لندن: في 15 سبتمبر 2011 زار ديفيد كاميرون طرابلس مع الرئيس الفرنسي وقتذاك نيكولا ساركوزي ليعلن من العاصمة الليبية المحررة "ان اصدقاءكم في بريطانيا وفرنسا سيقفون معكم وانتم تبنون بلدكم وتبنون ديمقراطيتكم للمستقبل".&

كان التفاؤل هو السائد وقتذاك،& وفي معسكرات الثوار والمقاهي والفنادق المزدحمة برجال الأعمال الأجانب وحتى وسط ركام مقر القذافي في باب العزيزية كان الحديث يدور حول التقدم، وكانت الحسابات الأولية تشير الى ان مستقبل ليبيا سيكون الأكثر إشراقاً بين دول الربيع العربي،& ففي ليبيا أكبر الاحتياطات النفطية في افريقيا ولا يزيد عدد سكانها على 6 ملايين يتقاسمون هذه الثروة.& وكانت الديمقراطية قادمة على الطريق.&

ولكن هذه الصورة الوردية انقلبت الى نقيضها،& وسرعان ما تحول الاستقطاب السياسي في ليبيا الى معركة بين معسكرين رئيسين هما الاسلاميون من جهة وفلول النظام السابق من الجهة الأخرى،& ولكن هذا الاستقطاب اقترن بتيارات متضاربة شائكة.& وأدت القبيلة بوصفها الوحدة السياسية الأساسية للتنظيم الاجتماعي في ليبيا الى نشوء ساحة متغيرة من التحالفات والعداوات.&

ارهاب بعد الثورة

وكما يقول المثلي الليبي فان في ليبيا "المنطقة ضد المنطقة ، وفي المناطق القبيلة ضد القبيلة، وفي القبائل العائلة ضد العائلة"، وجاءت السنوات الخمس التي اعقبت الثورة على نظام القذافي لتؤكد هذا المثل. &

وكان الليبيون شاركوا بأعداد غفيرة في انتخاب أول حكومة انتقالية متمثلة بالمؤتمر الوطني العام.& ولكن الآمال المعقودة على هذه الحكومة تبددت في سبتمبر 2012 عندما احتل ارهابيون القنصلية الاميركية في بنغازي وقتلوا السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة اميركيين آخرين معه. &

واصبح واضحاً ان الارهاب حقيقة واقعة من حقائق الحياة بعد الثورة.& وسادت الفوضى برلمان طرابلس مع تحول حلم الثورة الى كابوس.& ورفضت الميليشيات الكبيرة نزع سلاحها بل فرضت نفسها لاعباً قويا بين اللاعبين السياسيين.& وظلت السياسة الليبية حبيسة اجواء الشك وانعدام الثقة التي أشاعها القذافي للبقاء في السلطة اكثر من 40 عاماً من خلال تأليب القبيلة على القبيلة.&

في عام 2014 انقسم المؤتمر الوطني العام وانتخب الليبيون برلماناً جديداً هو مجلس النواب مراهنين على بداية جديدة.& ولكن مشاعر الغضب والعداوات هيمنت على الحملة الانتخابية، وقال دبلوماسي قبيل الانتخابات "ان الجميع خائفون من احدهم الآخر". &

هزيمة

اسفرت الانتخابات عن هزيمة كبيرة لتحالف الاسلاميين مع كتائب مصراتة الذي تمخضت عنه ميليشيا فجر ليبيا وسيطرتها على طرابلس.&وانتقل البرلمان الجديد مع انقساماته الى طبرق،& وكانت هذه التطورات الشرارة التي اشعلت الحرب الأهلية الدائرة الآن.& &

قامت بريطانيا بدور كبير في لبيبا منذ لقاء توني بلير والقذافي في الصحراء عام 2004 مرحباً بعودته الى الأسرة الدولية، وقام سياسيون بريطانيون ورجال اعمال بينهم بلير نفسه بدور رئيس في مساعدة القذافي على استثمار ثروته النفطية، وانتقل سيف الاسلام نجل القذافي المفضل الى لندن حيث كانت كلية لندن للاقتصاد سعيدة بالمال الذي دفعه لقبوله فيها ، كما تلاحظ صحيفة الغارديان.&

وعندما تدخل حلف الأطلسي لدعم الثوار ضد القذافي اتخذت الولايات المتحدة مقعداً خلفياً وتركت الدور الرئيس تتقاسمه بريطانيا وفرنسا بينهما.& ولكن ما ان انتصرت الثورة حتى تخلى كاميرون عن ليبيا.& وفي لندن لم تكن هناك نقاشات تُذكر حول ليبيا سواء بدعوة من الحكومة أو من المعارضة رغم ان عمليات القصف التي نفذتها الطائرات البريطانية أسهمت بقسط كبير في نشوء الوضع الجديد في ليبيا.

رفض الدعم

وعندما دعت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم كاميرون الى تقديم افادة في اطار تحقيقها بشأن دور بريطانيا في ليبيا العام الماضي ابلغ اللجنة ان برنامجه مزدحم ولا وقت لديه للمثول امام اللجنة.& &

في هذه الأثناء يؤكد دبلوماسيون بريطانيون ان القادة الليبيين على اختلاف اتجاهاتهم أغلقوا الباب بوجه عروض الدعم التي كانت تُقدم اليهم.& وان الذكريات التي تركتها هيمنة القوى الخارجية اورثت لدى الليبيين شكاً مقيماً بدوافع الأجانب ، ورُفضت العروض المقدمة للمساعدة في بناء دولة حديثة.&

وفي النهاية انتبهت لندن العام الماضي الى الوضع في ليبيا حيث استغل مهربو البشر الفوضى السائدة لبناء تجارة رائجة وتصاعدت قوة تنظيم داعش.&

وتقف بريطانيا مع الولايات المتحدة وايطاليا بوصفها القوى المحركة الأساسية وراء حكومة الوفاق الوطني الهشة التي شُكلت اواخر العام الماضي برعاية الأمم المتحدة.& واخفقت الحكومة غير المنتخبة وغير المحبوبة عموماً في بناء قوة أمنية خاصة بها لتعتمد بدلا من ذلك على ميليشيات منشغلة بالاقتتال في ما بينها.&

وحسمت سيطرة قوات اللواء خليفة حفتر في شرق ليبيا على موانئ استراتيجية مصير الحكومة الجديدة، التي أصبحت الآن محرومة من الثروة النفطية، كل هذا يترك ليبيا سائرة نحو التحول الى "الصومال على البحر المتوسط" ، على حد تعبير مبعوث ليبيا الخاص الدبلوماسي المخضرم جوناثان باول الذي حضر لقاء بلير والقذافي.&

أعدت "إيلاف" المادة عن صحيفة الغارديان&

المادة الأصل هنا