفال اللاجئين عن الدراسة أعلى بخمس مرات مقارنة بأقرانهم غير اللاجئين.

أثقل الأوزار

وتقول بوكوفا في مقالتها إن الفتيات والنساء يتحملن أثقل الأوزار: "يصل عدد الفتيات غير الملتحقات بالمدرسة الابتدائية إلى 32 مليون فتاة، ويزيد هذا العدد في حالة المراهقات اللواتي لا يرتدن المدرسة، ولا تبلغ نسبة الريفيات الأكثر فقرًا في العالم اللواتي أتممن المرحلة العليا من التعليم الثانوي سوى واحد في المئة".

وبحسبها، إذا استمرت الحالة على هذا المنوال، لن يتمكن العالم من تعميم إتمام التعليم الابتدائي إلا في عام 2042، وسيعمم إتمام المرحلة الدنيا من التعليم الثانوي في عام 2059 والمرحلة العليا من التعليم الثانوي في عام 2084. وستتمكن أشد البلدان فقرًا من تعميم التعليم الابتدائي بعد أغنى البلدان بأكثر من 100 عام.

إلى ذلك، توافر لبوكوفا أدلة تبين أن أغلبية نظم التعليم لا تواكب متطلبات السوق، وربما يبلغ النقص في العاملين الذين أتموا تعليمهم العالي 40 مليون شخص مقارنة بالطلب في عام 2020.

عجز التمويل

وتضيف بوكوفا في مقالتها: "ما زال التعليم يشكو نقصًا مزمنًا في التمويل، ولا بد من زيادة المساعدة المقدمة ست مرات لسد العجز في التمويل الذي يبلغ 39 مليار دولار سنويًا. ويظهر تقرير اليونسكو أنه إذا استمرت الحال على هذا المنوال فلن يحقق سوى 70 في المئة من البلدان منخفضة الدخل الأهداف المرتبطة بالتعليم الابتدائي المراد تحقيقها بحلول عام 2030، كما لن تتمكن الفتيات الأشد حرمانًا في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من الالتحاق بالمدرسة إلا في عام 2086، إذا بقينا نسيّر الأمور على النحو المعتاد. لذلك، لم يعد تسيير الأمور على النحو المعتاد أمرًا مقبولًا".

وتتابع: "علينا استحداث أساليب عمل جديدة، وإيلاء التعليم الأولوية، والربط بين شتى مجالات السياسات العامة، وعلينا أن ننفصل بشكل قاطع عن الاتجاهات السابقة، ولا سيما في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، كي نستند إلى التعليم في جميع المجالات".

وتقدم بوكوفا أمثلة على ذلك: لا تساهم برامج التغذية المدرسية في الحد من الجوع وتحسين التغذية فحسب، إنما تساعد أيضًا في زيادة المواظبة على ارتياد المدرسة، وفي تلبية احتياجات الفئات المحرومة.&

العراقيل موجودة

يحث هذا الأسلوب الجديد في العمل، بحسب مقالة بوكوفا، على عقد شراكات بين اليونسكو وصندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، هدفها مواجهة الحواجز العامة التي تحول دون تمكين الفتيات والنساء. وفي ظل وجود مجالات كثيرة مترابطة ارتباطًا وثيقًا لهذه الدرجة، نحتاج إلى هذا النوع من التعاون تحديدًا لاتخاذ تدابير ناجعة في جميع المجالات، "ولا يدعي أحد أن الدرب سيكون سالكًا خاليًا من العراقيل، فعلينا جميعًا أن نكتسب أنماطًا مختلفة في طريقة التفكير والتنظيم وتصميم السياسات، وذلك بدءًا بقطاع التربية".

يقتضي ذلك أيضًا إعادة التفكير في أهداف التعليم بغية تعزيز المهارات والمواقف وأنماط السلوك التي تحتاج إليها المجتمعات اليوم وغدًا، وهنا أيضًا، تُعتبر المدارس إحدى الجهات المعنية مباشرة، "ويشتد أزري وعزمي إذ أرى أن القضايا البيئية تحتل مركزًا جوهريًا في الصفوف المدرسية، ويجب على المدارس والأوساط التجارية والمجتمعات المحلية أن تفكر معًا في ما يتجاوز حدود النمو الاقتصادي للتركيز على الاستدامة والاستهلاك، والقضاء على أوجه اللامساواة، والتوعية بمسألة تغير المناخ".

روح التعاون

تؤكد بوكوفا هنا أن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 تدعو إلى أن يكون التعلم مدى الحياة، وأن يساعد المواطنين على التعامل مع الواقع المعقد من خلال الربط بين مسائل بقيت منفصلة عشرات الأعوام، "ولنضرب مثالًا عن مسألة إدارة المياه. فغالبًا ما تتنافس الأطراف الفاعلة في القطاع الخاص والمزارعون ورواد الأوساط الصناعية للحصول على موارد المياه، في حين لو تضافرت جهود هذه الجهات لتمكنت من جني فوائد أعلى بكثير. لكن هذه السلوكيات تقتضي توفير التعليم المؤاتي لتنميتها، فروح التعاون إحدى السمات التي ينبغي تلقينها".

تختم بوكوفا مقالتها بالقول إن الخطة الجديدة طموحة، وهذا أمر سليم، "فلتحقيق الأهداف الجديدة للتنمية المستدامة، علينا ألا نكتفي بالتحدث عن إقامة الروابط بين المجالات المنفصلة، بل علينا أن نؤدي دورًا قياديًا في تنفيذ الخطط والأنشطة الملموسة المتكاملة، من خلال الجمع بين القطاعات والأجهزة الحكومية والجهات الفاعلة بمختلف أشكالها. ويتطلب ذلك أيضًا توفير موارد مالية جديدة، إذ يصل حجم المساعدات الإنمائية المخصصة سنويًا للتعليم الأساسي إلى 5 مليارات دولار، وهذا مبلغ ضئيل مقارنة بالاحتياجات والفوائد الكبيرة التي يمكن أن نتوقع تحقيقها إذا زادت الاستثمارات. فالتعليم ضروري لبناء مستقبل أفضل للجميع، ما يملي علينا أن نشمر عن سواعدنا ونتبع أساليب عمل جديدة ونجدد جميعنا التزامنا مسؤولياتنا".