كشف تقرير حقوقي حديث عن تسجيل 1100 حالة انتحار في الجزائر سنويًا، ودعا السلطات إلى اتخاذ إجراءات ميدانية للحد من هذه الظاهرة بالنظر إلى إحصاء أكثر من 10 آلاف محاولة انتحار في السنة الواحدة، خاصة وسط الشباب العاطل عن العمل.

إيلاف من الجزائر: أعدّت هذا التقرير الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي لمنع الانتحار المصادف العاشر من سبتمبر. وذكر التقرير بإحصاءات منظمة الصحة العالمية التي تشير إلى وفاة أكثر من 800 ألف شخص كل عام منتحرين، ما يعني أن حالة انتحار واحدة تقع كل 40 ثانية تقريبًا.

لا مبالاة بالحياة
دقت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ناقوس الخطر، الذي صار يفتك بالمجتمع الجزائري، عبر تقريرها، الذي اطلعت عليه "إيلاف".

ودعت إلى "ضرورة التحرك بسرعة لمواجهة الاختلالات، التي تعيشها بنية المجتمع الجزائري، الذي يعاني مرحلة تفكك، وخير مثال على ذلك استفحال ظاهرة الانتحار، التي أخذت أبعادًا خطيرة وأشكالاً عدة، خصوصًا بين الشباب، الذين لم تعد وسيلة الموت بالنسبة إليهم تهمّ، سواء أكانت غرقًا في البحر عبر قوارب الموت، أو بدلو بنزين يسكب على أجسادهم من فوق مقر بلدية أو ولاية، أو بوساطة الأقراص الطبية، وغيرها".

وقال هواري قدور، الأمين الوطني للملفات المتخصصة للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، لـ"إيلاف"، إن "الانتحار أضحى مشكلة خطيرة تهدد الصحة العمومية في الجزائر، إذ تم تسجيل ما يفوق 10 آلاف محاولة انتحار فاشلة سنويًا وأكثر من 1100 حالة انتحار".

أسباب اجتماعية ومادية
أضاف قدور أن "معظم المنتحرين من الشباب والمراهقين، بسبب الظروف الاجتماعية والنفسية والاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، وفشل العلاقات العاطفية والإحساس بعدم الأمان، إضافة إلى البطالة، والإحساس بالتهميش، وكذا شعورهم &بانعدام دورهم في المجتمع".

لا تتوافر إحصاءات رسمية تؤكد هذه الأرقام أو تنفيها، غير أن وسائل الإعلام الجزائرية تنقل بشكل شبه يومي أخبارًا لحالات أو محاولات انتحار تسجل عبر مختلف الولايات. ويرفض الدكتور مصطفى راجعي أستاذ علم الاجتماع في جامعة مستغانم تصديق أو تكذيب هذه الإحصاءات.

وقال لـ"إيلاف": "عمومًا المؤسسات الرسمية هي مصدر البيانات، وينبغي أن تكون لنا فكرة عن نسبة الانتحار الوطنية حتى نعرف إن كانت الأرقام تعكس زيادة أو تراجعًا في نسب الانتحار".

البطالة متهمة
ولفت هواري قدور إلى أن "بعض محاولات الانتحار تكون مجرد وسيلة &للاحتجاج على موضوع معيّن أو رغبة في إثبات الذات".

وجاء في التقرير أن "53 بالمائة من المنتحرين بدون مهنة، و18 بالمائة يزاولون مهنًا حرة، و12 بالمائة يزاولون أعمالاً هشة ذات مردود مالي ضعيف، و11 بالمائة من المنتحرين من الموظفين. أما الطلبة والتلاميذ فيشكلون 6 بالمائة من عدد المنتحرين".&

وأعلن المدير العام للوكالة الوطنية للتشغيل في الجزائر محمد الطاهر شعلال أخيرًا انخفاض نسبة البطالة في الجزائر خلال شهر يوليو الماضي إلى 9,9%، بعدما سجَّلت في سبتمبر 2015 رقم 11,2%.

وبحسب الديوان الوطني للإحصائيات، فقد بلغ عدد الأشخاص البطالين في الجزائر في شهر إبريل الماضي حوالى 1.198 مليون شخص.&

تقلصت لدى الذكور
لاحظ الديوان أن نسبة البطالة انخفضت، خاصة عند الرجال، فقد هبطت إلى 8.2 بالمائة (مقابل 9.9 بالمائة في سبتمبر 2015)، في حين بقيت هذه النسبة مستقرة تقريبًا عند النساء عند 16.5 بالمائة.

ويرى راجعي أن وضعًا كهذا يجعل "الشباب هم الأكثر عرضة للانتحار بسبب الهشاشة النفسية والاجتماعية التي يمتاز بها وضعهم، من ضعف التعليم أو الانقطاع عنه والبطالة الطويلة وعدم المشاركة في أنشطة جمعوية، وعدم الاشتراك مع آخرين في شبكات تبادل اجتماعي عوامل تزيد من حدة الهشاشة الاجتماعية".

تقصير
واتهم تقرير رابطة حقوق الإنسان السلطات بالتقصير في إيجاد حل لهذه الظاهرة التي تبقى دخيلة على بلد يشكل المسلمون أكثر من 99 بالمائة من سكانه.

خاطب التقرير السلطات قائلًا: "على الرغم من صرخاتنا ونداءاتنا المتكررة، إلا أن الموضوع ظل على حاله، ولم يشهد أي تحرك من أية جهة كانت، ونؤكد للرأي العام الوطني أن المجتمع الجزائري يعيش حاليًا مرحلة تفكك سوف تخلق كوارث عديدة في المستقبل القريب لو ظلت الأمور على حالها، ولم تتحرك بشأنها الجهات الوصية".

وطالب التقرير السلطات العمومية بـ" ضرورة فتح باب الحوار أمام المواطنين ومكافحة البيروقراطية وتوفير بيئة تسود فيها الشفافية والعدالة الاجتماعية، وعدم تجاهل المشاكل والألغام الاجتماعية والتستر عليها"، ودعاها إلى" السعي إلى أخد هذه المشاكل&في الاعتبار بجدية ومعالجتها في حينها قبل تفاقمها".&

عوامل تدهور
أما الدكتور مصطفى راجعي فقال لـ"إيلاف" إن الحكومة "من خلال سياسات دعم الشباب الموسعة وغير المقيدة فتحت المجال للشبان غير المدربين وغير المؤهلين، والذين ليست لديهم مشاريع مقاولات، أن يستفيدوا من الدعم المادي وتحويله إلى أغراض أخرى ليست لها علاقة بالمقاولة".

وأضاف "في نهاية الأمر لما وقع كساد اقتصادي، ولم يجد أصحاب المؤسسات الشبانية المدعومة من الحكومة أسواقًا لبيع سلعهم وخدماتهم أصيبوا بخيبة أمل، وبدأوا يطالبون الحكومة بإيجاد أسواق لمنتجاتهم، وهكذا فالحكومة تريد أن تحل مشاكل الشباب بأدوات الدعم الذي يتسبب في خلق الفشل والإحباط، وهي عوامل تشجع على الانحراف والمخدرات والجرائم ومنها الانتحار".

&