عبد الاله مجيد: نفذ مواطنان أميركيان هجمات إرهابية أخيرًا في مناطق متفرقة من الولايات المتحدة. واقتفى الصحافيون والأجهزة الأمنية سيرتهما لبناء التفاصيل في قصة متكاملة، أظهرت أننا دخلنا عصرًا جديدًا لإرهاب منقطع عن الأيديولوجيا.

يظهر من تاريخ أحمد خان رحيمي، المتهم بتفجيرات مانهاتن ونيو جرسي، أنه سافر إلى باكستان واصبح متطرفًا بصورة مفاجئة، وأن أحد أفراد عائلته حاول إبلاغ السلطات عن تطرفه. لكن قضية المواطن الاميركي ذي الأصل الصومالي ظاهر عدن الذي طعن عشرة اشخاص في منيسوتا قبل أن يُقتل قضية محيرة، إذ لا يبدو أن احدًا يستطيع أن يفسر ما دفعه لتنفيذ هذا الاعتداء.

اتهمه والده بالارهاب

اتفقت التقارير التي نشرتها الصحف عن سيرة رحيمي (28 سنة) المولود في أفغانستان على وجود انعطافات مهمة في خبرته كشخص إرهابي. وركز المسؤولون الأمنيون على زيارات رحيمي المتعددة إلى باكستان وأفغانستان التي دامت أطولها قرابة عام.

حين عاد من احدى زياراته قبل اربع سنوات، "كان شخصًا مختلفًا بالكامل"، كما قال احد اصدقائه لصحيفة نيويورك تايمز. أضاف الصديق أن رحيمي اصبح "جديًا ومنغلقًا تمامًا".

في عام 2014، اشتبك رحيمي في معركة مع عائلته وطعن شقيقه دافعًا والده إلى ابلاغ الشرطة بأن ابنه ارهابي. وتراجع والد رحيمي عن اتهام ابنه بالارهاب قائلا إنه تكلم في غمرة نزاع عائلي. وتبين هذه الواقعة "التحديات التي تواجه مكتب التحقيقات الفيدرالي في سعيه إلى جمع معلومات من الجمهور عن اشخاص قد يشكلون تهديدًا"، كما اشارت صحيفة نيويورك تايمز.

لا علاقة

نُشرت سير حياة مشابهة عن ظاهر عدن، وهو أميركي ذو اصل صومالي من عائلة فقيرة، وكان طالبًا مجتهدًا ثم عمل حارسًا في أثناء دراسته الكومبيوتر، وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الاعتداء الذي نفذه عدن، لكن الشرطة قالت انها لم تجد أي علاقة بين عدن وجماعات ارهابية معروفة.

يكاد يكون الدليل الوحيد على شعور عدن بالاحباط اتصاله بمدربه قبل يومين على طعنه 10 اشخاص قائلا انه سئم من الجلوس في البيت "والأكل طول الوقت" وانه يريد خفض وزنه. ولكن نية التزام نظام غذائي لخفض الوزن ليست مقدمة للتحول إلى ارهابي.

نسبة ضئيلة

بعد تنفيذ العمل الارهابي، يصبح ممكنًا تتبع الطريق الذي أوصل الارهابي إلى تطرفه: السفر، والتشدد المتزايد في السلوك الشخصي، ومتابعة البيانات والقيادات الجهادية، والكآبة أو غيرها من علامات الاصابة بمرض عقلي، وتاريخ من الجرائم الصغيرة أو العنف. لكن حين النظر من زاوية أخرى، يشكل الارهابيون نسبة ضئيلة من المسافرين الذين يصبحون متزمتين دينيًا أو يكونون مصابين بالكآبة أو مجرمين أو يشاهدون افلام فيديو حاقدة على الانترنت. ويشير حجم قائمة المشمولين بالمراقبة إلى ضخامة هذا المشروع وعقمه. ويلفت الاتحاد الاميركي للحريات المدنية إلى أن قسم إنفاذ القانون في فلوريدا تلقى في عام 2010 وحده 5247 تقريرًا عن نشاطات مريبة، اتضح أن 12 منها فقط تحوي معلومات يمكن استخدامها. وفي ذلك العام نفسه، قال مدير المركز الوطني لمكافحة الارهاب مايكل لايتر في افادة امام الكونغرس أن المركز "يتلقى كل يوم آلاف المعلومات من انحاء العالم" ويدرج أكثر من 350 شخصًا مشتبها بالارهاب على قائمة المشمولين بالمراقبة استنادًا إلى أدلة أقوى بكثير من الأدلة المتعلقة، على سبيل المثال، بالشاب النيجيري عمر عبد المطلب الذي اخفى المتفجرات في ملابسه الداخلية.

توجه ومنظومة معتقدات

أعطى والد عبد المطلب إفادة رسمية إلى ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في أبوجا في نيجيريا معربًا عن قلقه من أفكار ابنه الدينية المتطرفة، وقال إنه يعتقد أن عمر في اليمن.

أدخلت الوكالة اسم عبد المطلب والمعلومات المتوافرة عنه في قاعدة بيانية لمكافحة الارهاب كانت تضم وقتذاك 550 الف اسم، لكن لم يمنعه من ركوب الطائرة المتجهة إلى ديترويت.

كانت المنظمات الاسلامية الارهابية تؤكد دائمًا أن الجهاد ليس فعلًا بل توجه ومنظومة معتقدات، وفيما يحاول الصحافيون أن يفهموا كيف اكتسب اشخاص يبدون اعتياديين في الظاهر مثل هذه المعتقدات المتطرفة تكون قصة التطرف اكتملت وتُرجمت على ارض الممارسة. وفي حالة عمر متين الذي قتل 49 شخصا في أورلاندو فإن اهتمامه بالاسلام المتطرف ربما اكتسب طابعًا معقدًا بتأثير مواقفه المتضاربة من المثليين. وفي حالة ظاهر عدن، ليس هناك حتى الآن ما يؤكد انه اراد أن يُفهم هجومه على انه هجوم جهادي اسلامي.

من دون أيديولوجيا

يبدو أننا نعيش في حقبة الهجمات التي ينفذها أشخاص منفردون لا اشخاصًا يرتبطون بتنظيم مركزي. ويبدو أن هذه الأعمال الارهابية تحديدًا ترتبط بمظلمة شخصية أو مرض أو طموح وليس بايديولوجيا متطرفة اكتسبها الشخص في مسيرة ذات مراحل واضحة المعالم.

في بداية التحقيق مع رحيمي، حين كان من المعلومات القليلة المعروفة عنه أن عائلته اقامت دعوى على بلدة اليزابيث بسبب اجبارها على غلق مطعمها لبيع الدجاج في الساعة العاشرة مساء كل يوم، تساءل البعض على تويتر أن كان من الجائز وصف ما فعله رحيمي بالارهاب إذا كان بسبب مظلمة تتعلق بالدجاج المقلي.

انه ارهاب، لكن ربما كانت هناك معلومة تصح في النهاية على عدن أكثر مما تصح على رحيمي وهي أن الارهاب يمكن أن يوجد أحيانًا من دون أيديولوجيا ظاهرة.

أعدت إيلاف هذه المادة عن مجلة نيويوركر
المادة الأصل هنا